Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 124-126)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : { وَمَنْ أعْرَضَ عَنْ ذِكْري } الذي أذكره به فتولـى عنه ولـم يقبله ولـم يستـجب له ، ولـم يتعظ به فـينزجر عما هو علـيه مقـيـم من خلافه أمر ربه { فإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } يقول : فإن له معيشة ضيقة . والضنك من الـمنازل والأماكن والـمعايش : الشديد يقال : هذا منزل ضنك : إذا كان ضيقاً ، وعيش ضنك : الذكر والأنثى والواحد والاثنان والـجمع بلفظ واحد ومنه قول عنترة : @ وإنْ نَزَلُوا بضَنْكٍ فأنْزلِ @@ وبنحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني علـيّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { فإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } يقول : الشقاء . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { ضَنْكاً } قال : ضيقة . حدثنا الـحسن ، قال : ثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قَتادة ، فـي قوله : { فإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } قال : الضنك : الضيق . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن مـحمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبـي بزّة ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { فإنَّ لَهُ مَعَيشَةً ضَنْكاً } يقول : ضيقة . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، مثله . واختلف أهل التأويـل فـي الـموضع الذي جعل الله لهؤلاء الـمعرضين عن ذكره العيشة الضنك ، والـحال التـي جعلهم فـيها ، فقال بعضهم : جعل ذلك لهم فـي الآخرة فـي جهنـم ، وذلك أنهم جعل طعامهم فـيها الضريع والزقوم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو بن علـيّ بن مقدم ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن عوفُ ، عن الـحسن ، فـي قوله : { فإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } قال : فـي جهنـم . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَمَنْ أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } فقرأ حتـى بلغ : { ولَـمْ يُؤْمِنْ بآياتِ رَبِّهِ } قال : هؤلاء أهل الكفر . قال : ومعيشة ضنكاً فـي النار شوك من نار وزقوم وغسلـين ، والضريع : شوك من نار ، ولـيس فـي القبر ولا فـي الدنـيا معيشة ، ما الـمعيشة والـحياة إلا فـي الآخرة ، وقرأ قول الله عزّ وجلّ : { يا لَـيْتَنِـي قَدَّمْتُ لِـحَياتِـي } قال : لـمعيشتـي قال : والغسلـين والزقوم : شيء لا يعرفه أهل الدنـيا . حدثنا الـحسن ، قال : ثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة { فإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } قال : فـي النار . وقال آخرون : بل عنى بذلك : فإن له معيشة فـي الدنـيا حراماً . قال : ووصف الله جلّ وعزّ معيشتهم بـالضنك ، لأن الـحرام وإن اتسع فهو ضنك . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الـحسين بن واقد ، عن يزيد ، عن عكرِمة فـي قوله : { مَعِيشَةً ضَنْكاً } قال : هي الـمعيشة التـي أوسع الله علـيه من الـحرام . حدثنـي داود بن سلـيـمان بن يزيد الـمكتب من أهل البصرة ، قال : ثنا عمرو بن جرير البجلـي ، عن إسماعيـل بن أبـي خالد ، عن قـيس بن أبـي حازم فـي قول الله : { مَعِيشَةً ضَنْكاً } قال : رزقاً فـي معصيته . حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل ، قال : ثنا يعلـى بن عبـيد ، قال : ثنا أبو بسطام ، عن الضحاك { فإنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنْكاً } قال : الكسب الـخبـيث . حدثنـي مـحمد بن إسماعيـل الصراري ، قال : ثنا مـحمد بن سوار ، قال : ثنا أبو الـيقظان عمار بن مـحمد ، عن هارون بن مـحمد التـيـمي ، عن الضحاك ، فـي قوله : { فإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } قال : العمل الـخبـيث ، والرزق السيىء . وقال آخرون مـمن قال عنى أن لهؤلاء القوم الـمعيشة الضنك فـي الدنـيا ، إنـما قـيـل لها ضنك وإن كانت واسعة ، لأنهم ينفقون ما ينفقون من أموالهم علـى تكذيب منهم بـالـخـلف من الله ، وإياس من فضل الله ، وسوء ظنّ منهم بربهم ، فتشتدّ لذلك علـيهم معيشتهم وتضيق ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَمَنْ أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } يقول : كلّ مال أعطيته عبداً من عبـادي قلّ أو كثر ، لا يتقـينـي فـيه ، لا خير فـيه ، وهو الضنك فـي الـمعيشة . ويقال : إن قوماً ضُلاَّلاً أعرضوا عن الـحق وكانوا أولـي سعة من الدنـيا مكثرين ، فكانت معيشتهم ضنكا ، وذلك أنهم كانوا يرون أن الله عزّ وجلّ لـيس بـمخـلف لهم معايشهم من سوء ظنهم بـالله ، والتكذيب به ، فإذا كان العبد يكذّب بـالله ، ويسيء الظنّ به ، اشتدّت علـيه معيشته ، فذلك الضنك . وقال آخرون : بل عنـي بذلك : أن ذلك لهم فـي البرزخ ، وهو عذاب القبر . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يزيد بن مخـلد الواسطي ، قال : ثنا خالد بن عبد الله ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن أبـي حازم عن النعمان بن أبـي عياش ، عن أبـي سعيد الـخدريّ ، قال فـي قول الله : { مَعِيشَةً ضَنْكاً } قال : عذاب القبر . حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : ثنا بِشر بن الـمفضل ، قال : ثنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن أبـي حازم ، عن النعمان بن أبـي عياش ، عن أبـي سعيد الـخُدريّ ، قال : إن الـمعيشة الضنك ، التـي قال الله : عذاب القبر . حدثنـي حوثرة بن مـحمد الـمنقري ، قال : ثنا سفـيان ، عن أبـي حازم ، عن أبـي سلـمة ، عن أبـي سعيد الـخُدريّ { فإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } قال : يضيق علـيه قبره حتـى تـختلف أضلاعه . حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم ، قال : ثنا أبـي وشعيب بن اللـيث ، عن اللـيث ، قال : ثنا خالد بن زيد ، عن ابن أبـي هلال ، عن أبـي حازم ، عن أبـي سعيد ، أنه كان يقول : الـمعيشة الضنك : عذاب القبر ، إنه يسلط علـى الكافر فـي قبره تسعة وتسعون تنّـينا تنهشه وتـخدش لـحمه حتـى يُبعث . وكان يقال : لو أن تنّـينا منها نفخ الأرض لـم تنبت زرعاً . حدثنا مـجاهد بن موسى ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا مـحمد بن عمرو ، عن أبـي سلـمة ، عن أبـي هريرة ، قال : يطبق علـى الكافر قبره حتـى تـختلف فـيه أضلاعه ، وهي الـمعيشة الضنك التـي قال الله : { مَعِيشَةً ضَنْكاً ونـحْشُرُهُ يَوْمَ القِـيامَةِ أعْمَى } . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا جابر بن نوح ، عن إسماعيـل بن أبـي خالد ، عن أبـي صالـح والسديّ فـي قوله : { مَعِيشَةً ضَنْكاً } قال : عذاب القبر . حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الأحمسي ، قال : ثنا مـحمد بن عبـيد ، قال : ثنا سفـيان الثوري ، عن إسماعيـل بن أبـي خالد ، عن أبـي صالـح ، فـي قوله : { فإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } قال : عذاب القبر . حدثنـي عبد الرحمن بن الأسود ، قال : ثنا مـحمد بن ربـيعة ، قال : ثنا أبو عُمَيس ، عن عبد الله بن مخارق عن أبـيه ، عن عبد الله ، فـي قوله : { مَعِيشَةً ضَنْكاً } قال : عذاب القبر . حدثني عبد الرحيـم البرقـيّ ، قال : ثنا ابن أبـي مَريـم ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر وابن أبـي حازم ، قالا : ثنا أبو حازم ، عن النعمان بن أبـي عياش ، عن أبـي سعيد الـخدريّ { مَعِيشَةً ضَنْكاً } قال : عذاب القبر . قال أبو جعفر : وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال : هو عذاب القبر الذي : حدثنا به أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : ثنا عمي عبد الله بن وهب ، قال : أخبرنـي عمرو بن الـحارث ، عن درّاج ، عن ابن حُجَيرة عن أبـي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أتَدْرُونَ فِـيـمَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : { فإنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنْكاً وَنـحْشُرُهُ يَوْمَ القـيامَةِ أعْمَى } أتَدْرُونَ ما الـمَعِيشَةً الضَّنْكُ ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلـم ، قال : " عَذَابُ الكافرِ فـي قَبْرِهِ ، والَّذِي نَفْسي بـيَدِهِ ، إنَّه لَـيُسَلَّطُ عَلَـيْهِ تَسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّـيناً ، أتَدْرُونَ ما التِّنِـينُ : تسْعَةٌ وَتسْعُونَ حَيَّة ، لكلّ حَيَّة سَبْعَةُ رُؤُوسٍ ، يَنْفُخُونَ فـي جِسْمِهِ وَيَـلْسَعُونَهُ ويَخْدِشُونَهُ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ " وإن الله تبـارك وتعالـى أتبع ذلك بقوله : { وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أشَدُّ وأبْقَـى } فكان معلوماً بذلك أن الـمعيشة الضنك التـي جعلها الله لهم قبل عذاب الآخرة ، لأن ذلك لو كان فـي الآخرة لـم يكن لقوله { وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أشَدُّ وأبْقَـى } معنى مفهوم ، لأن ذلك إن لـم يكن تقدّمه عذاب لهم قبل الآخرة ، حتـى يكون الذي فـي الآخرة أشدّ منه ، بطل معنى قوله { وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أشَدُّ وأبْقَـى } فإذ كان ذلك كذلك ، فلا تـخـلو تلك الـمعيشة الضنك التـي جعلها الله لهم من أن تكون لهم فـي حياتهم الدنـيا ، أو فـي قبورهم قبل البعث ، إذ كان لأوجه لأن تكون فـي الآخرة لـما قد بـيَّنا ، فإن كانت لهم فـي حياتهم الدنـيا ، فقد يجب أن يكون كلّ من أعرض عن ذكر الله من الكفـار ، فإن معيشته فـيها ضنك ، وفـي وجودنا كثـيراً منهم أوسع معيشة من كثـير من الـمقبلـين علـى ذكر الله تبـارك وتعالـى ، القائلـين له الـمؤمنـين فـي ذلك ، ما يدلّ علـى أن ذلك لـيس كذلك ، وإذ خلا القول فـي ذلك من هذين الوجهين صحّ الوجه الثالث ، وهو أن ذلك فـي البرزخ . وقوله : { ونَـحْشُرُهُ يَوْمَ القِـيامَةِ أعْمَى } اختلف أهل التأويـل فـي صفة العمى الذي ذكر الله فـي هذه الآية ، أنه يبعث هؤلاء الكفـار يوم القـيامة به ، فقال بعضهم : ذلك عمى عن الـحجة ، لا عمى عن البصر . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الأحمسي ، قال : ثنا مـحمد بن عبـيد ، قال : ثنا سفـيان الثوري ، عن إسماعيـل بن أبـي خالد ، عن أبـي صالـح ، فـي قوله : { ونَـحْشُرُهُ يَوْمَ القِـيامَةِ أعْمَى } قال : لـيس له حجة . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { ونَـحْشُرُهُ يَوْمَ القِـيامَةِ أعْمَى } قال : عن الـحجة . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، مثله ، وقـيـل : يحشر أعمى البصر . قال أبو جعفر : والصواب من القول فـي ذلك ما قال الله تعالـى ذكره ، وهو أنه يحشر أعمى عن الـحجة ورؤية الشيء كما أخبر جلّ ثناؤه ، فعمّ ولـم يخصص . وقوله : { قالَ رَبّ لِـمَ حَشَرْتَنِـي أعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً } اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك . فقال بعضهم فـي ذلك ، ما : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرزاق ، عن ابن نـجيح ، عن مـجاهد { قالَ رَبّ لِـمَ حَشَرْتَنِـي أعْمَى } لا حجة لـي . وقوله : { وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً } اختلف أهل التأويـل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : وقد كنت بصيراً بحجتـي . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد { وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً } قال : عالـماً بحجتـي . وقال آخرون : بل معناه : وقد كنت ذا بصر أبصر به الأشياء . ذكر من قال ذلك حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً } فـي الدنـيا . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { قالَ رَبّ لِـمَ حَشَرْتَنِـي أعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً } قال : كان بعيد البصر ، قصير النظر ، أعمى عن الـحقّ . قال أبو جعفر : والصواب من القول فـي ذلك عندنا ، أن الله عزّ وجلّ ثناؤه ، عمّ بـالـخبر عنه بوصفه نفسه بـالبصر ، ولـم يخصص منه معنى دون معنى ، فذلك علـى ما عمه فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويـل الآية ، قال : ربّ لـم حشرتنـي أعمى عن حجتـي ورؤية الأشياء ، وقد كنت فـي الدنـيا ذا بصر بذلك كله . فإن قال قائل : وكيف قال هذا لربه : { لِـمَ حَشَرْتَنِـي أعْمَى } مع معاينته عظيـم سلطانه ، أجهل فـي ذلك الـموقـف أن يكون لله أن يفعل به ما شاء ، أم ما وجه ذلك ؟ قـيـل : إن ذلك منه مسألة لربه يعرّفه الـجرم الذي استـحقّ به ذلك ، إذ كان قد جهله ، وظنّ أن لا جرم له ، استـحق ذلك به منه ، فقال : ربّ لأيّ ذنب ولأيّ جرم حشرتنـي أعمى ، وقد كنت من قبل فـي الدنـيا بصيراً وأنت لا تعاقب أحداً إلا بدون ما يستـحق منك من العقاب . وقوله : { قالَ كَذَلكَ أتَتْكَ آياتنا فَنَسِيتَها } يقول تعالـى ذكره ، قال الله حينئذٍ للقائل له : { لِـمَ حَشَرْتَنِـي أعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً } : فعلت ذلك بك ، فحشرتك أعمى كما أتتك آياتـي ، وهي حججه وأدلته وبـيانه الذي بـيَّنه فـي كتابه ، فنسيتها : يقول : فتركتها وأعرضت عنها ، ولـم تؤمن بها ، ولـم تعمل . وعنى بقوله { كَذَلكَ أتَتْك } هكذا أتتكَ . وقوله : { وكذلكَ الـيَوْمَ تُنْسَى } يقول : فكما نسيت آياتنا فـي الدنـيا ، فتركتها وأعرضت عنها ، فكذلك الـيوم ننساك ، فنتركك فـي النار . وقد اختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله { وكَذَلكَ الـيَوْمَ تُنْسَى } فقال بعضهم بـمثل الذي قلنا فـي ذلك . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الأحمسي ، قال ، ثنا مـحمد بن عبـيد ، قال : ثنا سفـيان الثوري ، عن إسماعيـل بن أبـي خالد ، عن أبـي صالـح ، فـي قوله : { وكَذَلكَ الـيَوْمَ تُنْسَى } قال : فـي النار . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { كَذَلكَ أتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها } قال : فتركتها { وكَذَلكَ الـيَوْمَ تُنْسَى } وكذلك الـيوم تترك فـي النار . ورُوي عن قتادة فـي ذلك ما . حدثنـي بِشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة { قالَ كَذَلكَ أتَتَكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وكَذَلكَ الـيَوْمَ تُنْسَى } قال : نسي من الـخير ، ولـم ينس من الشرّ . وهذا القول الذي قاله قَتادة قريب الـمعنى مـما قاله أبو صالـح ومـجاهد ، لأن تركه إياهم فـي النار أعظم الشرّ لهم .