Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 98-100)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : وإذا كنت يا مـحمد قارئاً القرآن ، فـاستعذ بـالله من الشيطان الرجيـم . وكان بعض أهل العربـية يزعم أنه من الـمؤخر الذي معناه التقديـم . وكأن معنى الكلام عنده : وإذا استعذت بـالله من الشيطان الرجيـم ، فـاقرأ القرآن . ولا وجه لـما قال من ذلك ، لأن ذلك لو كان كذلك لكان متـى استعاذ مستعيذ من الشيطان الرجيـم لزمه أن يقرأ القرآن ، ولكن معناه ما وصفناه . ولـيس قوله : { فـاسْتَعِذْ بـاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيـمِ } بـالأمر اللازم ، وإنـما هو إعلام وندب وذلك أنه لا خلاف بـين الـجميع أن من قرأ القرآن ولـم يستعذ بـالله من الشيطان الرَّجيـم قبل قرأته أو بعدها أنه لـم يضيع فرضاً واجبـاً . وكان ابن زيد يقول فـي ذلك نـحو الذي قلنا . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { فإذَا قَرأتَ القُرآنَ فـاسْتَعِذ بـاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيـمِ } قال : فهذا دلـيـل من الله تعالـى دلّ عبـاده علـيه . وأما قوله : { إنَّهُ لَـيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلـى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلـى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } فإنه يعنـي بذلك : أن الشيطان لـيست له حجة علـى الذين آمنوا بـالله ورسوله وعملوا بـما أمر الله به وانتهوا عما نهاهم الله عنه . { وَعَلـى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } يقول : وعلـى ربهم يتوكلون فـيـما نابهم من مهمات أمورهم . { إنّـمَا سُلْطَانُه عَلـىَ الَّذِينَ يتَولَّونَهُ } يقول : إنـما حجته علـى الذين يعبدونه ، { وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } يقول : والذين هم بـالله مشركون . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { إنَّـمَا سُلْطانُهُ } قال : حجته . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، قوله : { إنَّـمَا سُلْطانُهُ علـى الَّذِينَ يتَوَلَّوْنَهُ } قال : يطيعونه . واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي من أجله لـم يسلط فـيه الشيطان علـى الـمؤمن . فقال بعضهم بـما : حُدثت عن واقد بن سلـيـمان ، عن سفـيان ، فـي قوله : { إنَّهُ لَـيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلـى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلـى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } قال : لـيس له سلطان علـى أن يحملهم علـى ذنب لا يغفر . وقال آخرون : هو الاستعاذة ، فإنه إذا استعاذ بـالله منع منه ولـم يسلط علـيه . واستشهد لصحة قوله ذلك بقول الله تعالـى : { وإمَّا يَنْزَغَنَّكَ منَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فـاسْتَعِذْ بـاللَّهِ إنَّه سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ } وقد ذكرنا الرواية بذلك فـي سورة الـحِجْر . وقال آخرون فـي ذلك ، بـما : حدثنـي به الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، فـي قوله : { إنَّهُ لَـيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلـى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلـى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } إلـى قوله : { وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } يقال : إن عدوّ الله إبلـيس قال : { لاَغْوِيَنَّهُمْ أجَمعينَ إلاَّ عبـادَكَ مِنْهُمُ الـمُخْـلَصِينَ } فهؤلاء الذين لـم يجعل للشيطان علـيهم سبـيـل ، وإنـما سلطانه علـى قوم اتـخذوه ولـيًّا وأشركوه فـي أعمالهم . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { إنَّهُ لَـيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلـى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلـى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } يقول : السلطان علـى من تولـى الشيطان وعمل بـمعصية الله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنَّـمَا سُلْطانُهُ عَلـى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } يقول : الذين يطيعونه ويعبدونه . وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب ، قول من قال : معناه : إنه لـيس له سلطان علـى الذين آمنوا فـاستعاذوا بـالله منه ، بـما ندب الله تعالـى ذكره من الاستعاذة { وَعَلـى رَبهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } علـى ما عرض لهم من خطراته ووساوسه . وإنـما قلنا ذلك أولـى التأويلات بـالآية لأن الله تعالـى ذكره أتبع هذا القول : { فإذَا قَرأتَ القُرآنَ فـاسْتَعِذْ بـاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيـمِ } وقال فـي موضع آخر : { وَإمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فـاسْتَعِذْ بـاللَّهِ إنَّهُ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ } فكان بـينا بذلك أنه إنـما ندب عبـاده إلـى الاستعاذة منه فـي هذه الأحوال لـيُعيذهم من سلطانه . وأما قوله : { وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله ، فقال بعضهم فـيه بـما قلنا إن معناه : والذين هم بـالله مشركون . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل وحدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } قال : يعدلون بربّ العالـمين . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد : { وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } قال : يعدلون بـالله . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ ، قال : ثنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : فـي قوله : { وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } عدلوا إبلـيس بربهم ، فإنهم بـالله مشركون . وقال آخرون : معنى ذلك : والذين هم به مشركون ، أشركوا الشيطان فـي أعمالهم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع : { وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } أشركوه فـي أعمالهم . والقول الأوّل ، أعنـي قول مـجاهد ، أولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب وذلك أن الذين يتولون الشيطان إنـما يشركونه بـالله فـي عبـادتهم وذبـائحهم ومطاعمهم ومشاربهم ، لا أنهم يشركون بـالشيطان . ولو كان معنى الكلام ما قاله الربـيع ، لكان التنزيـل : الذين هم مشركوه ، ولـم يكن فـي الكلام « به » ، فكان يكون لو كان التنزيـل كذلك : والذين هم مشركوه فـي أعمالهم ، إلا أن يوجه موجه معنى الكلام إلـى أن القوم كانوا يدينون بألوهة الشيطان ويشركون الله به فـي عبـادتهم إياه ، فـيصحّ حينئذ معنى الكلام ، ويخرج عما جاء التنزيـل به فـي سائر القرآن وذلك أن الله تعالـى وصف الـمشركين فـي سائر سور القرآن أنهم أشركوا بـالله ما لـم ينزل به علـيهم سلطاناً ، وقال فـي كل موضع تقدّم إلـيهم بـالزجر عن ذلك : لا تشركوا بـالله شيئاً ، ولـم نـجد فـي شيء من التنزيـل : لا تشركوا الله بشيء ، ولا فـي شيء من القرآن خبراً من الله عنهم أنهم أشركوا الله بشيء فـيجوز لنا توجيه معنى قوله : { وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } إلـى والذين هم بـالشيطان مشركو الله . فبـين إذا إذ كان ذلك كذلك أن الهاء فـي قوله : { وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ } عائدة علـى « الربّ » فـي قوله : { وَعَلـى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } .