Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 69-69)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : ثم كلـي أيتها النـحل من الثمرات ، { فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ } يقول : فـاسلكي طرق ربك { ذُلُلاً } يقول : مُذَلَّلَةً لك ، والذُّلُل : جمع ذَلُول . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، عن ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قول الله تعالـى : { فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً } قال : لا يتوعَّر علـيها مكان سلكته . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد : { فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً } قال : طُرُقاً ذُلُلا ، قال : لا يتوعَّر علـيها مكان سلكته . وعلـى هذا التأويـل الذي تأوّله مـجاهد ، الذلل من نعت السبل . والتأويـل علـى قوله : { فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً } الذُّلُل لك : لا يتوعر علـيكِ سبـيـل سلكتـيه ، ثم أسقطت الألف واللام فنصب علـى الـحال . وقال آخرون فـي ذلك بـما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً } : أي مطيعة . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { ذُلُلاً } قال : مطيعة . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً } قال : الذلول : الذي يُقاد ويُذهب به حيث أراد صاحبه ، قال : فهم يخرجون بـالنـحل ينتـجعون بها ويذهبون وهي تتبعهم . وقرأ : { أوَلـمْ يَرَوْا أنَّا خَـلَقْنا لَهُمْ مِـمَّا عَمِلَتْ أيْدِينا أنْعاماً فَهُمْ لَهَا مالِكُونَ وَذلَّلْناها لَهُمْ } … الآية . فعلـى هذا القول ، الذُّلُل من نعت النـحل ، وكلا القولـين غير بعيد من الصواب فـي الصحة وجهان مخرجان ، غير أنا اخترنا أن يكون نعتاً للسُّبل لأنها إلـيها أقرب . وقوله : { يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ } يقول تعالـى ذكره : يخرج من بطون النـحل شراب ، وهو العسل ، مختلف ألوانه ، لأن فـيها أبـيض وأحمر وأسحر وغير ذلك من الألوان . قال أبو جعفر : « أسحر » : ألوان مختلفة مثل أبـيض يضرب إلـى الـحمرة . وقوله : { فِـيهِ شِفـاءٌ للنَّاسِ } اختلف أهل التأويـل فـيـما عادت علـيه الهاء التـي فـي قوله : { فِـيهِ } ، فقال بعضهم : عادت علـى القرآن ، وهو الـمراد بها . ذكر من قال ذلك : حدثنا نصر بن عبد الرحمن ، قال : ثنا الـمـحاربـيّ ، عن لـيث ، عن مـجاهد : { فِـيهِ شِفـاءٌ للنَّاسِ } قال : فـي القرآن شفـاء . وقال آخرون : بل أريد بها العسل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ فِـيهِ شِفـاءٌ للنَّاسِ } ففـيه شفـاء كما قال الله تعالـى من الأدواء ، وقد كان ينهي عن تفريق النـحل وعن قتلها . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : جاء رجل إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فذكر أن أخاه اشتكى بطنه ، فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " اذْهَبْ فـاسْقِ أخاكَ عَسَلاً " ثم جاءه فقال : ما زاده إلا شدة ، فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " اذْهَبْ فـاسْقِ أخاكَ عَسَلاً ، فَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ وكَذَبَ بَطْنُ أخِيكَ " فسقاه ، فكأنـما نُشِط من عِقال . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ فِـيهِ شِفـاءٌ للنَّاسِ } قال : جاء رجل إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن سفـيان ، عن أبـي إسحاق ، عن أبـي الأحوص ، عن عبد الله ، قال : شفـاءان : العسل شفـاء من كلّ داء ، والقرآن شفـاء لـما فـي الصدور . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس : { فِـيهِ شِفـاءٌ للنَّاسِ } العسل . وهذا القول ، أعنـي قول قتادة ، أولـى بتأويـل الآية لأن قوله : { فِـيهِ } فـي سياق الـخبر عن العسل ، فأن تكون الهاء من ذكر العسل ، إذ كانت فـي سياق الـخبر عنه أولـى من غيره . وقوله : { إنَّ فِـي ذلكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يقول تعالـى ذكره : إن فـي إخراج الله من بطون هذه النـحل : الشراب الـمختلف ، الذي هو شفـاء للناس ، لدلالة وحجة واضحة علـى من سخَّر النحل وهداها لأكل الثمرات التـي تأكل ، واتـخاذها البـيوت التـي تنـحت من الجبال والشجر والعروش ، وأخرج من بطونها ما أخرج من الشفـاء للناس ، أنه الواحد الذي لـيس كمثله شيء ، وأنه لا ينبغي أن يكون له شريك ولا تصحّ الألوهة إلا له .