Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 3-3)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : ثم فصلت آياته بأن لا تعبدوا إلا الله وبأن استغفروا ربكم . ويعني بقوله : { وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ } وأن اعملوا أيها الناس من الأعمال ما يرضي ربكم عنكم ، فيستر عليكم عظيم ذنوبكم التي ركبتموها بعبادتكم الأوثان والأصنام وإشراككم الآلهة والأنداد في عبادته . وقوله : { ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ } يقول : ثم ارجعوا إلى ربكم بإخلاص العبادة له دون ما سواه من سائر ما تعبدون من دونه بعد خلعكم الأنداد وبراءتكم من عبادتها . ولذلك قيل : { وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ } ولم يقل : وتوبوا إليه لأن التوبة معناها الرجوع إلى العمل بطاعة الله ، والاستغفار : استغفار من الشرك الذي كانوا عليه مقيمين ، والعمل لله لا يكون عملاً له إلا بعد ترك الشرك به ، فأما الشرك فإن عمله لا يكون إلا للشيطان ، فلذلك أمرهم تعالى ذكره بالتوبة إليه بعد الاستغفار من الشرك ، لأن أهل الشرك كانوا يرون أنهم يطيعون الله بكثير من أفعالهم وهم على شركهم مقيمون . وقوله : { يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إلى أجَلٍ مُسَمًّى } يقول تعالى ذكره للمشركين الذين خاطبهم بهذه الآيات : استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ، فإنكم إذا فعلتم ذلك بسط عليكم من الدنيا ورزقكم من زينتها ، وأنسأ لكم في آجالكم إلى الوقت الذي قضى فيه عليكم الموت . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إلى أجَلٍ مُسَمًّى } فأنتم في ذلك المتاع فخذوه بطاعة الله ومعرفة حقه ، فإن الله منعم يحبّ الشاكرين وأهل الشكر في مزيد من الله ، وذلك قضاؤه الذي قضى . وقوله : { إلى أجَلٍ مُسَمًّى } يعني الموت . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { إلى أجَلٍ مُسَمًّى } قال : الموت . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إلى أجَلٍ مُسَمًّى } وهو الموت . حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { إلى أجَلٍ مُسَمًّى } قال : الموت . وأما قوله : { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } فإنه يعني : يثيب كلّ من تفضل بفضل ماله أو قوّته أو معروفه على غيره محتسباً مريداً به وجه الله ، أجْزَلَ ثوابه وفضله في الآخرة . كما : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَيؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } قال : ما احتسب به من ماله ، أو عمل بيده أو رجله ، أو كلمه ، أو ما تطوّع به من أمره كله . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد . قال : وحدثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه ، إلا أنه قال : أو عمل بيديه أو رجليه وكلامه ، وما تطوّل به من أمره كله . حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد بنحوه ، إلا أنه قال : وما نطق به من أمره كله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } أي في الآخرة . وقد رُوي عن ابن مسعود أنه كان يقول في تأويل ذلك ما : حُدثت به عن المسيب بن شريك ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن مسعود ، في قوله : { وَيؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } قال : من عمل سيئة كتبت عليه سيئة ، ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات . فإن عوقب بالسيئة التي كان عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات ، وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات . ثم يقول : هلك من غلب آحاده أعشاره . وقوله : { وإنْ تَوَلَّوْا فإني أخافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } يقول تعالى ذكره : وإن أعرضوا عما دعوتهم إليه من إخلاص العبادة لله وترك عبادة الآلهة وامتنعوا من الاستغفار لله والتوبة إليه فأدبروا مولين عن ذلك ، فإني أيها القوم أخاف عليكم عذاب يوم كبير شأنه عظيم هوله ، وذلك { يَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } وقال جلّ ثناؤه : { وإنْ تَوَلَّوْا فإنّ أخافُ عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْمٍ كَبِيرٍ } ولكنه مما قد تقدمه قوله ، والعرب إذا قدمت قبل الكلام قولاً خاطبت ثم عادت إلى الخبر عن الغائب ثم رجعت بعد إلى الخطاب ، وقد بينا ذلك في غير موضع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .