Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 6-7)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : ولكم فـي هذه الأنعام والـمواشي التـي خـلقها لكم { جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ } يعنـي : تردّونها بـالعشيّ من مسارحها إلـى مراحها ومنازلها التـي تأوي إلـيها ولذلك سمي الـمكان الـمراح ، لأنها تراح إلـيه عشيًّا فتأوي إلـيه ، يقال منه : أراح فلان ماشيته فهو يريحها إراحة . وقوله : { وَحِينَ تَسْرَحُونَ } يقول : وفـي وقت إخراجكموها غدوة من مُراحها إلـى مسارحها ، يقال منه : سَرَّح فلان ماشيته يُسَرِّحُها تسريحاً ، إذا أخرجها للرعي غدوة ، وسرَحَتِ الـماشيةُ : إذا خرجت للـمرعى تَسْرَحُ سَرْحاً وسُرُوحاً ، فـالسرح بـالغداة والإراحة بـالعشي ، ومنه قوله الشاعر : @ كأنَّ بَقايا الأُتْنِ فَوْقَ مُتُونِهِ مدَبُّ الدَّبَى فَوْقَ النَّقا وَهْوَ سارِحُ @@ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلَكُمْ فِـيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } وذلك أعجب ما يكون إذا راحت عظاماً ضروعها طوالاً أسنـمتها ، وحين تسرحون إذا سرحت لرعيها . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { وَلَكُمْ فِـيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } قال : إذا راحت كأعظم ما تكون أسنـمة ، وأحسن ما تكون ضروعاً . وقوله : { وَتـحْمِلُ أثقالَكُمْ إلـى بَلَدٍ لَـمْ تَكُونُوا بـالغِيهِ إلاَّ بِشِقّ الأنْفُس } يقول : وتـحمل هذه الأنعام أثقالكم إلـى بلد آخر لـم تكونوا بـالغِيهِ إلا بجهد من أنفسكم شديد ومشقة عظيـمة . كما : حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا شريك ، عن جابر ، عن عكرمة : { وَتَـحْمِلُ أثْقالَكُمْ إلـى بَلَدٍ لَـمْ تَكُونُوا بـالِغِيهِ إلاَّ بِشِقّ الأنْفُسِ } قال : لو تكلفونه لـم تبلغوه إلا بجهد شديد . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن سماك ، عن عكرمة : { إلـى بَلَدٍ لَـمْ تَكُونُوا بـالِغيهِ إلاَّ بِشِقّ الأنْفُسِ } قال : لو كلفتـموه لـم تبلغوه إلا بشقّ الأنفس . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا الـحِمانـي ، قال : ثنا شريك ، عن سماك ، عن عكرمة : { إلـى بَلَدٍ لَـمْ تَكُونوا بـالِغِيهِ إلاَّ بِشقّ الأنْفُسِ } قال : البلد : مكة . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحرث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى ، قال : أخبرنا أبو حُذيفة ، قال : ثنا شبل وحدثنـي الـمثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قول الله : { إلاَّ بِشِقّ الأنْفُسِ } قال : مشقة علـيكم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَتـحْمِلُ أثْقالَكُمْ إلـى بَلَدٍ لَـمْ تَكُونُوا بـالِغيهِ إلاَّ بِشِقّ الأنْفُسِ } يقول : بجهد الأنفس . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، بنـحوه . واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامَّة قرّاء الأمصار بكسر الشين : { إلاَّ بِشِقّ الأنْفُسِ } سوى أبـي جعفر القارىء ، فإن : الـمثنى حدثنـي ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الرحمن بن أبـي حماد ، قال : ثنـي أبو سعيد الرازي ، عن أبـي جعفر قارىء الـمدينة ، أنه كان يقرأ : « لَـمْ تَكُونُوا بـالِغيهِ إلاَّ بِشَقّ الأنْفُسِ » بفتـح الشين ، وكان يقول : إنـما الشقّ : شقّ النفس . وقال ابن أبـي حماد : وكان معاذ الهرّاء يقول : هي لغة ، تقول العرب بشقّ وبشِقّ ، وبرَق وبرِق . والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا ما علـيه قرّاء الأمصار وهي كسر الشين ، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه وشذوذ ما خالفه . وقد يُنشد هذا البـيت بكسر الشين وفتـحها ، وذلك قول الشاعر : @ وذِي إبِلِ يَسْعَى وَيحْسِبُها لَهُ أخِي نَصَبٍ مِنْ شَقِّها ودُؤُوبِ @@ و « من شِقِّـيها » أيضاً بـالكسر والفتـح وكذلك قول العجاج : @ أصبحَ مَسْحُولٌ يُوَازِي شَقَّا @@ و « شِقًّا » بـالفتـح والكسر . ويعنـي بقوله : « يوازي شَقَّا » : يقاسي مشقة . وكان بعض أهل العربـية يذهب بـالفتـح إلـى الـمصدر من شققت علـيه أشقّ شقًّا ، وبـالكسر إلـى الاسم . وقد يجوز أن يكون الذين قرأوا بـالكسر أرادوا إلا بنقص من القوّة وذهاب شيء منها حتـى لا يبلغه إلا بعد نقصها ، فـيكون معناه عند ذلك : لـم تكونوا بـالغيه إلا بشقّ قوى أنفسكم وذهاب شقها الآخر . ويحكى عن العرب : خذ هذا الشِّقّ : لشقة الشاة بـالكسر ، فأما فـي شقت علـيك شَقًّا فلـم يحك فـيه إلا النصب . وقوله : { إنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيـمٌ } يقول تعالـى ذكره : إن ربكم أيها الناس ذو رأفة بكم ورحمة من رحمته بكم ، خـلق لكم الأنعام لـمنافعكم ومصالـحكم ، وخـلق السموات والأرض أدلة لكم علـى وحدانـية ربكم ومعرفة إلهكم ، لتشكروه علـى نعمة علـيكم ، فـيزيدكم من فضله .