Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 129-130)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : { وَلَوْلا كَلِـمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ } يا مـحمد أن كلّ من قضى له أجلاً فإنه لا يخترمه قبل بلوغه أجله { وأجلٌ مسمًّى } يقول : ووقت مسمى عند ربك سماه لهم فـي أمّ الكتاب وخطه فـيه ، هم بـالغوه ومستوفوه { لَكانَ لِزَاماً } يقول : للازمهم الهلاك عاجلاً ، وهو مصدر من قول القائل : لازم فلان فلاناً يلازمه ملازمة ولزاماً : إذا لـم يفـارقه ، وقدّم قوله : { لَكانَ لِزَاماً } قبل قوله { أجَلٌ مُسَمًّى } ومعنى الكلام : ولولا كلـمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاماً ، فـاصبر علـى ما يقولون . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { وَلَوْلا كَلِـمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزَاماً وأجَلٌ مُسَمًّى } الأجل الـمسمى : الدنـيا . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلَوْلا كَلِـمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزَاماً وأجَلٌ مُسَمًّى } وهذه من مقاديـم الكلام ، يقول : لولا كلـمة سبقت من ربك إلـى أجل مسمى كان لزاما ، والأجل الـمسمى ، الساعة ، لأن الله تعالـى يقول { بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ ، والسَّاعَةُ أدْهَى وأمَرُّ } حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَلَوْلا كَلِـمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزَاماً وأجَلٌ مُسَمًّى } قال : هذا مقدّم ومؤخر ، ولولا كلـمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاماً . واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله : { لَكانَ لِزَاماً } فقال بعضهم : معناه : لكان موتاً . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ قال : ثنـي أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { لَكانَ لِزَاماً } يقول : موتا . وقال آخرون : معناه لكان قتلاً . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد { لَكانَ لِزَاماً } واللزام : القتل . وقوله : { فـاصْبِرْ علـى ما يَقُولُونَ } يقول جلّ ثناؤه لنبـيه : فـاصبر يا مـحمد علـى ما يقول هؤلاء الـمكذّبون بآيات الله من قومك لك إنك ساحر ، وإنك مـجنون وشاعر ونـحو ذلك من القول { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } يقول : وصل بثنائك علـى ربك ، وقال : بحمد ربك . والـمعنى : بحمدك ربك ، كما تقول : أعجبنـي ضرب زيد ، والـمعنى : ضربـي زيداً . وقوله : { قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ } وذلك صلاة الصبح { وَقَبْلَ غُرُوبِها } وهي العصر { وَمِنْ آناءِ اللَّـيْـلِ } وهي ساعات اللـيـل ، واحدها : إنْـيٌ ، علـى تقدير حمل ومنه قول الـمنـخَّـل السعدي : @ حُلْوٌ وَمُرٌّ كَعِطْفِ القِدْحِ مُرَّتُهُ فِـي كُلّ إنْـيٍ قَضَاهُ اللَّـيْـلُ يَنْتَعِلُ @@ ويعنـي بقوله : { وَمِنْ آناءِ اللَّـيْـلِ فَسَبِّحْ } صلاة العشاء الآخرة ، لأنها تصلـى بعد مضيّ آناء من اللـيـل . وقوله : { وأطْرَافَ النَّهارِ } : يعنـي صلاة الظهر والـمغرب وقـيـل : أطراف النهار ، والـمراد بذلك الصلاتان اللتان ذكرنا ، لأن صلاة الظهر فـي آخر طرف النهار الأوّل ، وفـي أوّل طرف النهار الآخر ، فهي فـي طرفـين منه ، والطرف الثالث : غروب الشمس ، وعند ذلك تصلـى الـمغرب ، فلذلك قـيـل أطراف ، وقد يحمل أن يقال : أريد به طرفـا النهار . وقـيـل : أطراف ، كما قـيـل صَغَتْ قُلُوبُكما فجمع ، والـمراد : قلبـان ، فـيكون ذلك أوّل طرف النهار الآخر ، وآخر طرفه الأول . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن عاصم ، عن ابن أبـي زيد ، عن ابن عبـاس { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها } قال : الصلاة الـمكتوبة . حدثنا تـميـم بن الـمنتصر ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا إسماعيـل بن أبـي خالد ، عن قـيس بن أبـي حازم ، عن جرير بن عبد الله ، قال : كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى القمر لـيـلة البدر فقال : " إنَّكُمْ رَاءُونَ رَبَّكُمْ كمَا تَرَوْنَ هَذَا ، لا تُضَامُونَ فِـي رُؤْيَتِهِ ، فإنِ اسْتَطَعْتـمْ أنْ لا تُغْلَبُوا عَلـى صَلاةٍ قَبلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها فـافْعَلُوا " ثُمَّ تَلا : { وسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها } قال ابن جريج : العصر ، وأطراف النهار قال : الـمكتوبة . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمى ، عن قَتادة فـي قوله : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ } قال : هي صَلاة الفجر { وَقَبْلَ غُرُوبِها } قال : صلاة العصر . { وَمِنْ آناءِ اللَّـيْـلِ } قال : صلاة الـمغرب والعشاء . { وأطْرافَ النَهارِ } قال : صلاة الظهر . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله { وَمِنْ آناءِ اللَّـيْـلِ فَسَبِّحْ وأطْرَافَ النَّهارِ } : قال : من آناء اللـيـل : العَتَـمة . وأطراف النهار : الـمغرب والصبح . ونصب قوله { وأطْرافَ النهار } عطفـاً علـى قوله { قَبْلَ طُلُوع الشَّمْسِ } ، لأن معنى ذلك : فسبح بحمد ربك آخر اللـيـل ، وأطراف النهار . وبنـحو الذي قلنا فـي معنى { آناءِ اللَّـيْـلِ } قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال ابن عبـاس { وَمِن آناءِ اللَّـيْـلِ } قال : الـمصلـى من اللـيـل كله . حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا ابن عُلَـية ، عن أبـي رجاء ، قال : سمعت الـحسن قرأ : { وَمِنْ آناء اللَّـيْـلِ } قال : من أوّله ، وأوسطه ، وآخره . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله : { وَمِنْ آناءِ اللَّـيْـلِ فَسَبِّحْ } قال : آناء اللـيـل : جوف اللـيـل . وقوله : { لَعَلَّكَ تَرْضَى } يقول : كي ترضى . وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والعراق : { لَعَلَّكَ تَرْضَى } بفتـح التاء . وكان عاصم والكسائي يقرآن ذلك : « لَعَلَّكَ تُرْضَى » بضم التاء ، ورُوي ذلك عن أبـي عبد الرحمن السُّلَـميّ ، وكأنّ الذين قرأوا ذلك بـالفتـح ، ذهبوا إلـى معنى : إن الله يعطيك ، حتـى ترضى عطيَّته وثوابه إياك ، وكذلك تأوّله أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { لَعَلَّكَ تَرْضَى } قال : الثواب ، ترضى بـما يثـيبك الله علـى ذلك . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج { لَعَلَّكَ تُرْضَى } قال : بـما تُعْطَى . وكأن الذين قرأوا ذلك بـالضم ، وجهوا معنى الكلام إلـى لعلّ الله يرضيك من عبـادتك إياه ، وطاعتك له . والصواب من القول فـي ذلك عندي : أنهما قراءتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء ، وهما قراءتان مستفـيضتان فـي قَرَأة الأمصار ، متفقتا الـمعنى ، غير مختلفتـيه وذلك أن الله تعالـى ذكره إذا أرضاه ، فلا شكّ أنه يرضى ، وأنه إذا رضي فقد أرضاه الله ، فكل واحدة منهما تدلّ علـى معنى الأخرى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب .