Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 114, Ayat: 1-6)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد أستجير { بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ } وهو ملك جميع الخلق : إنسِهم وجنهم ، وغير ذلك ، إعلاماً منه بذلك مَنْ كان يعظِّم الناس تعظيم المؤمنين ربَّهم ، أنه مَلِكُ من يعظمه ، وأن ذلك في مُلكه وسلطانه ، تجري عليه قُدرته ، وأنه أولى بالتعظيم ، وأحقّ بالتعبد له ممن يعظمه ، ويتعبَّد له ، من غيره من الناس . وقوله : { إلَهِ النَّاسِ } يقول : معبود الناس ، الذي له العبادة دون كلّ شيء سواه . وقوله : { مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ } يعني : من شرّ الشيطان { الخَنَّاسِ } الذي يخنِس مرّة ويوسوس أخرى ، وإنما يخنِس فيما ذُكر عند ذكر العبد ربه . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا يحيى بن عيسى ، عن سفيان ، عن حكيم بن جُبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : ما من مولود إلا على قلبه الوَسواس ، فإذا عقل فذكر الله خَنَس ، وإذا غَفَل وسوس ، قال : فذلك قوله : { الْوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن سفيان ، عن ابن عباس ، في قوله { الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ } قال : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، وإذا ذكر الله خنس . قال : ثنا مهران ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد { الْوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ } قال : ينبسط ، فإذا ذكر الله خَنَس وانقبض ، فإذا غفل انبسط . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله { الْوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ } قال : الشيطان يكون على قلب الإنسان ، فإذا ذكر الله خَنَس . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { الْوَسْوَاسِ } قال : قال هو الشيطان ، وهو الخَنَّاس أيضاً ، إذا ذكر العبد ربه خنس ، وهو يوسوس ويَخْنِس . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ } يعني : الشيطان ، يوسوس في صدر ابن آدم ، ويخنس إذا ذَكر الله . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن أبيه ، ذُكر لي أن الشيطان ، أو قال الوسواس ، ينفث في قلب الإنسان عند الحزن وعند الفرح ، وإذا ذَكر الله خنس . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { الخَنَّاسِ } قال : الخناس الذي يوسوس مرّة ، ويخنس مرّة من الجنّ والإنس ، وكان يقال : شيطان الإنس أشدّ على الناس من شيطان الجنّ ، شيطان الجنّ يوسوس ولا تراه ، وهذا يُعاينك معاينة . ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان يقول في ذلك { مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ } الذي يوسوس بالدعاء إلى طاعته في صدور الناس ، حتى يُستجاب له إلى ما دعا إليه من طاعته ، فإذا استجيب له إلى ذلك خَنَس . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله { الْوَسْواس } قال : هو الشيطان يأمره ، فإذا أطيع خنس . والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ به من شرّ شيطان يوسوس مرّة ويخنس أخرى ، ولم يخصّ وسوسته على نوع من أنواعها ، ولا خنوسه على وجه دون وجه ، وقد يوسوس الدعاء إلى معصية الله ، فإذا أطيع فيها خَنَس ، وقد يوسوس بالنَّهْي عن طاعة الله فإذا ذكر العبدُ أمر به ، فأطاعه فيه ، وعصى الشيطان خنس ، فهو في كل حالتيه وَسْواس خَنّاس ، وهذه الصفة صفته . وقوله : { الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ } يعني بذلك : الشيطان الوسواس ، الذي يوسوس في صدور الناس : جنهم وإنسهم . فإن قال قائل : فالجنّ ناس ، فيقال : { } الذي يوسوس في صدور الناس : من الجنة والناس . قيل : قد سماهم الله في هذا الموضع ناساً ، كما سماهم في موضع آخر رجالاً ، فقال : { وَأنَّهُ كَانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنِّ } ، فجعل الجنّ رجالاً ، وكذلك جعل منهم ناساً . وقد ذكر عن بعض العرب أنه قال وهو يحدّث ، إذ جاء قوم من الجنّ فوقفوا ، فقيل : من أنتم ؟ فقالوا : ناس من الجنّ ، فجعل منهم ناساً ، فكذلك ما في التنزيل من ذلك .