Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 37-38)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : { خُـلِقَ الإنْسانُ } يعنـي آدم { مِنْ عَجَلٍ } . واختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : من عَجَل فـي بنـيته وخـلقته كان من العجلة ، وعلـى العجلة . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يـمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد فـي قوله : { خُـلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ } قال : لـما نفخ فـيه الروح فـي ركبتـيه ذهب لـينهض ، فقال الله : { خُـلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ } . حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : لـما نُفخ فـيه يعنـي فـي آدم الروح ، فدخـل فـي رأسه عطس ، فقالت الـملائكة : قل الـحمد لله فقال : الـحمد لله . فقال الله له : رحمك ربك فلـما دخـل الروح فـي عينـيه نظر إلـى ثمار الـجنة ، فلـما دخـل فـي جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن تبلغ الروح رجلـيه عجلان إلـى ثمار الـجنة فذلك حين يقول : { خُـلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ } يقول : خـلق الإنسان عجولاً . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { خُـلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ } قال : خـلق عجولاً . وقال آخرون : معناه : خـلق الإنسان من عجل ، أي من تعجيـل فـي خـلق الله إياه ومن سرعة فـيه وعلـى عجل . وقالوا : خـلقه الله فـي آخر النهار يوم الـجمعة قبل غروب الشمس علـى عجل فـي خـلقه إياه قبل مغيبها . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثنـي الـحرث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قول الله : { خُـلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ } قال : قول آدم حين خُـلق بعد كلّ شيء آخر النهار من يوم خـلق الـخـلق ، فلـما أحيا الروح عينـيه ولسانه ورأسه ولـم تبلغ أسفله ، قال : يا ربّ استعجل بخـلقـي قبل غروب الشمس . حدثنـي الـحرث ، قال ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال مـجاهد : { خُـلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ } قال آدم حين خُـلق بعد كلّ شيء ثم ذكر نـحوه ، غير أنه قال فـي حديثه : استعجلْ بخـلقـي فقد غربت الشمس . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { خُـلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ } قال : علـى عجل آدم آخر ذلك الـيوم من ذينك الـيومين ، يريد يوم الـجمعة ، وخـلقه علـى عجل ، وجعله عجولاً . وقال بعض أهل العربـية من أهل البصرة مـمن قال نـحو هذه الـمقالة : إنـما قال : { خُـلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } وهو يعنـي أنه خـلقه من تعجيـل من الأمر ، لأنه قال : { إنَّـمَا قَوْلُنا لِشَيْء إذَا أرَدْناهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَـيَكُونُ } قال : فهذا العجل . وقوله : { فَلا تَسْتَعْجِلُونِ } إنّـي { سأُرِيكُمْ آياتـي } . وعلـى قول صاحب هذه الـمقالة ، يجب أن يكون كلّ خـلق الله خُـلق علـى عجل ، لأن كل ذلك خـلق بأن قـيـل له كن فكان . فإذا كان ذلك كذلك ، فما وجه خصوص الإنسان إذا بذكر أنه خُـلق من عجل دون الأشياء كلها وكلها مخـلوق من عجل ؟ وفـي خصوص الله تعالـى ذكره الإنسان بذلك الدلـيـل الواضح ، علـى أن القول فـي ذلك غير الذي قاله صاحب هذه الـمقالة . وقال آخرون منهم : هذا من الـمقلوب ، وإنـما خُـلق العَجَل من الإنسان ، وخُـلقت العجلة من الإنسان . وقالوا : ذلك مثل قوله : { ما إنَّ مَفـاتِـحَهُ لَتَنُوءُ بـالعُصْبَةِ أُولـي القُوَّةِ } إنـما هو : لَتنوء العصبة بها متثاقلة . وقالوا : هذا وما أشبهه فـي كلام العرب كثـير مشهور . قالوا : وإنـما كلـم القوم بـما يعقلون . قالوا : وذلك مثل قولهم : عرَضتُ الناقة ، وكقولهم : إذا طلعت الشعرى واستوت العود علـى الـحِرْبـاء أي استوت الـحربـاء علـى العود ، كقول الشاعر : @ وتَرْكَبُ خَيْلاً لا هَوَادَة بَـيْنَها وَتَشْقَـى الرماحُ بـالضياطِرَةِ الـحُمْرِ @@ وكقول ابن مقبل : @ حَسَرْتُ كَفِّـي عَنِ السِّرْبـالِ آخُذُه ُفَرْدا يُجَرُّ عَلـى أيْدِي الـمُفَدّينا @@ يريد : حسرت السربـال عن كفّـي ، ونـحو ذلك من الـمقلوب . وفـي إجماع أهل التأويـل علـى خلاف هذا القول ، الكفـاية الـمغنـية عن الاستشهاد علـى فساده بغيره . قال أبو جعفر : والصواب من القول فـي تأويـل ذلك عندنا الذي ذكرناه عمن قال معناه : خُـلق الإنسان من عجل فـي خـلقه أيْ علـى عجل وسرعة فـي ذلك . وإنـما قـيـل ذلك كذلك ، لأنه بُودر بخـلقه مغيب الشمس فـي آخر ساعة من نهار يوم الـجمعة ، وفـي ذلك الوقت نفخ فـيه الروح . وإنـما قلنا أولـى الأقوال التـي ذكرناها فـي ذلك بـالصواب ، لدلالة قوله تعالـى : { سأُرِيكُمْ آياتِـي فَلا تَسْتَعْجِلُونَ } علـيّ ذلك ، وأن أبـا كريب : حدثنا قال : ثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا مـحمد بن عمرو ، عن أبـي سلـمة ، عن أبـي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ فِـي الـجُمُعَةِ لَساعَةً " يُقَلِّلُها ، قال : " لا يَوَافِقُها عَبْدٌ مُسْلِـمٌ يَسأَلُ اللَّهَ فِـيها خَيْرا إلاَّ آتاهُ اللَّهُ إيَّاهُ " فقال عبد الله بن سلام : قد علـمت أيّ ساعة هي ، هي آخر ساعات النهار من يوم الـجمعة . قال الله : { خُـلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سأُرِيكُمْ آياتِـي فَلا تَسْتَعْجِلُونَ } . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا الـمـحاربـي وعبدة بن سلـيـمان وأسير بن عمرو ، عن مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو سلـمة ، عن أبـي هريرة ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم بنـحوه ، وذكر كلام عبد الله بن سلام بنـحوه . فتأويـل الكلام إذا كان الصواب فـي تأويـل ذلك ما قلنا بـما به استشهدنا { خُـلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ } ، ولذلك يستعجل ربه بـالعذاب . { سأُرِيكُمْ آياتِـي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ } أيها الـمستعجلون ربهم بـالآيات القائلون لنبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم : بل هو شاعر ، فلـيأتنا بآية كما أرسل الأوّلون آياتـي ، كما أريتها من قبلكم من الأمـم التـي أهلكناها بتكذيبها الرسل ، إذا أتتها الآيات : { فلا تَسْتَعْجِلُونِ } يقول : فلا تستعجلوا ربكم ، فإنا سنأتـيكم بها ونريكموها . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { خُـلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ } فقرأته عامة قرّاء الأمصار : { خُـلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ } بضمّ الـخاء علـى مذهب ما لـم يسِمّ فـاعله . وقرأه حُميد الأعرج : « خَـلَقَ » بفتـحها ، بـمعنى : خـلق الله الإنسان . والقراءة التـي علـيها قرّاء الأمصار ، هي القراءة التـي لا أستـجيز خلافها . وقوله : { وَيَقُولُونَ مَتـى هَذَا الوَعْدُ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ } يقول تعالـى ذكره : ويقول هؤلاء الـمستعجلون ربهم بـالآيات والعذاب لمحمد صلى الله عليه وسلم : متـى هذا الوعد ؟ يقول : متى يجيئنا هذا الذي تعدنا من العذاب إن كنتـم صادقـين فـيـما تعدوننا به من ذلك ؟ وقـيـل : { هَذَا الوَعْدُ } والـمعنى الـموعود لـمعرفة السامعين معناه . وقـيـل : { إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ } كأنهم قالوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللـمؤمنـين به . و « متـى » فـي موضع نصب ، لأن معناه : أي وقت هذا الوعد وأيّ يوم هو فهو نصب علـى الظرف لأنه وقت .