Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 35-36)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : لقد كفرت الذين قالوا : إن عيسى ابن الله ، وأعظموا الفِرْية علـيه ، فما ينبغي لله أن يتـخذ ولداً ، ولا يصلـح ذلك له ولا يكون ، بل كلّ شيء دونه فخـلقه ، وذلك نظير قول عمرو بن أحمر : @ فـي رأسِ خَـلْقاءَ مِنْ عَنْقاءَ مُشْرِفَةٍ لا يُبْتَغَى دُوَنها سَهْلٌ وَلا جَبَلُ @@ وأن من قوله { أنْ يَتَّـخِذَ } فـي موضع رفع بكان . وقوله : { سُبْحانَهُ } يقول : تنزيهاً لله وتبرئة له أن يكون له ما أضاف إلـيه الكافرون القائلون : عيسى ابن الله . وقوله : { إذَا قَضَى أمْراً فإنَّـمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَـيَكُونُ } يقول جل ثناؤه : إنـما ابتدأ الله خـلق عيسى ابتداء ، وأنشأه إنشاء ، من غير فحل افتـحل أمه ، ولكنه قال له : { كُنْ فَـيَكُونُ } لأنه كذلك يبتدع الأشياء ويخترعها ، إنـما يقول ، إذا قضى خـلق شيء أو إنشاءه : كن فـيكون موجوداً حادثاً ، لا يعظم علـيه خـلقه ، لأنه لا يخـلقه بـمعاناة وكلفة ، ولا ينشئه بـمعالـجة وشدّة . وقوله : { وَإنَّ اللَّهَ رَبّـي وَرَبُّكُمْ فـاعْبُدُوهُ } اختلف القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامَّة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة : « وأنَّ اللَّهَ رَبّـي وَرَبكُمْ » واختلف أهل العربـية فـي وجه فتـح « أن » إذا فتـحت ، فقال بعض نـحوِّيـي الكوفة : فُتـحت ردّاً علـى عيسى وعطفـاً علـيه ، بـمعنى : ذلك عيسى ابن مريـم ، وذلك أن الله ربـي وربكم . وإذا كان ذلك كذلك كانت أن رفعا ، وتكون بتأويـل خفض ، كما قال : { ذَلِكَ أنْ لَـمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ القُرَى بِظُلْـمٍ } قال : ولو فتـحت علـى قوله : { وأوْصَانِـي } بأن الله ، كان وجهاً . وكان بعض البصريـين يقول : وذُكر ذلك أيضاً عن أبـي عمرو بن العلاء ، وكان مـمن يقرؤه بـالفتـح إنـما فتـحت أن بتأويـل { وَقَضَى } أن الله ربـي وربُّكم . وكانت عامة قرّاء الكوفـيـين يقرؤونه : { وَإنَّ اللَّهَ } بكسر إن بـمعنى النسق علـى قوله : { فإنَّـما يَقُولُ لَهُ } . وذُكر عن أبـيّ بن كعب أنه كان يقرؤه : « فإنَّـما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَـيَكُونُ إنَّ اللَّهَ رَبِّـي وَرَبُّكُمْ » بغير واو . قال أبو جعفر : والقراءة التـي نـختار فـي ذلك : الكسر علـى الابتداء . وإذا قرىء كذلك لـم يكن لها موضع ، وقد يجوز أنَّ يكون عطفـاً علـى « إنَّ » التـي مع قوله { قالَ إنِّـي عَبْدُ اللَّهِ آتانِـيَ الكِتابَ وَإنَّ اللَّهَ رَبِّـي وَرَبُّكُمْ } ولو قال قائل ، مـمن قرأ ذلك نصبـاً : نصب علـى العطف علـى الكتاب ، بـمعنى : آتانـي الكتاب ، وآتانـي أن الله ربـي وربُّكم ، كان وجهاً حسناً . ومعنى الكلام : وإنـي وأنتـم أيها القوم جميعاً الله عبـيد ، فإياه فـاعبدوا دون غيره . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لايتهم ، عن وهب بن منبه ، قال : عهد إلـيهم حين أخبرهم عن نفسه ومولده وموته وبعثه { إنَّ اللَّهَ رَبِّـي وَرَبُّكُمْ فـاعْبُدُوهُ هذَا صِراطٌ مُسْتَقِـيـمٌ } أي إنـي وإياكم عبـيد الله ، فـاعبدوه ولا تعبدوا غيره . وقوله : { هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِـيـم } يقول : هذا الذي أوصيتكم به ، وأخبرتكم أن الله أمرنـي به هو الطريق الـمستقـيـم ، الذي من سلكه نـجا ، ومن ركبه اهتدى ، لأنه دين الله الذي أمر به أنبـياءه .