Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 66-66)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : فلـما جاء ثمود عذابنا ، { نَـجَّيْنا صَالِـحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا } به { مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا } يقول : بنعمة وفضل من الله . { وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ } يقول : ونـجيناهم من هوان ذلك الـيوم وذُلّة بذلك العذاب . { إنَّ رَبَّكَ هُوَ القَوِيُّ } فـي بطشه إذا بطش بشيء أهلكه ، كما أهلك ثمود حين بطش بها العزيز ، فلا يغلبه غالب ولا يقهره قاهر ، بل يغلب كلّ شيء ويقهره . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ } قال : نـجاه الله برحمة منا ، ونـجاه من خزي يومئذ . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن أبـي بكر بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة قال : قلنا له : حدّثنا حديث ثمود قال : أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمود : " كانت ثمود قوم صالـح ، أعمرهم الله فـي الدنـيا فأطال أعمارهم حتـى جعل أحدهم يبنـي الـمسكن من الـمدَر ، فـينهدم والرجل منهم حيّ ، فلـما رأوا ذلك اتـخذوا من الـجبـال بـيوتاً فَرِهين ، فنـحتوها وجوّفوها ، وكانوا فـي سعة من معايشهم ، فقالوا : يا صالـح ادع لنا ربك يخرج لنا آية نعلـم أنك رسول الله فدعا صالـح ربه ، فأخرج لهم الناقة ، فكان شِرْبُها يوماً وشِرْبهم يوماً معلوماً . فإذا كان يوم شربها خـلوا عنها وعن الـماء وحلبوها لبناً ، ملأوا كلّ إناء ووعاء وسقاء ، حتـى إذا كان يوم شربهم صرفوها عن الـماء ، فلـم تشرب منه شيئاً ، ملأوا كلّ إناء ووعاء وسقاء . فأوحى الله إلـى صالـح : إن قومك سيعقرون ناقتك فقال لهم ، فقالوا : ما كنا لنفعل فقال : إلا تعقروها أنتـم يوشك أن يولد فـيكم مولود . قالوا : ما علامة ذلك الـمولود ؟ فوالله لا نـجده إلا قتلناه قال : فإنه غلام أشقر أزرق أصهب أحمر . قال : وكان فـي الـمدينة شيخان عزيزان منـيعان ، لأحدهما ابن يرغب به عن الـمناكح ، وللآخر ابنة لا يجد لها كفؤا ، فجمع بـينهما مـجلس ، فقال أحدهما لصاحبه : ما يـمنعك أن تزوّج ابنك ؟ قال : لا أجد له كفؤاً ، قال : فإن ابنتـي كفؤٌ له ، وأنا أزوّجك فزوّجه ، فولد بـينهما ذلك الـمولود . وكان فـي الـمدينة ثمانـية رهط يفسدون فـي الأرض ، ولا يصلـحون ، فلـما قال لهم صالـح : إنـما يعقرها مولود فـيكم ، اختاروا ثمانـي نسوة قوابل من القرية ، وجعلوا معهنّ شُرَطاً كانوا يطوفون فـي القرية ، فإذا وجدوا الـمرأة تُـمْخَض ، نظروا ما ولدها إن كان غلاماً قلبنه ، فنظرن ما هو ، وإن كانت جارية أعرضن عنها ، فلـما وجدوا ذلك الـمولود صرخ النسوة وقلن : هذا الذي يريد رسول الله صالـح فأراد الشرط أن يأخذوه ، فحال جدّاه بـينهم وبـينه وقالا : لو أن صالـحاً أراد هذا قتلناه فكان شرّ مولود ، وكان يشِبّ فـي الـيوم شبـابَ غيرِه فـي الـجمعة ، ويشبّ فـي الـجمعة شَبـابَ غيره فـي الشهر ، ويشبّ فـي الشهر شبـابَ غيره فـي السنة . فـاجتـمع الثمانـية الذين يفسدون فـي الأرض ولا يصلـحون وفـيهم الشيخان ، فقالوا نستعمل علـينا هذا الغلام لـمنزلته وشرف جدّيه ، فكانوا تسعة . وكان صالـح لا ينام معهم فـي القرية ، كان فـي مسجد يقال له مسجد صالـح ، فـيه يبـيت بـاللـيـل ، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكرهم ، وإذا أمسى خرج إلـى مسجده فبـات فـيه " . قال حجاج : وقال ابن جريج : " لـما قال لهم صالـح : إنه سيولد غلام يكون هلاككم علـى يديه ، قالوا فكيف تأمرنا ؟ قال : آمركم بقتلهم فقتلوهم إلا واحداً . قال : فلـما بلغ ذلك الـمولود قالوا : لو كنا لـم نقتل أولادنا ، لكان لكل رجل منا مثل هذا ، هذا عمل صالـح . فأتـمروا بـينهم بقتله ، وقالوا : نـخرج مسافرين والناس يروننا عَلانـية ، ثم نرجع من لـيـلة كذا من شهر كذا وكذا فنرصده عند مصلاه فنقتله ، فلا يحسب الناس إلا أنا مسافرون كما نـحن فأقبلوا حتـى دخـلوا تـحت صخرة يرصدونه ، فأرسل الله علـيهم الصخرة فرضختهم ، فأصبحوا رَضخاً . فـانطلق رجال مـمن قد اطلع علـى ذلك منهم ، فإذا هم رضخ ، فرجعوا يصيحون فـي القرية : أي عبـادَ الله ، أما رضي صالـح أن أمرهم أن يقتلوا أولادهم حتـى قتلهم ؟ فـاجتـمع أهل القرية علـى قتل الناقة أجمعون ، وأحجموا عنها إلا ذلك الابن العاشر " . ثم رجع الـحديث إلـى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " وأرادوا أن يـمكروا بصالـح ، فمشَوا حتـى أتوا علـى سَرَب علـى طريق صالـح ، فـاختبأ فـيه ثمانـية ، وقالوا : إذا خرج علـينا قتلناه وأتـينا أهله فبـيتناهم فأمر الله الأرض فـاستوت علـيهم " . قال : " فـاجتـمعوا ومشَوا إلـى الناقة وهي علـى حوضها قائمة ، فقال الشقـيّ لأحدهم : ائتها فـاعقرها فأتاها فتعاظمه ذلك ، فأضرب عن ذلك ، فبعث آخَر فأعظم ذلك ، فجعل لا يبعث رجلاً إلا تعاظمه أمرها حتـى مشَوا إلـيها ، وتطاول فضرب عرقوبـيها ، فوقعت تركض ، وأتـى رجل منهم صالـحاً ، فقال : أدرك الناقة فقد عقرت فأقبل ، وخرجوا يتلقونه ويعتذرون إلـيه : يا نبـي الله إنـما عقرها فلان ، إنه لا ذنب لنا . قال : فـانظروا هل تُدْرِكون فصيـلها ، فإن أدركتـموه ، فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب فخرجوا يطلبونه ، ولـما رأى الفصيـلُ أمه تضطرب أتـى جبلاً يقال له القارة قصيراً ، فصعد وذهبوا لـيأخذوه ، فأوحي الله إلـى الـجبل ، فطال فـي السماء حتـى ما يناله الطير " . قال : " ودخـل صالـح القرية ، فلـما رآه الفصيـل بكى حتـى سالت دموعه ، ثم استقبل صالـحاً فَرَغا رَغْوة ، ثم رغا أخرى ، ثم رغا أخرى ، فقال صالـح لقومه : لكل رَغوة أجل يوم { تَـمَتَّعُوا فِـي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أيَّامٍ ذلكَ وَعْدٌ غيرُ مَكْذُوبٍ } ألا إن آية العذاب أن الـيوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة ، والـيوم الثانـي مـحمرة ، والـيوم الثالث مسودّة فلـما أصبحوا فإذا وجوههم كأنها طُلِـيَت بـالـخَـلُوق ، صغيرهم وكبـيرهم ، ذكرهم وأنثاهم . فلـما أمْسَوْا صاحوا بأجمهم : ألا قد مضى يوم من الأجل وحضركم العذاب فلـما أصبحوا الـيوم الثالث إذا وجوههم مـحمرة كأنها خُضِبت بـالدماء ، فصاحوا وضجوا وبكوا وعرفوا آية العذاب . فلـما أمسوْا صاحوا بأجمعهم : ألا قد مضى يومان من الأجل وحضركم العذاب فلـما أصبحوا الـيوم الثالث فإذا وجوههم مسودّة كأنها طُلـيت بـالقار ، فصاحوا جميعاً : ألا قد حضركم العذاب فتكفنوا وتـحنَّطوا ، وكان حَنوطهم الصبر والـمَقْر ، وكانت أكفـانهم الأنطاع . ثم ألَقْوا أنفسهم بـالأرض ، فجعلوا يقلبون أبصارهم ، فـينظرون إلـى السماء مرّة وإلـى الأرض مرّة ، فلا يدرون من حيث يأتـيهم العذاب من فوقهم من السماء أو من تـحت أرجلهم من الأرض خَسْفـاً وغرقاً . فلـما أصبحوا الـيوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فـيها صوت كلّ صاعقة ، وصوت كل شيء له صوت فـي الأرض ، فتقطعت قلوبهم فـي صدورهم ، فأصبحوا فـي دارهم جاثمين " حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : حُدِّثت أنه لـما أخذتهمُ الصيحة أهلك الله مَنْ بـين الـمشارق والـمغارب منهم إلا رجلاً واحداً كان فـي حَرَم الله ، منعه حَرَم الله من عذاب الله . قـيـل : ومن هو يا رسول الله ، قال : « أبو رِغال « . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتـى علـى قرية ثمود لأصحابه : " لا يَدْخُـلَنَّ أحَدٌ مِنْكُمُ القَرْيَةَ وَلا تَشْرَبُوا مِنْ مائهِمْ " وأراهم مرتقـي الفصيـل حين ارتقـي فـي القَارَة . قال ابن جريج ، وأخبرنـي موسى بن عُقْبة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر : أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم حين أتـى علـى قرية ثمود قال : " لا تَدْخُـلُوا علـى هؤلاءِ الـمَعَذّبِـينَ إلاَّ أنْ تَكُونُوا بـاكِينَ ، فإنْ لَـمْ تَكُونُوا بـاكينَ فَلا تَدْخُـلُوا عَلَـيْهمْ أنْ يُصِيبَكُمْ ما أصَابَهُمْ " . قال ابن جريج : قال جابر بن عبد الله . إن النبـيّ صلى الله عليه وسلم لـما أتـى علـى الـحِجْر ، حمِد الله وأثنى علـيه ثم قال : " أمَّا بَعْدُ ، فَلا تَسألُوا رَسُولَكُمُ الآياتِ ، هَؤُلاءِ قَوْمُ صَالِـحٍ سألُوا رَسوَلهُمُ الآيَة ، فَبَعَثَ اللَّهُ لَهُمُ النَّاقَةَ ، فَكانَتْ تَرِدُ منْ هَذَا الفَجِّ وتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الفَجّ ، فَتَشْرَبُ ماءَهُمْ يَوْمَ وُرُودِها " حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذُكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم لـما مرّ بوادي ثمود ، وهو عامد إلـى تَبُوك قال : فأمر أصحابه أن يسرعوا السير ، وأن لا ينزلوا به ، ولا يشربوا من مائه ، وأخبرهم أنه وادٍ ملعون . قال : وذُكِر لنا أن الرجل الـموسر من قوم صالـح كان يعطِي الـمعسر منهم ما يتكفَّنون به ، وكان الرجل منهم يَـلْـحَد لنفسه ولأهل بـيته ، لـميعاد نبـيّ الله صالـح الذي وعدهم وحدّث من رآهم بـالطرق والأفنـية والبـيوت ، فـيهم شبـان وشيوخ أبقاهم الله عبرة وآية . حدثنا إسماعيـل بن الـمتوكل الأشجعي من أهلِ حمص ، قال : ثنا مـحمد بن كثـير ، قال : ثنا عبد الله بن واقد ، عن عبد الله بن عثمان بن خثـيـم ، قال : ثنا أبو الطفـيـل ، قال : لـما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تَبُوك ، نزل الـحِجر فقال : " يا أيُّها النَّاسُ لا تَسألُوا نَبِـيَّكُمُ الآياتِ هَؤلاءِ قَوْمُ صَالِـحٍ سألُوا نَبِـيَّهُمْ أنْ يَبْعَثَ لَهُمْ آيَةً ، فَبَعَثَ اللَّهُ لَهُمُ النَّاقَةَ آيَةً ، فَكانَتْ تَلِـجُ عَلَـيْهِمْ يَوْمَ وُرُودِهُمُ الَّذِي كانُوا يَتَرَوّونَ مِنْهُ ، ثُمَّ يَحْلُبُونَها مِثْلَ ما كانُوا يَتَرَوَّوْنَ مِنْ مائهِمْ قَبْلَ ذلكَ لَبَناً ، ثُمَّ تَـخْرُجُ مِن ذلكَ الفَجِّ ، فَعَتَوْا عَنْ أمْرِ رَبِّهِمْ وَعَقَرُوها ، فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ العَذَابَ بَعْدَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ ، وكانَ وَعْداً مِنَ اللَّهِ غيرَ مَكْذُوبٍ ، فأهْلَكَ اللَّهُ مَنْ كانَ مِنْهُمْ فِـي مَشارِقِ الأرْضِ وَمَغارِبِها إلاَّ رَجُلاً وَاحِداً كانَ فِـي حَرَمِ اللَّهِ ، فَمَنَعَهُ حَرَمُ اللَّهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ " قالُوا : وَمَنْ ذلكَ الرَّجُلُ يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قالَ : " أبُو رُغال " .