Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 83-83)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : فلم يؤمن لموسى مع ما أتاهم به من الحجج والأدلة إلا ذرية من قومه خائفين من فرعون وملئهم . ثم اختلف أهل التأويل في معنى الذرّية في هذا الموضع ، فقال بعضهم : الذرية في هذا الموضع : القليل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ً فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاَّ ذُرّيَّةٌ مِن قَوْمِهِ قال : كان ابن عباس يقول : الذرية : القليل . حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله تعالى : { فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاَّ ذُرّيَّةٌ مِن قَوْمِهِ } الذرّيَّة : القليل ، كما قال الله تعالى : { كمَا أنْشأَكُمْ مِنْ ذُرّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } وقال آخرون : معنى ذلك : فما آمن لموسى إلا ذرية من أرسل إليه موسى من بني إسرائيل لطول الزمان لأن الآباء ماتوا وبقي الأبناء ، فقيل لهم ذرّية ، لأنهم كانوا ذرية من هلك ممن أرسل إليهم موسى عليه السلام . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد ، في قوله تعالى : { فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاَّ ذُرّيَّةٌ مِن قَوْمِهِ } قال : أولاد الذين أرسل إليهم من طول الزمان ومات آباؤهم . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وحدثني المثنى قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاَّ ذُرّيَّةٌ مِن قَوْمِهِ } قال : أولاد الذين أرسل إليهم موسى من طول الزمان ومات آباؤهم . حدثني الحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش : { فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاَّ ذُرّيَّةٌ مِن قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أنْ يَفْتِنَهُمْ } قال : أبناء أولئك الذين أرسل إليهم فطال عليهم الزمان وماتت آباؤهم . وقال آخرون : بل معنى ذلك : فما آمن لموسى إلا ذرّية من قوم فرعون . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلاَّ ذُرّيَّةٌ مِن قَوْمِهِ على خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أنْ يَفْتِنَهُمْ } قال : كانت الذرّية التي آمنت لموسى من أناس غير بني إسرائيل من قوم فرعون يسير ، منهم امرأة فرعون ، ومؤمن آل فرعون ، وخازن فرعون ، وامرأة خازنه . وقد رُوي عن ابن عباس خبر يدلّ على خلاف هذا القول ، وذلك ما : حدثني به المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { ذُرّيَّةٌ مِنْ قَوْمهِ } يقول : بني إسرائيل . فهذا الخبر ينبىء عنه أنه كان يرى أن الذرّية في هذا الموضع هم بنو إسرائيل دون غيرهم من قوم فرعون . وأولى هذه الأقوال عندي بتأويل الآية القول الذي ذكرته عن مجاهد ، وهو أن الذرية في هذا الموضع أريد بها ذرية من أرسل إليه موسى من بني إسرائيل ، فهلكوا قبل أن يقرّوا بنبوّته لطول الزمان ، فأدركت ذرّيتهم فآمن منهم من ذكر الله بموسى . وإنما قلت هذا القول أولى بالصواب في ذلك لأنه لم يجر في هذه الآية ذكر لغير موسى ، فلأن تكون الهاء في قوله « من قومه » من ذكر موسى لقربها من ذكره ، أولى من أن تكون من ذكر فرعون لبُعد ذكره منها ، إذ لم يكن بخلاف ذلك دليل من خبر ولا نظر . وبعد ، فإن في قوله : { عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ } الدليل الواضح على أن الهاء في قوله : { إلاَّ ذُرّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ } من ذكر موسى لا من ذكر فرعون لأنها لو كانت من ذكر فرعون لكان الكلام : « على خوف منه » ، ولم يكن { على خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ } . وأما قوله : { عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ } فإنه يعني على حال خوف ممن آمن من ذرّية قوم موسى بموسى . فتأويل الكلام : فما آمن لموسى إلا ذرّية من قومه من بني إسرائيل وهم خائفون من فرعون وملئهم أن يفتنوهم . وقد زعم بعض أهل العربية أنه إنما قيل : فما آمن لموسى إلا ذرّية من قومه ، لأن الذين آمنوا به إنما كانت أمهاتهم من بني إسرائيل وآباؤهم من القبط ، فقيل لهم الذرّية من أجل ذلك ، كما قيل لأبناء الفرس الذين أمهاتهم من العرب وآباؤهم من العجم : أبناء . والمعروف من معنى الذرّية في كلام العرب : أنها أعقاب من نسبت إليه من قِبَل الرجال والنساء ، كما قال جلّ ثناؤه : { ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوح } وكما قال : { وَمنْ ذُرّيَتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيمانَ وأيُّوبَ وَيُوسُفَ } ثم قال بعد : { وَزَكَرِيَّا وَيْحَيى وَعِيسَى وَإلَيْاسَ } فجعل من كان من قِبَل الرجال والنساء من ذرّية إبراهيم . وأما قوله : { وَمَلَئِهِمْ } فإن الملأ : الأشراف . وتأويل الكلام : على خوف من فرعون ومن أشرافهم . واختلف أهل العربية فيمن عني بالهاء والميم اللتين في قوله : { وَمَلَئِهِمْ } فقال بعض نحويي البصرة : عني بها الذرّية . وكأنه وجه الكلام إلى : فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه ، على خوف من فرعون ، وملأ الذرية من بني إسرائيل . وقال بعض نحويي الكوفة : عني بهما فرعون ، قال : وإنما جاز ذلك وفرعون واحد لأن الملك إذا ذكر لخوف أو سفر أو قدوم من سفر ذهب الوهم إليه وإلى من معه . وقال : ألا ترى أنك تقول : قدم الخليفة فكثر الناس ، تريد بمن معه ، وقدم فغلت الأسعار ؟ لأنا ننوي بقدومه قدوم من معه . قال : وقد يكون يريد أن بفرعون آل فرعون ، ويحذف آل فرعون فيجوز ، كما قال : { وَاسْئَل القَرْيَةَ } يريد أهل القرية ، والله أعلم . قال : ومثله قوله : { يا أيُّها النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : الهاء والميم عائدتان على الذرية . ووجه معنى الكلام إلى أنه على خوف من فرعون ، وملأ الذرّية لأنه كان في ذرّية القرن الذين أرسل إليهم موسى من كان أبوه قبطيًّا وأمه إسرائيلية ، فمن كان كذلك منهم كان مع فرعون على موسى . وقوله : { أنْ يَفْتِنَهُمْ } يقول : كان إيمان من آمن من ذرّية قوم موسى على خوف من فرعون أن يفتنهم بالعذاب ، فيصدّهم عن دينهم ، ويحملهم على الرجوع عن إيمانهم والكفر بالله . وقال : { أنْ يَفْتِنَهُمْ } فوحد ولم يقل : « أن يفتنوهم » ، لدليل الخبر عن فرعون بذلك أن قومه كانوا على مثل ما كان عليه لما قد تقدّم من قوله : { عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ } . وقوله : { وَإنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الأرْضِ } يقول تعالى ذكره : وإن فرعون لجبار مستكبر على الله في أرضه . { وإنَّهُ لَمِنَ المُسْرِفِينَ } وإنه لمن المتجاوزين الحقّ إلى الباطل ، وذلك كفره بالله وتركه الإيمان به وجحوده وحدانية الله وادّعاؤه لنفسه الألوهة وسفكه الدماء بغير حلها .