Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 37-38)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : ولا تـمش فـي الأرض مختالاً مستكبراً { إنَّكَ لَنْ تَـخْرِقَ الأرْضَ } يقول : إنك لن تقطع الأرض بـاختـيالك ، كما قال رُؤْبة : @ وقاتِـمِ الأعماقِ خاوِي الـمُخْتَرَق @@ يعنـي بـالـمخترق : الـمقطع { وَلَنْ تَبلُغَ الـجِبـالَ طُولاً } بفخرك وكبرك ، وإنـما هذا نهي من الله عبـاده عن الكبر والفخر والـخُيَلاء ، وتقدم منه إلـيهم فـيه معرِّفهم بذلك أنهم لا ينالون بكبرهم وفخارهم شيئا يقصر عنه غيرهم . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله { وَلا تَـمْشِ فِـي الأرْضِ مَرَحاً إنَّكَ لَنْ تَـخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الـجِبـالِ طُولاً } يعنـي بكبرك ومرحك . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { وَلا تَـمْشِ فِـي الأرْضِ مَرَحاً } قال : لا تـمش فـي الأرض فخراً وكبراً ، فإن ذلك لا يبلغ بك الـجبـال ، ولا تـخرق الأرض بكبرك وفخرك . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج { وَلا تَـمْشِ فِـي الأرْضِ } قال : لا تفخر . وقـيـل : لا تـمش مرَحاً ، ولـم يقل مرِحاً ، لأنه لـم يرد بـالكلام : لا تكن مرِحاً ، فـيجعله من نعت الـماشي ، وإنـما أريد لا تـمرح فـي الأرض مرَحاً ، ففسر الـمعنى الـمراد من قوله : ولا تـمش ، كما قال الراجز : @ يُعْجِبُهُ السَّخُونُ والعَصِيدُ والتَّـمْرُ حَبًّـا ما لَهُ مَزيدُ @@ فقال : حبـا ، لأن فـي قوله : يعجبه ، معنى يحبّ ، فأخرج قوله : حبـاً ، من معناه دون لفظه . وقوله : { كُلُّ ذلكَ كانَ سَيِّئُهُ عنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً } فإن القرّاء اختلفت فـيه ، فقرأه بعض قرّاء الـمدينة وعامة قرّاء الكوفة { كُلُّ ذلكَ كانَ سَيِّئُهُ عنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً } علـى الإضافة بـمعنى : كلّ هذا الذي ذكرنا من هذه الأمور التـي عددنا من مبتدإ قولنا { وَقَضَى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إياهُ } … إلـى قولنا { وَلا تَـمْشِ فِـي الأرْضِ مَرَحاً كانَ سَيِّئُهُ } يقول : سيىء ما عددنا علـيك عند ربك مكروها . وقال قارئو هذه القراءة : إنـما قـيـل { كُلّ ذلكَ كانَ سَيِّئُهُ } بـالإضافة ، لأن فـيـما عددنا من قوله { وَقَضَى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ } أموراً ، هي أمر بـالـجميـل ، كقوله { وَبـالوَالدَيْنِ إحْساناً } ، وقوله وآتِ { ذَا القُرْبَى حَقَّهُ } وما أشبه ذلك ، قالوا : فلـيس كلّ ما فـيه نهيا عن سيئة ، بل فـيه نهى عن سيئة ، وأمر بحسنات ، فلذلك قرأنا { سَيِّئُهُ } . وقرأ عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة : « كُلُّ ذلكَ كانَ سَيِّئَةً » وقالوا : إنـما عنى بذلك : كلّ ما عددنا من قولنا { وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلاقٍ } ولـم يدخـل فـيه ما قبل ذلك . قالوا : وكلّ ما عددنا من ذلك الـموضع إلـى هذا الـموضع سيئة لا حسنة فـيه ، فـالصواب قراءته بـالتنوين . ومن قرأ هذه القراءة ، فإنه ينبغي أن يكون من نـيته أن يكون الـمكروه مقدماً علـى السيئة ، وأن يكون معنى الكلام عنده : كلّ ذلك كان مكروهاً سيئة لأنه إن جعل قوله : مكروهاً بعد السيئة من نعت السيئة ، لزمه أن تكون القراءة : كلّ ذلك كان سيئة عند ربك مكروهة ، وذلك خلاف ما فـي مصاحف الـمسلـمين . وأولـى القراءتـين عندي فـي ذلك بـالصواب قراءة من قرأ { كُلُّ ذلكَ كانَ سيِّئُهُ } علـى إضافة السيىء إلـى الهاء ، بـمعنى : كلّ ذلك الذي عددنا من { وَقَضَى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ } … كانَ سَيِّئُهُ لأن فـي ذلك أموراً منهياً عنها ، وأموراً مأموراً بها ، وابتداء الوصية والعهد من ذلك الـموضع دون قوله { وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ } إنـما هو عطف علـى ما تقدّم من قوله وَقَضَى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ فإذا كان ذلك كذلك ، فقرأته بإضافة السيىء إلـى الهاء أولـى وأحقّ من قراءته سيئةً بـالتنوين ، بـمعنى السيئة الواحدة . فتأويـل الكلام إذن : كلّ هذا الذي ذكرنا لك من الأمور التـي عددناها علـيك كان سيئه مكروهاً عند ربك يا مـحمد ، يكرهه وينهى عنه ولا يرضاه ، فـاتق مواقعته والعمل به .