Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 111-111)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته جماعة من قرّاء أهل الـمدينة والكوفة : { وَإنَّ } مشددة { كُلاًّ لـمَّا } مشدّدة . واختلفت أهل العربـية فـي معنى ذلك ، فقال بعض نـحويـي الكوفـيـين : معناه إذا قرىء كذلك وإن كلاًّ لـمـما لـيوفـيهم ربك أعمالهم ، ولكن لـما اجتـمعت الـميـمات حذفت واحدة فبقـيت ثنتان ، فأدغمت واحدة فـي الأخرى ، كما قال الشاعر @ : وإنّـي لَـمَّا أُصْدِرُ الأمْرَ وَجْهَهُ إذَا هُوَ أعْيا بـالنَّبِـيـل مَصَادِرُه @@ ثم تـخفف ، كما قرأ بعض القرّاء : « والبَغْي يَعِظُكُمْ » يخفف الـياء مع الـياء ، وذكر أن الكسائي أنشده : @ وأشْمَتَّ العُدَاةَ بِنَا فَأضْحُوا لَدَيْ يَتَبـاشَرُونَ بِـمَا لَقِـيْنَا @@ وقال : يريد : لديّ يتبـاشرون بـما لقـينا ، فحذف « ياء » لـحركتهن واجتـماعهن قال : ومثله @ : كانَ مِنْ آخرَها إلقادِم مَخْرِمَ نَـجْدٍ فـارعِ الـمَحارِمِ @@ وقال أراد إلـى القادم ، فحذف اللام عند اللام . وقال آخرون : معنى ذلك إذا قرىء كذلك : { وإنَّ كُلاًّ } شديداً وحقًّا لـيوفـيهم ربك أعمالهم . قال : وإنـما يراد إذا قرىء ذلك كذلك : { وإنَّ كُلاًّ لَـمًّا } بـالتشديد والتنوين ، ولكن قاىء ذلك كذلك حذف منه التنوين ، فأخرجه علـى لفظ « فَعْلَـى » لـما كما فعل ذلك فـي قوله : { ثُمَّ أرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرَى } فقرأ « تترى » بعضهم بـالتنوين ، كما قرأ من قرأ : « لَـمًّا » بـالتنوين ، وقرأ آخرون بغير تنوين ، كما قرأ { لَـمًّا } بغير تنوين من قرأه ، وقالوا : أصله من اللـمّ من قول الله تعالـى : { وتَأْكُلُونَ التُّراثَ أكْلاً لَـمًّا } يعنـي : أكلاً شديداً . وقال آخرون : معنى ذلك إذا قرىء كذلك : وإن كلاًّ إلا لـيوفـيهم ، كما يقول القائل : لقد قمت عنا ، وبـالله إلا قمت عنا . ووجدت عامة أهل العلـم بـالعربـية ينكرون هذا القول ، ويأبون أن يكون جائزاً توجيه « لـما » إلـى معنى « إلا » فـي الـيـمين خاصة وقالوا : لو جاز أن يكون ذلك بـمعنى إلا جاز أن يقال : قام القوم لـما أخاك ، بـمعنى : إلا أخاك ، ودخولها فـي كل موضع صلـح دخول إلا فـيه . وأنا أرى أن ذلك فـاسد من وجه هو أبـين مـما قاله الذين حكينا قولهم من أهل العربـية إنّ فـي فساده ، وهو أنّ « إنّ » إثبـات للشيء وتـحقـيق له ، و « إلا » أيضاً تـحقـيق أيضاً ، وإنـما تدخـل نقضاً لـجحد قد تقدمها . فإذا كان ذلك معناها فواجب أن تكون عند متأوّلها التأويـل الذي ذكرنا عنه ، أن تكون بـمعنى الـجحد عنده ، حتـى تكون إلا نقضاً لها . وذلك إن قاله قائل قول لا يخفـى جهل قائله ، اللهمّ إلا أن يخفف قارىء « إنّ » فـيجعلها بـمعنى « إن » التـي تكون بـمعنى الـجحد . وإن فعل ذلك فسدت قراءته ذلك كذلك أيضاً من وجه آخر ، وهو أنه يصير حينئد ناصبـاً لـ « كلّ » بقوله : لـيوفـيهم ، ولـيس فـي العربـية أن ينصب ما بعد « إلا » من الفعل الاسم الذي قبلها ، لا تقول العرب : ما زيداً إلا ضربت ، فـيفسد ذلك إذا قرىء كذلك من هذا الوجه إلا أن يرفع رافع الكلّ ، فـيخالف بقراءته ذلك كذلك قراءة القرّاء وخطّ مصاحف الـمسلـمين ، ولا يخرج بذلك من العيب بخروجه من معروف كلام العرب . وقد قرأ ذلك بعض قراء الكوفـيـين « وإنْ كُلاًّ » بتـخفـيف « إن » ونصب « كلاًّ » لَـمًّا مشددة . وزعم بعض أهل العربـية أن قارىء ذلك كذلك أراد « إنّ » الثقـيـلة فخففها . وذُكر عن أبـي زيد البصري أنه سمع : كأنْ ثديـيه حُقَّان ، فنصب ب « كأنْ » ، والنون مخففة من « كأن » ومنه قول الشاعر : @ وَوَجْهٌ مُشْرِقُ النَّـحْرِ كأنْ ثَدْيَـيْهِ حُقَّانٍ @@ وقرأ ذلك بعض الـمدنـين بتـخفـيف « إنّ » ونصب « كُلاًّ » وتـخفـيف « لَـمَا » . وقد يحتـمل أن يكون قارىء ذلك كذلك قصد الـمعنى الذي حكيناه عن قارىء الكوفة من تـخفـيفه نون « إن » وهو يريد تشديدها ، ويريد بـما التـي فـي « لَـمَا » التـي تدخـل فـي الكلام صلة ، وأن يكون قصد إلـى تـحميـل الكلام معنى : وإن كلاًّ لـيوفـينهم ويجوز أن يكون معناه كان فـي قراءته ذلك كذلك : وإنْ كُلاًّ لـيوفـينهم أيْ لـيوفِّـينّ كُلاًّ ، فـيكون نـيته فـي نصب « كلّ » كانت بقوله : « لـيَوفـينهم » ، فإن كان ذلك أراد ففـيه من القبح ما ذكرت من خلافه كلام العرب ، وذلك أنها لا تنصب بفعل بعد لام الـيـمين اسماً قبلها . وقرأ ذلك بعض أهل الـحجاز والبصرة : « وإنَّ » مشددة « كُلاًّ لَـمَا » مخففة { لَـيُوفِّـيَنَّهُمْ } ، ولهذه القراءة وجهان من الـمعنى : أحدهما : أن يكون قارئها إراد : وإنَّ كُلاًّ لـمَنْ لـيوفـيهم ربك أعمالهم ، فـيوجه « ما » التـي فـي « لـما » إلـى معنى « مَنْ » كما قال جلّ ثناؤه : { فـانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ } وإن كان أكثر استعمال العرب لها فـي غير بنـي آدم ، وينوي بـاللام التـي فـي « لـما » اللام التـي يتلقـى بها « وإن » جوابـاً لها ، وبـاللام التـي فـي قوله : { لَـيُوفِّـيَنَّهُمْ } لام الـيـمين دخـلت فـيـما بـين ما وصلتها ، كما قال جلّ ثناؤه : { وإنْ مِنْكُمْ لَـمَنْ لَـيُبَطِّئَنَّ } وكما يقال هذا ما لغيره أفضل منه . والوجه الآخر : أن يجعل « ما » التـي فـي « لـما » بـمعنى « ما » التـي تدخـل صلة فـي الكلام ، واللام التـي فـيها اللام التـي يجاب بها ، واللام التـي فـي : { لَـيُوَفِّـيَنَّهُمْ } هي أيضا اللام التـي يجاب بها « إنَّ » كرّرت وأعيدت ، إذا كان ذلك موضعها ، وكانت الأولـى مـما تدخـلها العرب فـي غير موضعها ثم تعيدها بعدُ فـي موضعها ، كما قال الشاعر : @ فَلَوْ أنَّ قَوْمي لَـمْ يَكُونُوا أعِزَّةً لِبَعْدٍ لَقَدْ لا قَـيْتُ لا بُدَّ مَصْرَعا @@ وقرأ ذلك الزهري فـيـما ذكر عنه : { وَإنَّ كُلاًّ } بتشديد إنَّ ولَـمًّا بتنوينها ، بـمعنى : شديداً وحقًّا وجميعاً . وأصح هذه القراءات مخرجاً علـى كلام العرب الـمستفـيض فـيهم قراءة من قرأ : « وإنَّ » بتشديد نونها ، « كُلاًّ لَـمَا » بتـخفـيف ما { لَـيُوَفِّـيَنَّهُمْ رَبُّكَ } بـمعنى : وإن كلّ هؤلاء الذين قصصنا علـيك يا مـحمد قصصهم فـي هذه السور ، لـمن لـيوفـينهم ربك أعمالهم بـالصالـح منها بـالـجزيـل من الثواب ، وبـالطالـح منها بـالتشديد من العقاب ، فتكون « ما » بـمعنى « من » واللام التـي فـيها جوابـاً لأن واللام فـي قوله : { لَـيُوفِّـيَنَّهُمْ } لام قسم . وقوله : { إنَّهُ بِـما يَعْمَلُونَ خَبِـيرٌ } يقول تعالـى ذكره : إن ربك بـما يعمل هؤلاء الـمشركون بـالله من قومك يا مـحمد ، خبـير ، لا يخفـى علـيه شيء من عملهم بل يخبرُ ذلك كله ويعلـمه ويحيط به حتـى يجازيهم علـى جميع ذلك جزاءهم .