Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 33-33)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : أفـالربّ الذي هو دائم لا يبـيد ولا يهلك قائم بحفظ أرزاق جميع الـخـلق ، متضمن لها ، عالـم بهم وبـما يكسبونه من الأعمال ، رقـيبٌ علـيهم ، لا يعزُب عنه شيء أينـما كانوا كمن هو هالك بـائد لا يسمع ولا يبصر ولا يفهم شيئاً ، ولا يَدْفع عن نفسه ولا عمن يعبده ضرّاً ، ولا يجلب إلـيهما نفعاً ؟ كلاهما سواء . وحُذِف الـجواب فـي ذلك فلـم يَقُل وقد قـيـل { أفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبَتْ } ككذا وكذا ، اكتفـاء بعلـم السامع بـما ذُكِر عما تُرِك ذكره . وذلك أنه لـمَّا قال جلّ ثناؤه : { وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكَاءَ } عُلـم أن معنى الكلام كشركائهم التـي اتـخذوها آلهة ، كما قال الشاعر : @ تَـخَيِّرِي خُيّرْتِ أُمَّ عالِ بـينَ قَصِيرٍ شَبْرُهُ تِنْبـالِ أذَاكِ أمْ مُنْـخَرِقُ السِّرْبَـالِ وَلا يَزالُ آخِرَ اللَّـيالـي مُتْلِفَ مالٍ ومُفِـيدَ مالِ @@ ولـم يقل : وقد قال : « شَبْرُه تنبـال » ، وبـين كذا وكذا ، اكتفـاء منه بقول : أَذَاكَ أمْ مُنْـخَرِق السِّرْبـالِ ، ودلالة الـخبر عن الـمنـخرق السربـال علـى مراده فـي ذلك . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { أَفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبَتْ } ذلكم ربكم تبـارك وتعالـى ، قائم علـى بنـي آدم بأرزاقهم وآجالهم ، وحفظ علـيهم والله أعمالهم . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { أَفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبَتْ } . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { أَفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبَتْ } يعنـي بذلك نفسه ، يقول : هو معكم أينـما كنتـم ، فلا يعمل عامل إلا وهو حاضر . ويقال : هم الـملائكة الذين وكلوا ببنـي آدم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج : { أَفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلِّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبْتْ } علـى رزقهم وعلـى طعامهم ، فأنا علـى ذلك قائم وهم عبـيدي ثم جعلوا لـي شركاء . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : ثنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { أَفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبَتْ } فهو الله قائم علـى كل نفس بَرّ وفـاجر ، يرزقهم ويكلؤهم ، ثم يُشرك به منهم من أشرك . وقوله : { وَجَعَلَوا لِلّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أمْ تُنَبِّئُونَهُ بِـمَا لا يَعْلَـمُ فِـي الأرْضِ أمْ بظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ } يقول تعالـى ذكره : أنا القائم بأرزاق هؤلاء الـمشركين ، والـمدبر أمورهم ، والـحافظ علـيهم أعمالهم ، وجعلوا لـي شركاء من خـلقـي يعبدونها دونـي ، قل لهم يا مـحمد : سَمُّوا هؤلاء الذين أشركتـموهم فـي عبـادة الله ، فإنهم إن قالوا آلهة فقد كذبوا ، لأنه لا إله إلا الواحد القهَّار لا شريك له . { أمْ تُنَبِّئُونَهُ بِـمَا لا يَعْلَـمُ فِـي الأرْضِ } يقول : أتـخبرونه بأن فـي الأرض إلهاً ، ولا إله غيره فـي الأرض ولا فـي السماء . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : ثنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ } ولو سموهم آلهة لكذبوا وقالوا فـي ذلك غير الـحق لأن الله واحد لـيس له شريك ، قال الله : { أمْ تُنَبِّئُونَهُ بِـمَا لا يَعْلَـمُ فِـي الأرْضِ أمْ بِظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ } يقول : لا يعلـم الله فـي الأرض إلهاً غيره . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ } والله خـلقهم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج : { وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ } ولو سَمَّوْهم كذبوا ، وقالوا فـي ذلك ما لا يعلـم الله من إله غير الله فذلك قوله : { أمْ تُنَبِّئُونَهُ بِـمَا لا يَعْلَـمُ فِـي الأرْضِ أمْ بِظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ } مسموع ، وهو فـي الـحقـيقة بـاطل لا صحة له . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . غير أنهم قالوا : أم بظاهر ، معناه : أم ببـاطل ، فأتوا بـالـمعنى تدلّ علـيه الكلـمة دون البـيان عن حقـيقة تأويـلها . ذكر من قال ذلك : حدثنا الـحسن بن مـحمد ، قال : ثنا شبـابة ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { بِظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ } بظنّ . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد مثله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن قتادة ، قوله : { أمْ بِظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ } والظاهر من القول : هو البـاطل . حُدثت عن الـحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : ثنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك فـي قوله : { أمْ بِظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ } يقول : أم ببـاطل من القول وكذب ، ولو قالوا ، قالوا البـاطل والكذب . وقوله : { بَلْ زُيِّنَ للَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ } يقول تعالـى ذكره : ما لله من شريك فـي السموات ولا فـي الأرض ، ولك زُين للـمشركين الذي يدعون من دون إلهاً مكرُهم ، وذلك افتراؤهم وكذبهم علـى الله . وكان مـجاهد يقول : معنى الـمكر ههنا : القولُ ، كأنه قال : قولهم بـالشرك بـالله . حدثنا الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { بَلْ زُيِّنَ للَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ } قال : قولهم . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد مثله . وأما قوله : { وَصَدُّوا عَنِ السَّبِـيـلِ } فإن القرّاء اختلفت فـي قراءته ، فقرأته عامَّة قرّاء الكوفـيـين : { وَصَدُّوا عَنِ السَّبِـيـلِ } بضمّ الصاد ، بـمعنى : وصدّهم الله عن سبـيـله لكفرهم به ، ثم جعلت الصاد مضمومة ، إذ لـم يسمّ فـاعله . وأما عامَّة قرّاء الـحجاز والبصرة ، فقرؤوه بفتـح الصاد ، علـى معنى أن الـمشركين هي الذين صَدُّوا الناس عن سبيل الله . والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يُقال : إنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمة من القرّاء ، متقاربتا الـمعنى وذلك أن الـمشركين بـالله كانوا مصدودين عن الإيـمان به ، وهم مع ذلك كانوا يَصُدّون غيرهم ، كما وصفهم الله به بقوله : { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِـيَصُدُّوا عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ } . وقوله : { وَمَنْ يُضْلِل اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هادٍ } يقول تعالـى ذكره : ومن أضله الله عن إصابة الـحقّ والهدى بخذلانه إياه ، فما له أحد يَهْديه لإصابتهما لأن ذلك لا يُنال إلاَّ بتوفـيق الله ومعونته ، وذلك بـيد الله وإلـيه دون كلّ أحد سواه .