Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 50-51)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : قل يا مـحمد للـمكذّبـين بـالبعث بعد الـمـمات من قومك القائلـين { أئِذَا كُنَّا عِظاماً وَرُفـاتاً أئِنَّا لَـمَبْعُوثُونَ خَـلْقاً جَدِيداً } كونوا إن عجبتـم من إنشاء الله إياكم ، وإعادته أجسامكم ، خـلقاً جديداً بعد بِلاكم فـي التراب ، ومصيركم رُفـاتاً ، وأنكرتـم ذلك من قُدرته حجارة أو حديداً ، أو خـلقاً مـما يكبر فـي صدوركم إن قدرتـم علـى ذلك ، فإنـي أحيـيكم وأبعثكم خـلقاً جديداً بعد مصيركم كذلك كما بدأتكم أوّل مرّة . واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنىّ بقوله { أوْ خَـلْقاً مِـمَّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ } فقال بعضهم : عُنِـي به الـموت ، وأريد به : أو كونوا الـموت ، فإنكم إن كنتـموه أمتُّكم ثم بعثتكم بعد ذلك يوم البعث . ذكر من قال ذلك : حدثنا زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن أبـيه ، عن عطية ، عن ابن عمر { أوْ خَـلْقاً مِـمَّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ } قال : الـموت ، قال : لو كنتـم موتـى لأحيـيتكم . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله { أوْ خَـلْقاً مِـمَّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ } يعنـي الـموت . يقول : إن كنتـم الـموت أحيـيتكم . حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي ، قال : ثنا أبو مالك الـجنبـي ، قال : ثنا ابن أبـي خالد ، عن أبـي صالـح فـي قوله { أوْ خَـلْقاً مِـمَّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ } قال : الـموت . حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا سلـيـمان أبو داود ، قال : ثنا شعبة ، عن أبـي رجاء ، عن الـحسن ، فـي قوله : { أوْ خَـلْقاً مِـمَّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ } قال : الـموت . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال سعيد بن جبـير ، فـي قوله : { أوْ خَـلْقاً مِـمَّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ } كونوا الـموت إن استطعتـم ، فإن الـموت سيـموت قال : ولـيس شيء أكبر فـي نفس ابن آدم من الـموت . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : بلغنـي ، عن سعيد بن جبـير ، قال : هو الـموت . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن عبد الله بن عمر ، أنه كان يقول : « يجاء بـالـموت يوم القـيامة كأنه كبش أملـح حتـى يُجعل بـين الـجنة والنار ، فـينادى مناد يُسمِع أهلَ الـجنة وأهل النار ، فـيقول : هذا الـموت قد جئنا به ونـحن مهلكوه ، فأيقنوا يا أهل الـجنة وأهل النار أن الـموت قد هلك » . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ ، قال : ثنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { أوْ خَـلْقاً مِـمَّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ } يعنـي الـموت ، يقول : لو كنتـم الـموت لأمتكم . وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : إن الله يجيء بـالـموت يوم القـيامة ، وقد صار أهل الـجنة وأهل النار إلـى منازلهم ، كأنه كبش أملـح ، فـيقـف بـين الـجنة والنار ، فـينادي أهل الـجنة وأهل النار هذا الـموت ، ونـحن ذابحوه ، فأيقنوا بـالـخـلود . وقال آخرون : عنى بذلك السماء والأرض والـجبـال . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { أوْ خَـلْقاً مِـمَّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ } قال : السماء والأرض والـجبـال . وقال آخرون : بل أريد بذلك : كونوا ما شئتـم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { كُونُوا حِجارَةً أوْ حَدِيداً أوْ خَـلْقاً مِـمَّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ } قال : ما شئتـم فكونوا ، فسيعيدكم الله كما كنتم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أوْ حَدِيداً أوْ خَـلْقاً مِـمَّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ } قال : من خـلق الله ، فإن الله يـميتكم ثم يبعثكم يوم القـيامة خـلقاً جديداً . وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال : إن الله تعالـى ذكره قال : { أوْ خَـلْقاً مـمَّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ } ، وجائز أن يكون عنى به الـموت ، لأنه عظيـم فـي صدور بنـي آدم وجائز أن يكون أراد به السماء والأرض وجائز أن يكون أراد به غير ذلك ، ولا بـيان فـي ذلك أبـين مـما بـين جلَّ ثناؤه ، وهو كلّ ما كبر فـي صدور بنـي آدم من خـلقه ، لأنه لـم يخصص منه شيئاً دون شيء . وأما قوله : { فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا } فإنه يقول : فسيقول لك يا مـحمد هؤلاء الذين لا يؤمنون بـالآخرة { مَنْ يُعِيدُنا } خـلقاً جديداً ، إن كنا حجارة أو حديداً أو خـلقاً مـما يكبر فـي صدورنا ، فقل لهم : يعيدكم { الَّذِي فَطَرَكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ } يقول : يعيدكم كما كنتـم قبل أن تصيروا حجارة أو حديدا إنسا أحياء ، الذي خـلقكم إنسا من غير شيء أوّل مرّة ، كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ } أي خـلقكم { فَسَيُنْغَضُونَ إلَـيْكَ رُؤوسَهُمْ } يقول : فإنك إذا قلت لهم ذلك ، فسيهزُّون إلـيك رءوسهم برفع وخفض وكذلك النَّغْض فـي كلام العرب ، إنـما هو حركة بـارتفـاع ثم انـخفـاض ، أو انـخفـاض ثم ارتفـاع ، ولذلك سمي الظلـيـم نَغْضاً ، لأنه إذا عجل الـمشي ارتفع وانـخفض ، وحرّك رأسه ، كما قال الشاعر : @ أسكّ نَغْضاً لا يَنِـي مُسْتَهْدِجاً @@ ويقال : نَغَضَت سنه : إذا تـحرّكت وارتفعت من أصلها ومنه قول الراجز : @ ونَغَضَتْ مِنْ هَرِمٍ أسْنانُها @@ وقول الآخر : @ لـمَّا رأتْنِـي أنْغَضَتْ لـيَ الرأسا @@ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَسَيُنْغِضُونَ إلَـيْكَ رُؤوسَهُمْ } أي يحرّكون رءوسهم تكذيبـاً واستهزاء . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { فَسَيُنْغِضُونَ إلَـيْكَ رُءُوُسَهُمْ } قال : يحرّكون رءوسهم . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله { فَسَيُنْغِضُونَ إلَـيْكَ رُءُوسَهُمْ } يقول : سيحركونها إلـيك استهزاء . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الـخراسانـيّ ، عن ابن عبـاس { فسَيُنْغِضُونَ إلَـيْكَ رُءُوسَهُمْ } قال : يحرّكون رءوسهم يستهزءون ويقولون متـى هو . حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { فسَيُنْغِضُونَ إلَـيْكَ رُءُوسَهُمْ } يقول : يهزؤون . وقوله : { وَيَقُولُونَ مَتـى هُوَ } يقول جلّ ثناؤه : ويقولون متـى البعث ، وفـي أيّ حال ووقت يعيدنا خـلقاً جديداً ، كما كنا أوّل مرّة ؟ قال الله عزّ وجلّ لنبـيه : قل لهم يا مـحمد إذ قالوا لك : متـى هو ، متـى هذا البعث الذي تعدنا ؟ : عسى أن يكون قريبـاً وإنـما معناه : هو قريب ، لأن عسى من الله واجب ، ولذلك قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " بُعِثْتُ أنا والسَّاعَةُ كَهاتَـيْن ، وأشار بـالسَّبـابة والوُسطَى " ، لأن الله تعالـى كان قد أعلـمه أنه قريب مـجيب .