Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 71-71)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واتل على هؤلاء المشركين الذي قالوا : اتخذ الله ولداً من قومك نَبَأَ نُوحٍ يقول : خبر نوح ، { إذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَقامي } يقول : إن كان عظم عليكم مقامي بين أظهركم وشقّ عليكم ، { وَتَذْكِيرِي بآياتِ اللَّهِ } يقول : ووعظي إياكم بحجج الله ، وتنبيهي إياكم على ذلك . { فَعَلى اللَّهِ تَوَكَّلْت } يقول : إن كان شقَّ عليكم مقامي بين أظهركم وتذكيري بآيات الله فعزمتم على قتلي أو طردي من بين أظهركم ، فعلى الله اتكالي وبه ثقتي وهو سندي وظهري . { فأجْمِعُوا أمْرَكُمْ } يقول : فأعدّوا أمركم واعزموا على ما تقدمون عليه في أمري يقال منه : أجمعت على كذا ، بمعنى : عزمت عليه ، ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لَمْ يُجْمِعْ على الصَّوْمِ مِنَ اللَّيْلِ فَلا صَوْمَ لَهُ " بمعنى : من لم يعزم ، ومنه قول الشاعر : @ يا لَيْتَ شِعْرِي والمُنَى لا تَنْفَعُ هَلْ أغْدُوَنْ يَوْما وأمْرِي مُجْمَعُ @@ ورُوي عن الأعرج في ذلك ما : حدثني بعض أصحابنا عن عبد الوهاب عن هارون ، عن أسيد ، عن الأعرج : { فَأجْمِعُوا أمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ } يقول : أحكموا أمركم وادعوا شركاؤكم . ونصب قوله : { وشُرَكَاءَكُمْ } بفعل مضمر له ، وذلك : وادعوا شركاءكم ، وعطف بالشركاء على قوله : أمْرَكُمْ على نحو قول الشاعر : @ ورأيْتُ زَوْجَكَ فِي الوَغَى مُتَقُلِّداً سَيْفا وَرُمْحا @@ فالرمح لا يتقلد ، ولكن لما كان فيما أظهر من الكلام دليل على ما حذف ، فاكتفي بذكر ما ذكر منه مما حذف ، فكذلك ذلك في قوله : { وَشُرَكاءَكُمْ } . واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته قراء الأمصار : وشَرَكاءَكُمْ نصبا ، وقوله : فَأجْمِعُوا بهمز الألف وفتحها ، من أجمعت أمري فأنا أجمعه إجماعاً . وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه : { فأجمِعوا أمْرَكُمْ } بفتح الألف وهمزها « وَشُرَكاؤُكُمْ » بالرفع على معنى : وأجمعوا أمركم ، وليجمع أمرهم أيضاً معكم شركاؤكم . والصواب من القول في ذلك قراءة من قرأ : { فَأجْمِعُوا أمْرَكُمُ وَشُرَكاءَكُمْ } بفتح الألف من « أجمعوا » ، ونصب « الشركاء » ، لأنها في المصحف بغير واو ، ولإجماع الحجة على القراءة بها ورفض ما خالفها ، ولا يعترض عليها بمن يجوز عليه الخطأ والسهو . وعني بالشركاء آلهتهم وأوثانهم . وقوله : { ثُمَّ لا يَكُنْ أمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّة } يقول : ثم لا يكن أمركم عليكم ملتبسا مشكلاً مبهما من قولهم : غُمَّ على الناس الهلال ، وذلك إذا أشكل عليهم فلم يتبيَّنوه ، ومنه قول رأية : @ بَلْ لَوْ شَهِدْتِ النَّاسَ إذْ تُكُمُّوا بِغُمَّةٍ لَوْ لَمْ تُفَرَّجْ غُمُّوا @@ وقيل : إن ذلك من الغمّ ، لأن الصدر يضيق به ولا يتبين صاحبه لأمره مصدرا يصدره يتفرج عنه ما بقلبه ، ومنه قول خنساء : @ وذِي كُرْبَةٍ راخى ابنْ عَمْروٍ خِناقَهُ وغُمَّتَهُ عَنْ وَجُهِهِ فَتَجَلَّتِ @@ وكان قتادة يقول في ذلك ما : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { أمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةٌ } قالا : لا يكبر عليكم أمركم . وأما قوله : { ثُمَّ اقْضُوا إليَّ } فإن معناه : ثم امضوا إليّ ما في أنفسكم وافرغوا منه . كما : حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { ثُمَّ اقْضُوا إليَّ وَلا تُنْظِرُونَ } قال : اقضوا إليّ ما كنتم قاضين . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { ثُم اقْضُوا إليَّ وَلا تُنْظِرُونِ } قال : اقضوا إليّ ما في أنفسكم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . واختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى قوله : { ثُمَّ اقْضُوا إليَّ } فقال بعضهم : معناه : امضوا إليّ ، كما يقال : قد قضى فلان ، يراد : قد مات ومضى . وقال آخرون منهم : بل معناه : ثم افرغوا إليّ ، وقالوا : القضاء : الفراغ ، والقضاء من ذلك . قالوا : وكأن قضى دينه من ذلك إنما هو فرغ منه . وقد حُكي عن بعض القرّاء أنه قرأ ذلك : « ثُمَّ أفْضُوا إليّ » بمعنى : توجهوا إليّ حتى تصلوا إليّ ، من قولهم : قد أفضى إليّ الوجع وشبهه . وقوله : { ولا تُنْظِرُونِ } يقول : ولا تؤخرون ، من قول القائل : أنظرت فلانا بما لي عليه من الدين . وإنما هذا خبر من الله تعالى ذكره عن قول نبيه نوح عليه السلام لقومه : إنه بنصرة الله له عليهم واثق ومن كيدهم وتواثقهم غير خائف ، وإعلام منه لهم أن آلهتهم لا تضرّ ولا تنفع ، يقول لهم : امضوا ما تحدّثون أنفسكم به فيّ على عزم منكم صحيح ، واستعينوا من شايعكم علي بآلهتكم التي تدعون من دون الله ، ولا تؤخروا ذلك فإني قد توكلت على الله وأنا به واثق أنكم لا تضرّوني إلا أن يشاء ربي . وهذا وإن كان خبراً من الله تعالى عن نوح ، فإنه حثٌّ من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على التأسِّي به وتعريف منه سبيل الرشاد فيما قلده من الرسالة والبلاغ عنه .