Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 32-34)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : واضرب يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين بـالله ، الذين سألوك أن تطرُد الذين يدعون ربهم بـالغداة والعشيّ يريدون وجهه ، { مَثلاً } مثل { رَجُلَـينِ جَعَلْنا لأَحَدهِما جَنَّتَـيْنِ } أي جعلنا له بساتـين من كروم { وحَفَفْناهُمَا بنَـخْـلٍ } يقول : وأطفنا هذين البساتـين بنـخـل . وقوله : { وَجَعَلْنا بَـيْنَهُما زَرْعاً } يقول : وجعلنا وسط هذين البساتـين زرعاً . وقوله : { كِلْتا الـجَنَّتَـيْنِ آتَتْ أُكُلَها } يقول : كلا البستانـين أطعم ثمره وما فـيه من الغروس من النـخـل والكرم وصنوف الزرع . وقال : كلتا الـجنتـين ، ثم قال : آتت ، فوحَّد الـخبر ، لأن كلتا لا يفرد واحدتها ، وأصله كلّ ، وقد تفرد العرب كلتا أحيانا ، ويذهبون بها وهي مفردة إلـى التثنـية قال بعض الرُّجاز فـي ذلك : @ فِـي كِلْتَ رِجْلَـيْها سُلاَمي وَاحدَه كِلْتاهُما مَقْرُونَةٌ بِزَائِدَهْ @@ يريد بكلت : كلتا ، وكذلك تفعل بكلتا وكلا وكل إذا أضيفت إلـى معرفة ، وجاء الفعل بعدهن ويجمع ويوحد . وقوله : { ولَـمْ تَظْلِـمْ مِنْهُ شَيْئاً } يقول : ولـم تنقص من الأكل شيئاً ، بل آتت ذلك تاما كاملاً ، ومنه قولهم : ظلـم فلان فلانا حقَّه : إذا بخَسَهُ ونقصه ، كما قال الشاعر : @ تَظَّلَـمَنِـي ما لـي كَذَا وَلَوى يَدِي لَوَى يَدَهُ اللّهُ الَّذِي هُوَ غالِبُهْ @@ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { ولَـمْ تَظْلِـمْ مِنْهُ شَيْئاً } : أي لـم تنقص منه شيئا . وقوله : { وَفَجَّرْنا خِلاَلهُما نَهَراً } يقول تعالـى ذكره : وَسيَّـلنا خلال هذين البستانـين نهراً ، يعنـي بـينها وبـين أشجارهما نهراً . وقـيـل : { وفَجَّرْنا } فثقل الـجيـم منه ، لأن التفجير فـي النهر كله ، وذلك أنه يـميد ماء فـيُسيـل بعضه بعضاً . وقوله : { وكانَ لَهُ ثَمَرٌ } اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الـحجاز والعراق : « وكانَ لَهُ ثُمُرٌ » بضمّ الثاء والـميـم . واختلف قارئو ذلك كذلك ، فقال بعضهم : كان له ذهب وفضة ، وقالوا : ذلك هو الثمر ، لأنها أموال مثمرة ، يعنـي مكَّثرة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحرث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله عزّ وجلّ : { وكانَ لَهُ ثَمَرٌ } قال : ذهب وفضة ، وفـي قول الله عزّ وجلّ : { بِثُمُرِهِ } قال : هي أيضا ذهب وفضة . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، فـي قوله ثَمَرٌ قال : ذهب وفضة . قال : وقوله : { وأُحِيطَ بِثُمُرِهِ } هي هي أيضا . وقال آخرون : بل عُنِـي به : الـمال الكثـير من صنوف الأموال . ذكر من قال ذلك : حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنـي حجاج ، عن هارون ، عن سعيد بن أبـي عَروبة ، عن قتادة ، قال : قرأها ابن عبـاس : « وكانَ لَهُ ثُمُرُ » بـالضمّ ، وقال : يعنـي أنواع الـمال . حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس : « وكانَ لَهُ ثُمُرٌ » يقول : مال . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد . قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، فـي قوله : « وكانَ لَهُ ثُمُرٌ » يقول : من كلّ الـمال . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، فـي قوله وأُحِيطَ بِثُمُرِهِ قال : الثمر من الـمال كله يعنـي الثمر ، وغيره من الـمال كله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو سفـيان ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : « الثُّمُر » الـمال كله ، قال : وكلّ مال إذا اجتـمع فهو ثُمُر إذا كان من لون الثمرة وغيرها من الـمال كله . وقال آخرون : بل عنى به الأصل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : « وكانَ لَهُ ثُمُرٌ » الثمر الأصل . قال { وأُحيطَ بثُمُرِهِ } قال : بأصله . وكأنّ الذين وجَّهوا معناها إلـى أنها أنواع من الـمال ، أرادوا أنها جمع ثمار جمع ثمر ، كما يجمع الكتاب كتبـاً ، والـحمار حمراً . وقد قرأ بعض من وافق هؤلاء فـي هذه القراءة « ثُمْرٌ » بضمّ الثاء وسكون الـميـم ، وهو يريد الضمّ فـيها غير أنه سكنها طلب التـخفـيف . وقد يحتـمل أن يكون أراد بها جمع ثمرة ، كما تـجمع الـخَشبة خَشَبـاً . وقرأ ذلك بعض الـمدنـيـين : { وكانَ لَهُ ثَمَرٌ } بفتـح الثاء والـميـم ، بـمعنى جمع الثَّمرة ، كما تـجمع الـخشبة خَشبـاً . والقَصبة قَصبـاً . وأولـى القراءات فـي ذلك عندي بـالصواب قراءة من قرأ { وكانَ لَهُ ثُمُرٌ } بضمّ الثاء والـميـم لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه وإن كانت جمع ثمار ، كما الكتب جمع كتاب . ومعنى الكلام : { وَفَجَّرْنا خِلاَلُهِما نَهَراً وكانَ لَهُ } منهما { ثُمُرٌ } بـمعنى من جنتـيه أنواع من الثمار . وقد بـين ذلك لـمن وفق لفهمه ، قوله : { جَعَلْنا لأحَدِهِما جَنَّتَـيْنِ مِنْ أعْنابٍ وحَفَفْناهُما بنَـخْـلٍ وَجَعَلْنا بَـيْنَهُما زَرْعاً } ثم قال : وكان له من هذه الكروم والنـخـل والزرع ثمر . وقوله : { فَقالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ } يقول عزّ وجلّ : فقال هذا الذي جعلنا له جنتـين من أعناب ، لصاحبه الذي لا مال له وهو يخاطبه : { أنا أكْثَرُ مِنْكَ مالاً وأعَزُّ نَفَراً } يقول : وأعزّ عشيرة ورَهْطاً ، كما قال عُيـينة والأقرع لرسول الله صلى الله عليه وسلم : نـحن سادات العرب ، وأربـاب الأموال ، فنـحّ عنا سلـمان وَخَّبـابـاً وصُهيبـاً ، احتقاراً لهم ، وتكبراً علـيهم ، كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أنا أكْثَرُ مِنْك مالاً وأعَزُّ نَفَراً } وتلك والله أمنـية الفـاجر : كثرة الـمال ، وعزّة النفر .