Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 101-101)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : قال يوسف بعد ما جمع الله له أبويه وإخوته ، وبسط علـيه من الدنـيا ما بسط من الكرامة ، ومكنه فـي الأرض ، متشوّقاً إلـى لقاء آبـائه الصالـحين : { رَبّ قَدْ آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْكِ } يعنـي : من ملك مصر ، { وَعَلَّـمْتَنِـي مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ } يعنـي من عبـارة الرؤيا ، تعديداً لنعم الله وشكراً له علـيها . { فـاطِرَ السَّمَوَاتِ والأرْضِ } يقول : يا فـاطر السموات والأرض ، يا خالقها وبـارئها ، { أنْتَ وَلِـيِّـي فـي الدُّنْـيَا والآخِرَةِ } يقول : أنت ولـيـي فـي دنـياي علـى من عادانـي وأرادنـي بسوء بنصرك ، وتغذونـي فـيها بنعمتك ، وتلـينـي فـي الآخرة بفضلك ورحمتك . { تَوَفَّنِـي مُسْلِـماً } يقول : اقبضنـي إلـيك مسلـماً . { وألْـحِقْنِـي بـالصَّالْـحِينَ } يقول : وألـحقنـي بصالـح آبـائي إبراهيـم وإسحاق ومن قبلهم من أنبـيائك ورسلك . وقـيـل : إنه لـم يتـمنّ أحد من الأنبـياء الـموت قبل يوسف . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { رَبّ قَدْ آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْك وعَلَّـمْتَنِـي مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ } … الآية ، كان ابن عبـاس : يقول : أوّل نبـيّ سأل الله الـموت يوسف . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عبـاس ، قوله : { ربّ قَد آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْكِ } … الآية ، قال : اشتاق إلـى لقاء ربه ، وأحبّ أن يـلـحق به وبآبـائه ، فدعا الله أن يتوفـاه ويـلـحقه بهم ، ولـم يسأل نبـيّ قط الـموت غير يوسف ، فقال : { رَبّ قَدْ آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْكِ وَعَلَّـمْتَنِـي مِنْ تَأوِيـلِ الأحادِيث } … الآية . قال ابن جريج : فـي بعض القرآن من الأنبـياء من قال : توفنـي . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { تَوَفَّنِـي مُسْلِـماً وألـحقِنْـي بـالصالِـحِينَ } لـما جمع شمله ، وأقرّ عينه ، وهو يومئذٍ مغموس فـي نعيـم الدنـيا وملكها وغضارتها ، فـاشتاق إلـى الصالـحين قبله . وكان ابن عبـاس يقول : ما تـمنى نبـيّ قط الـموت قبل يوسف . حدثنـي الـمثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : أخبرنا عبد الله بن الزبـير ، عن سفـيان ، عن ابن أبـي عروبة ، عن قتادة ، قال : لـما جمع لـيوسف شمله ، وتكاملت علـيه النعم سأل لقاء ربه فقال : { رَبّ قَدْ آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْكِ وَعَلَّـمْتَنِـي مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ فـاطِرَ السَّمَوَاتِ والأرْضِ أنْتَ وَلِـيِّـي فِـي الدُّنْـيا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِـي مُسْلِـماً وألْـحِقْنِـي بـالصَّالِـحِينَ } قال قتادة : ولـم يتـمنّ الـموت أحد قط نبـيّ ولا غيره إلا يوسف . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا هشام ، قال : ثنا الولـيد بن مسلـم ، قال : ثنـي غير واحد ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : أن يوسف النبـيّ صلى الله عليه وسلم لـما جمع بـينه وبـين أبـيه وإخوته ، وهو يومئذٍ ملك مصر ، اشتاق إلـى الله وإلـى آبـائه الصالـحين إبراهيـم وإسحاق ، قال : { رَبّ قَدْ آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْكِ وَعَلَّـمْتَنِـي مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ فـاطِرَ السَّمَوَاتِ والأرْضِ أنْتَ وَلِـيِّـي فِـي الدُّنـيْا والآخِرَةِ تَوَفَّنِـي مُسْلِـماً وألْـحِقْنِـي بـالصَّالِـحِينَ } . حدثنـي الـمثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : ثنا هشام ، عن مسلـم بن خالد ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قوله : { وَعَلَّـمْتَنِـي مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ } قال : العبـارة . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ ، يقول : أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { تَوَفَّنِـي مُسْلِـماً وألْـحِقْنِـي بـالصَّالِـحِينَ } يقول : توفنـي علـى طاعتك ، واغفر لـي إذا توفـيتنـي . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قال يوسف حين رأى ما رأى من كرامة الله وفضله علـيه وعلـى أهل بـيته حين جمع الله له شمله ، وردّه علـى والده ، وجمع بـينه وبـينه فـيـما هو فـيه من الـملك والبهجة : { يا أبَتِ هَذَا تَأوِيـلُ رُؤْياىَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبّـي حَقًّا } … إلـى قوله : { إنَّهُ هُوَ العَلِـيـمُ الـحَكِيـمُ } . ثم ارعوى يوسف ، وذكر أن ما هو فـيه من الدنـيا بـائد وذاهب ، فقال : { رَبّ قَدْ آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْكِ وعَلَّـمْتَنِـي مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ فـاطِرَ السَّمَوَاتِ والأرْضِ أنْتَ وَلِـيَّـي فـي الدُّنْـيا والآخِرَةِ تَوَفَّنِـي مُسْلِـماً وألْـحِقْنِـي بـالصَّالِـحِينَ } . وذكر أن بنـي يعقوب الذين فعلوا بـيوسف ما فعلوا ، استغفر لهم أبوهم ، فتاب الله علـيهم وعفـا عنهم وغفر لهم ذنبهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن صالـح الـمري ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك ، قال : إن الله تبـارك وتعالـى بـما جمع لـيعقوب شمله ، وأقرّ عينه ، خلا وُلدُه نـجيًّا ، فقال بعضهم لبعض : ألستـم قد علـمتـم ما صنعتـم وما لقـي منكم الشيخ وما لقـي منكم يوسف ؟ قالوا : بلـى . قال : فـيغركم عفوهما عنكم ، فكيف لكم بربكم ؟ فـاستقام أمرهم علـى أن أتوا الشيخ فجلسوا بـين يديه ، ويوسف إلـى جنب أبـيه قاعد ، قالوا : يا أبـانا أتـيناك فـي أمر لـم نأتك فـي أمر مثله قط ونزل بنا أمر لـم ينزل بنا مثله حتـى حركوه ، والأنبـياء أرحم البرية ، فقال : مالكم يا بنـيّ ؟ قالوا : ألست قد علـمت ما كان منا إلـيك وما كان منا إلـى أخينا يوسف ؟ قال : بلـى . قالوا : أفلستـما قد عفوتـما ؟ قالا : بلـى . قالوا : فإن عفوكما لا يغنـي عنا شيئاً إن كان الله لـم يعف عنا . قال : فما تريدون يا بنـيّ ؟ قالوا : نريد أن تدعو الله لنا ، فإذا جاءك الوحي من عند الله بأنه قد عفـا عما صنعنا قرّت أعيننا واطمأنت قلوبنا ، وإلا فلا قرّة عين فـي الدنـيا لنا أبداً . قال : فقام الشيخ واستقبل القبلة ، وقام يوسف خـلف أبـيه ، وقاموا خـلفهما أذلة خاشيعن . قال : فدعا وأمن يوسف ، فلـم يجب فـيهم عشرين سنة قال صالـح الـمري : يخيفهم قال : حتـى إذا كان رأس العشرين ، نزل جبرئيـل صلى الله عليه وسلم علـى يعقوب علـيه السلام ، فقال : إن الله تبـارك وتعالـى بعثنـي إلـيك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك فـي ولدك ، وأنه قد عفـا عما صنعوا ، وأنه قد اعتقد مواثـيقهم من بعدك علـى النبوّة . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا الـحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا جعفر بن سلـيـمان ، عن أبـي عمران الـجَونـيّ ، قال : والله لو كان قتل يوسف مضى لأدخـلهم الله النار كلهم ، ولكن الله جلّ ثناؤه أمسك نفس يوسف لـيبلغ فـيه أمره ورحمة لهم . ثم يقول : والله ما قصّ الله نبأهم يعيرهم بذلك إنهم لأنبـياء من أهل الـجنة ، ولكنّ الله قصّ علـينا نبأهم لئلا يقنط عبده . وذُكر أن يعقوب توفـي قبل يوسف ، وأوصى إلـى يوسف وأمره أن يدفنه عند قبر أبـيه إسحاق . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عمرو ، عن أسبـاط ، عن السديّ ، قال : لـما حضر الـموت يعقوب ، أوصى إلـى يوسف أن يدفنه عند إبراهيـم وإسحاق ، فلـما مات نفخ فـيه الـمر وحمله إلـى الشام ، قال : فلـما بلغوا إلـى ذلك الـمكان أقبل عيص أخو يعقوب ، فقال : غلبنـي علـى الدعوة ، فوالله لا يغلبنـي علـى القبر فأبى أن يتركهم أن يدفنوه . فلـما احتبسوا قال هشام بن دان بن يعقوب وكان هشام أصمّ لبعض إخوته : ما لـجدّي لا يدفن ؟ قالوا : هذا عمك يـمنعه . قال : أرونـيه أين هو فلـما رآه ، رفع هشام يده فوجأ بها رأس العيص وجأة سقطت عيناه علـى فخذ يعقوب ، فدفنا فـي قبر واحد .