Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 116-116)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : فهلا كان من القرون الذين قصصت علـيك نبأهم فـي هذه السورة الذين أهلكتهم بـمعصيتهم إياي وكفرهم برسلـي من قبلكم . { أولُو بَقِـيَّةٍ } يقول : ذو بقـية من الفهم والعقل ، يعتبرون مواعظ الله وبتدبرون حججه ، فـيعرفون ما لهم فـي الإيـمان بـالله وعلـيهم فـي الكفر به { يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسادِ فِـي الأرْضِ } يقول : ينهون أهل الـمعاصي عن معاصيهم أهل الكفر بـالله عن كفرهم به فـي أرضه . { إلاَّ قَلِـيلاً مِـمَّنْ أنـجَيْنا مِنْهُمْ } يقول : لـم يكن من القرون من قبلكم أولو بقـية ينهون عن الفساد فـي الأرض إلا يسيرا ، فإنهم كانوا ينهون عن الفساد فـي الأرض ، فنـجاهم الله من عذابه ، حين أخذ من كان مقـيـما علـى الكفر بـالله عذابه ، وهم أتبـاع الأنبـياء والرسل . ونصب « قلـيلاً » لأن قوله : { إلاَّ قَلِـيلاً } استثناء منقطع مـما قبله ، كما قال : { إلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَـمَّا آمَنُوا } ، وقد بـيَّنا ذلك فـي غير موضع بـما أغنى عن إعادته . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : اعتذر فقال : { فَلَوْلا كانَ مِنَ القُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ } … حتـى بلغ : { إلاَّ قَلِـيلاً مِـمَّنْ أنـجَيْنا مِنْهُمْ } فإذا هم الذين نـجوا حين نزل عذاب الله . وقرأ : { واتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَـمُوا ما أُتْرِفُوا فِـيهِ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { فَلَوْلا كانَ مِنَ القُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِـيَةٍ } … إلـى قوله : { إلاَّ قَلِـيلاً مِـمَّنْ أنـجَيْنا مِنْهُمْ } قال : يستقلهم الله من كل قوم . حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا ابن أبـي عديّ ، عن داود ، قال : سألنـي بلال ، عن قول الـحسن فـي العذر ، قال : فقال : سمعت الـحسن يقول : { قِـيـلَ يا نُوحُ اهْبطْ بَسلامٍ مَنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَـيْكَ وَعلـى أُمَـمٍ مـمَّنْ مَعَكَ وأُمَـمٌ سَنُـمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَـمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ ألـيـمٌ } قال : بعث الله هوداً إلـى عاد ، فنـجى الله هوداً والذين آمنوا معه وهلك الـمتـمتعون . وبعث الله صالـحاً إلـى ثمود ، فنـجى الله صالـحاً وهلك الـمتـمتعون . فجعلت أستقريه الأمـم ، فقال : ما أراه إلا كان حسن القول فـي العذر . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { فَلَوْلا كانَ مِنَ القُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِـيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسادِ فِـي الأرْضِ إلاَّ قَلِـيلاً مِـمَّنْ أنـجَيْنا مِنْهُمْ } . أي لـم يكن من قبلكم من ينهى عن الفساد فـي الأرض ، { إلاَّ قلـيلاً مـمن أنـجينا منهم } . وقوله : { واتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَـمُوا ما أُتْرِفُوا فِـيهِ } يقول تعالـى ذكره : واتبع الذين ظلـموا أنفسهم فكفروا بـالله ما أترفوا فـيه . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عبـاس : { واتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَـمُوا ما أُتْرِفُوا فِـيهِ } قال : ما أُنْظروا فـيه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { واتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَـمُوا ما أُتْرِفُوا فِـيهِ } من دنـياهم . وكأن هؤلاء وجهوا تأويـل الكلام : واتبعوا الذين ظلـموا الشيء الذي أنظرهم فـيه ربهم من نعيـم الدنـيا ولذاتها ، إيثاراً له علـى عمل الآخرة وما ينـجيهم من عذاب الله . وقال آخرون : معنى ذلك : واتبع الذين ظلـموا ما تـجبروا فـيه من الـملك وعتوا عن أمر الله . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قول الله : { واتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَـمُوا ما أُتْرِفُوا فِـيهِ } قال : فـي ملكهم وتـجبرهم ، وتركوا الـحقّ . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، نـحوه ، إلا أنه قال : وتركهم الـحقّ . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، مثل حديث مـحمد بن عمرو سواء . وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال : إن الله تعالـى ذكره أخبر أن الذين ظلـموا أنفسهم من كل أمة سلفت فكفروا بـالله ، اتبعوا ما أنظروا فـيه من لذّات الدنـيا فـاستكبروا وكفروا بـالله واتبعوا ما أنظروا فـيه من لذّات الدنـيا ، فـاستكبروا عن أمر الله وتـجبروا وصدّوا عن سبـيـله وذلك أن الـمترف فـي كلام العرب : هو الـمنعم الذي قد غَذّى بـاللذات ، ومنه قول الراجز @ : تُهْدِي رُءُوس الـمُتْرَفِـينَ الصُّدَّادْ إلـى أمِيرِ الـمُوءْمِنِـينَ الـمُـمْتادْ @@ وقوله : { وكانُوا مُـجْرِمِينَ } يقول : وكانوا مكتسي الكفر بـالله .