Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 13-13)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : وكلّ إنسان ألزمناه ما قضى له أنه عامله ، وهو صائر إلـيه من شقاء أو سعادة بعمله فـي عنقه لا يفـارقه . وإنـما قوله { ألْزَمْناهُ طائِرَهُ } مثل لـما كانت العرب تتفـاءل به أو تتشاءم من سوانـح الطير وبوارحها ، فأعلـمهم جلّ ثناؤه أن كلّ إنسان منهم قد ألزمه ربه طائره فـي عنقه نـحسا كان ذلك الذي ألزمه من الطائر ، وشقاء يورده سعيراً ، أو كان سعداً يورده جنات عدن . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن بشار ، قال : ثنا معاذ بن هشام ، قال : ثنـي أبي ، عن قتادة ، عن جابر بن عبد الله أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وكُلَّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائِرَه فِـي عُنُقِهِ " حدثني مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس { وكُلَّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائِرَهُ فِـي عُنُقِهِ } قال : الطائر : عمله ، قال : والطائر فـي أشياء كثـيرة ، فمنه التشاؤم الذي يتشاءم به الناس بعضهم من بعض . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرنـي عطاء الـخراسانـي عن ابن عبـاس ، قوله : { وكُلّ إنْسانٍ ألْزمْناهُ طائِرَهُ فِـي عُنُقِهِ } قال : عمله وما قدر علـيه ، فهو ملازمه أينـما كان ، فزائل معه أينـما زال . قال ابن جريج : وقال : طائره : عمله . قال : ابن جريج : وأخبرنـي عبد الله بن كثـير ، عن مـجاهد ، قال : عمله وما كتب الله له . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحرث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : طائره : عمله . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان وحدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عمرو جميعاً عن منصور ، عن مـجاهد { وكُلَّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائِرَهُ فِـي عُنُقِهِ } قال : عمله . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنـي واصل بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا ابن فضيـل ، عن الـحسن بن عمرو الفقـيـمي ، عن الـحكم ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { وكُلَّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائِرَهُ فِـي عُنُقِهِ } قال : ما من مولدو يولد إلا وفـي عنقه ورقة مكتوب فـيها شقـيّ أو سعيد . قال : وسمعته يقول : أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ، قال : هو ما سبق . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وكُلَّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائِرَهُ فِـي عُنُقِهِ } : إي والله بسعادته وشقائه بعمله . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : طائره : عمله . فإن قال قائل : وكيف قال : ألزمناه طائره فـي عنقه إن كان الأمر علـى ما وصفت ، ولـم يقل : ألزمناه فـي يديه ورجلـيه أو غير ذلك من أعضاء الـجسد ؟ قـيـل : لأن العنق هو موضع السمات ، وموضع القلائد والأطوقة ، وغير ذلك مـما يزين أو يشين ، فجرى كلام العرب بنسبة الأشياء اللازمة بنـي آدم وغيرهم من ذلك إلـى أعناقهم وكثر استعمالهم ذلك حتـى أضافوا الأشياء اللازمة سائر الأبدان إلـى الأعناق ، كما أضافوا جنايات أعضاء الأبدان إلـى الـيد ، فقالوا : ذلك بـما كسبت يداه ، وإن كان الذي جرّ علـيه لسانه أو فرجه ، فكذلك قوله { ألْزَمْناهُ طائِرَهُ فِـي عُنُقِهِ } . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { ونُـخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ كتابـاً يَـلْقاهُ مَنْشُوراً } فقرأه بعض أهل الـمدينة ومكة ، وهو نافع وابن كثـير وعامة قرّاء العراق { ونُـخْرِجُ } بـالنون { لَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ كِتابـاً يَـلْقاه مَنْشُوراً } بفتـح الـياء من يَـلْقاه وتـخفـيف القاف منه ، بـمعنى : ونـخرج له نـحن يوم القـيامة ردّاً علـى قوله { ألْزَمْناهُ } ونـحن نـخرج له يوم القـيامة كتاب عمله منشوراً . وكان بعض قرّاء أهل الشام يوافق هؤلاء علـى قراءة قوله { ونُـخْرِجُ } ويخالفهم فـي قوله { يَـلْقاهُ } فـيقرؤه : « يُـلَقَّاهُ » بضم الـياء وتشديد القاف ، بـمعنى : ونـخرج له نـحن يوم القـيامة كتابـاً يـلقاه ، ثم يردّه إلـى ما لـم يسمّ فـاعله ، فـيقول : يـلقـى الإنسان ذلك الكتاب منشوراً . وذكر عن مـجاهد ما : حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا يزيد ، عن جرير بن حازم عن حميد ، عن مـجاهد أنه قرأها ، « وَيَخْرَجُ لَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ كِتابـاً » قال : يزيد : يعنـي يَخرج الطائر كتابـاً ، هكذا أحسبه قرأها بفتـح الـياء ، وهي قراءة الـحسن البصري وابن مـحيصن وكأن من قرأ هذه القراءة وجَّه تأويـل الكلام إلـى : ويخرج له الطائر الذي ألزمناه عنق الإنسان يوم القـيامة ، فـيصير كتابـاً يقرؤه منشوراً . وقرأ ذلك بعض أهل الـمدينة : « ويُخَرجُ لَهُ » بضم الـياء علـى مذهب ما لـم يسمّ فـاعله ، وكأنه وجَّه معنى الكلام إلـى ويخرج له الطائر يوم القـيامة كتابـا ، يريد : ويخرج الله ذلك الطائر قد صيره كتابـاً ، إلا أنه نـحاه نـحو ما لـم يسمّ فـاعله . وأولـى القراءات فـي ذلك بـالصواب ، قراءة من قرأه : { ونُـخْرِجُ } بـالنون وضمها { لَهُ يَوْمَ القـيامَةِ كِتابـاً يَـلقاهُ منْشُوراً } بفتـح الـياء وتـخفـيف القاف ، لأن الـخبر جري قبل ذلك عن الله تعالـى أنه الذي ألزم خـلقه ما ألزم من ذلك فـالصواب أن يكون الذي يـلـيه خبراً عنه ، أنه هو الذي يخرجه لهم يوم القـيامة ، أن يكون بـالنون كما كان الـخبر الذي قبله بـالنون . وأما قوله : { يَـلقاهُ } فإنّ فـي إجماع الـحجة من القرّاء علـى تصويب ما اخترنا من القراءة فـي ذلك ، وشذوذ ما خالفه الـحجة الكافـية لنا علـى تقارب معنى القراءتـين : أعنـي ضمّ الـياء وفتـحها فـي ذلك ، وتشديد القاف وتـخفـيفها فـيه فإذا كان الصواب فـي القراءة هو ما اخترنا بـالذي علـيه دللنا ، فتأويـل الكلام : وكلّ إنسان منكم يا معشر بنـي آدم ، ألزمناه نـحسه وسعده ، وشقاءه وسعادته ، بـما سبق له فـي علـمنا أنه صائر إلـيه ، وعامل من الـخير والشرّ فـي عنقه ، فلا يجاوز فـي شيء من أعماله ما قضينا علـيه أنه عامله ، وما كتبنا له أنه صائر إلـيه ، ونـحن نـخرج له إذا وافـانا كتابـاً يصادفه منشوراً بأعماله التـي عملها فـي الدنـيا ، وبطائره الذي كتبنا له ، وألزمناه إياه فـي عنقه ، قد أحصى علـيه ربه فـيه كلّ ما سلف فـي الدنـيا . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، { ونُـخرِجُ لَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ كِتابـاً يَـلقاهُ مَنْشُوراً } قال : هو عمله الذي عمل أحصي علـيه ، فأخرج له يوم القـيامة ما كتب علـيه من العمل يـلقاه منشوراً . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { ونُـخرِجُ لَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ كِتابـاً يَـلقاهُ مَنْشُوراً } : أي عمله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو سفـيان ، عن معمر ، عن قتادة { ألزَمناهُ طائِرَهُ فِـي عُنُقِهِ } قال : عمله { ونُـخرِجُ لَهُ } قال : نـخرج ذلك العمل { كِتابـاً يَـلقاهُ مَنْشُوراً } قال معمر : وتلا الـحسن : { عَنِ الـيَـمِينِ وَعَنِ الشَّمالِ قَعِيدٌ } يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك ، ووكل بك ملَكان كريـمان ، أحدهما عن يـمينك ، والآخر عن يسارك . فأما الذي عن يـمينك فـيحفظ حسناتك . وأما الذي عن شمالك فـيحفظ سيئاتك ، فـاعمل ما شئت ، أقلل أو أكثر ، حتـى إذا متّ طُويت صحيفتك ، فجعلت فـي عنقك معك فـي قبرك ، حتـى تـخرج يوم القـيامة كتابـاً يـلقاه منشوراً { اقرأ كِتابَكَ كَفَـى بِنَفْسِكَ الـيَوْمَ عَلَـيكَ حَسِيبـاً } قد عدل والله علـيك من جعلك حسيب نفسك . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : طائره : عمله ، ونـخرج له بذلك العمل كتابـا يـلقاه منشوراً . وقد كان بعض أهل العربـية يتأوّل قوله { وكُلَّ إنْسانٍ ألزَمناهُ طائِرَهُ فِـي عُنُقِهِ } : أي حظه ، من قولهم : طار سهم فلان بكذا : إذا خرج سهمه علـى نصيب من الأنصبـاء وذلك وإن كان قولاً له وجه ، فإن تأويـل أهل التأويـل علـى ما قد بـينت ، وغير جائز أن يتـجاوز فـي تأويـل القرآن ما قالوه إلـى غيره ، علـى أن ما قاله هذا القائل ، إن كان عنى بقوله حظه من العمل والشقاء والسعادة ، فلـم يبعد معنى قوله من معنى قولهم .