Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 76-76)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول عزّ وجلّ : وإن كاد هؤلاء القوم لـيستفزونك من الأرض : يقول : لـيستـخفونك من الأرض التـي أنت بها لـيخرجوك منها { وَإذاً لا يَـلْبَثُونَ خِلافَكَ إلاَّ قَلِـيلاً } يقول : ولو أخرجوك منها لـم يـلبثوا بعدك فـيها إلاَّ قلـيلاً ، حتـى أهلكهم بعذاب عاجل . واختلف أهل التأويـل فـي الذين كادوا أن يستفزّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لـيخرجوه من الأرض وفـي الأرض التـي أرادوا أن يخرجوه منها فقال بعضهم : الذين كادوا أن يستفزّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك الـيهود ، والأرض التـي أرادوا أن يخرجوه منها الـمدينة . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان ، عن أبـيه ، قال : زعم حضرميّ أنه بلغه أن بعض الـيهود قال للنبـيّ صلى الله عليه وسلم : إن أرض الأنبـياء أرض الشام ، وإن هذه لـيست بأرض الأنبـياء ، فأنزل الله { وَإنْ كادُوا لَـيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِـيُخْرِجُوكَ مِنْها } . وقال آخرون : بل كان القوم الذين فعلوا ذلك قريشاً ، والأرض مكة . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله { وَإنْ كادُوا لَـيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِـيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإذاً لا يَـلْبَثُونَ خِلافَكَ إلاَّ قَلِـيلاً } وقد همّ أهل مكة بإخراج النبـيّ صلى الله عليه وسلم من مكة ، ولو فعلوا ذلك لـما توطنوا ، ولكن الله كفهم عن إخراجه حتـى أمره ، ولقلـما مع ذلك لبثوا بعد خروج نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم من مكة حتـى بعث الله علـيهم القتل يوم بدر . حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { لَـيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ } قال : قد فعلوا بعد ذلك ، فأهلكهم الله يوم بدر ، ولـم يـلبثوا بعده إلاَّ قلـيلاً حتـى أهلكهم الله يوم بدر . وكذلك كانت سنَّة الله فـي الرسل إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الحرث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { خِلافَكَ إلاَّ قَلِـيلاً } قال : لو أخرجت قريش مـحمداً لعذّبوا بذلك . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، مثله . وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب ، قول قتادة ومـجاهد ، وذلك أن قوله : { وَإنْ كادُوا لَـيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ } فـي سياق خبر الله عزّ وجلّ عن قريش وذكره إياهم ، ولـم يجر للـيهود قبل ذلك ذكر ، فـيوجه قوله { وَإنْ كادُوا } إلـى أنه خبر عنهم ، فهو بأن يكون خبراً عمن جرى له ذكر أولـى من غيره . وأما القلـيـل الذي استثناه الله جلّ ذكره فـي قوله { وإذاً لا يَـلْبَثُونَ خَـلْفَكَ إلاَّ قَلِـيلاً } فإنه فـيـما قـيـل ، ما بـين خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلـى أن قتل الله من قتل من مشركيهم ببدر . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس قوله : { وإذاً لا يَـلْبَثُونَ خَـلْفَكَ إلاَّ قَلِـيلاً } يعنـي بـالقلـيـل يوم أخذهم ببدر ، فكان ذلك هو القلـيـل الذي لبثوا بعد . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : ثنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { وَإذا لا يَـلْبَثُونَ خَـلْفَكَ إلاَّ قَلِـيلاً } كان القلـيـل الذي لبثوا بعد خروج النبـيّ صلى الله عليه وسلم من بـين أظهرهم إلـى بدر ، فأخذهم بـالعذاب يوم بدر ، وعُنِـي بقوله خلافك بعدك ، كما قال الشاعر : @ عَقَبَ الرَّذَاذُ خِلافَها فكأنَّـمَا بسَط الشَّواطِبُ بَـيْنَهُنَّ حَصِيراً @@ يعنـي بقوله : خلافها : بعدها . وقد حُكي عن بعضهم أنه كان يقرؤها : خـلفك . ومعنى ذلك ، ومعنى الـخلاف فـي هذا الـموضع واحد .