Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 35-35)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف أهل العلم بكلام العرب في رافع « المثل » ، فقال بعض نحويّ الكُوفيين الرافع للمثل قوله : { تَجْرِي مِنْ تَحْتها الأنْهارُ } فـي المعنى ، وقال : هو كما تقول حِلْـية فلان أسْمَرُ كذا وكذا ، فليس الأسمر بمرفوع بالحلية ، إنما هو ابتداء أي هو أسمر هو كذا . قال : ولو دخل أنّ في مثل هذا كان صواباً . قال : ومثله في الكلام مثَلك أنك كذا وأنك كذا . وقوله : { فَلْـيَنْظُرِ الإنْسانُ إلـى طَعامِهِ أنَّا } مَنْ وجَّهَ : { مَثَلُ الـجَنَّةِ الَّتِـي وُعِدَ الـمُتَّقُونَ فِـيهَا } ومن قال : { أَنَّا صَبَبْنا الـمَاءَ } أظهر الاسم ، لأنه مردود علـى الطعام بـالـخفض ، ومستأنف ، أي : طعامه أنا صببنا ثم فعلنا . وقال : معنى قوله : { مَثَلُ الـجَنَّةِ } : صفـات الـجنة . وقال بعض نـحويّـي البصريـين : معنى ذلك : صفة الـجنة ، قال : ومنه قول الله تعالـى : وَلَهُ الـمَثَلُ الأعْلَـى معناه : ولله الصفة العُلـيا . قال : فمعنى الكلام فـي قوله : { مَثَلُ الـجَنَّةِ التـي وُعِدَ الـمُتَّقُونَ تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنهارُ } أو فـيها أنهار ، كأنه قال : وَصْف الـجنة صفة تـجري من تـحتها الأنهار ، أو صفة فـيها أنهار والله أعلـم . قال : ووجه آخر كأنه إذا قـيـل : مثل الـجنة قـيـل : الـجنة التـي وعد الـمتقون . قال : وكذلك قوله : { وَإنَّهُ بسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيـمِ } كأنه قال : بـالله الرحمن الرحيـم ، والله أعلـم . قال : وقوله : { عَلـى ما فَرَّطْتُ فِـي جَنْبِ اللّهِ } فـي ذات الله ، كأنه عندنا قـيـل : فـي الله . قال : وكذلك قوله : { لَـيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } إنـما الـمعنى : لـيس كشيء ، ولـيس مثله شيء ، لأنه لا مثل له . قال : ولـيس هذا كقولك للرجل : لـيس كمثلك أحد ، لأنه يجوز أن يكون له مِثْل ، والله لا يجوز ذلك علـيه . قال : ومثله قول لبـيد : @ إلـى الـحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَـيْكُما @@ قال : وفسِّر لنا أنه أراد : السلام علـيكما قال أوس بن حَجَر : @ وَقْتِلـي كِرَامٍ كمِثْلِ الـجُذُوعِ تَغَشَّاهُمْ سَبَلٌ مُنْهَمِرْ @@ قال : والـمعنى عندنا : كالـجذوع ، لأنه لـم يزد أن يجعل للـجذوع مثلاً ثم يُشبه القتلـى به . قال : ومثله قول أُميَّة : @ زُحَلٌ وثَوْرٌ تَـحْتَ رِجْلِ يَـمِينِهِ والنَّسْرُ للأُخْرَى وَلَـيْثٌ مُرْصَدُ @@ قال : فقال تـحت رجل يـمينه ، كأنه قال : تـحت رجله أو تـحت رجله الـيـمنى قال : وقول لبـيد : @ أضَلَّ صِوَارَهُ وتَضَيَّفَتْهُ نَطوفٌ أمْرُها بِـيَده الشَّمالِ @@ كأنه قال : أمرها بـالشَّمال وإلـى الشَّمال وقول لبـيد أيضاً : @ حتـى إذا ألْقَتْ يَداً فـي كافِرٍ @@ فكأنه قال : حتـى وقعت فـي كافر . وقال آخر منهم : هو الـمكفوف عن خبره ، قال : والعرب تفعل ذلك . قال : وله معنى آخر : { للذينَ استـجابُوا لِربِّهِمُ الـحُسنَى } مَثَلُ الـجنة موصول صفة لها علـى الكلام الأوّل . قال أبو جعفر : وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب : أن يقال ذكر الـمثل ، فقال مَثَل الـجنة ، والـمراد الـجنة ، ثم وصفت الـجنة بصفتها ، وذلك أن مثلها إنـما هو صفتها ولـيست صفتها شيئاً غيرها . وإذا كان ذلك كذلك ، ثم ذكر الـمثل ، فقـيـل : مثل الـجنة ، ومثلها صفتها وصفة الـجنة ، فكان وصفها كوصف الـمثل ، وكان كأن الكلام جرى بذكر الـجنة ، فقـيـل : الـجنة تـجري من تـحتها الأنهار ، كما قال الشاعر : @ أرَى مَرَّ السَّنِـينَ أخَذْنَ مِنِّـي كمَا أخَذَ السَّرارُ مِنَ الهِلالِ @@ فذكر الـمرّ ، ورجع فـي الـخبر إلـى السنـين . وقوله : { أُكُلُها دائمٌ وظِلُّها } يعنـي : ما يؤكل فـيها . يقول : هو دائم لأهلها ، لا ينقطع عنهم ، ولا يزول ولا يبـيد ، ولكنه ثابت إلـى غير نهاية . وظلها : يقول : وظلها أيضاً دائم ، لأنه لا شمس فـيها . { تِلكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا } يقول : هذه الـجنة التـي وصف جلّ ثناؤه عاقبة الذين اتقوا الله ، فـاجتنبوا معاصيه وأدّوا فرائضه . وقوله : { وَعُقْبَى الكافِرِينَ النَّارُ } يقول : وعاقبة الكافرين بـالله النار .