Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 85-86)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعنـي تعالـى ذكره بإسماعيـل بن إبراهيـم صادق الوعد ، وبإدريس : أخنوخ ، وبذي الكفل : رجلاً تكفل من بعض الناس ، إما من نبـيّ وإما من ملك من صالـحي الـملوك بعمل من الأعمال ، فقام به من بعده ، فأثنـى الله علـيه حسن وفـائه بـما تكفل به وجعله من الـمعدودين فـي عبـاده ، مع من حمد صبره علـى طاعة الله . وبـالذي قلنا فـي أمره جاءت الأخبـار عن سلف العلـماء . ذكر الرواية بذلك عنهم : حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفـيان ، عن الأعمش ، عن الـمنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الـحارث : أن نبـيًّا من الأنبـياء ، قال : من تكفل لـي أن يصوم النهار ويقوم اللـيـل ولا يغضب ؟ فقام شاب فقال : أنا . فقال : اجلس : ثم عاد فقال : من تكفل لـي أن يقوم اللـيـل ويصوم النهار ولا يغضب ؟ فقام ذلك الشاب فقال : أنا . فقال : اجلس ثم عاد فقال : من تكفل لـي أن يقوم اللـيـل ويصوم النهار ولا يغضب ؟ فقام ذلك الشاب فقال : أنا فقال : تقوم اللـيـل وتصوم النهار ولا تغضب . فمات ذلك النبـيّ ، فجلس ذلك الشاب مكانه يقضي بـين الناس ، فكان لا يغضب . فجاءه الشيطان فـي صورة إنسان لـيُغضبه وهو صائم يريد أن يَقِـيـل ، فضرب البـاب ضربـاً شديدا ، فقال : من هذا ؟ فقال : رجل له حاجة . فأرسل معه رجلاً ، فقال : لا أرضى بهذا الرجل . فأرسل معه آخر ، فقال : لا أرضى بهذا . فخرج إلـيه فأخذ بـيده فـانطلق معه ، حتـى إذا كان فـي السوق خلاّه وذهب ، فسُمِّي ذا الكفل . حدثنا ابن الـمثنـي ، قال : ثنا عفـان بن مسلـم ، قال : ثنا وهيب ، قال : ثنا داود ، عن مـجاهد ، قال : لـما كبر الـيسع قال : لو أنـي استـخـلفت علـى الناس رجلاً يعمل علـيهم فـي حياتـي حتـى أنظر كيف يعمل . قال : فجمع الناس ، فقال : من يَتَقَبَّلْ لـي بثلاث أستـخـلفه : يصوم النهار ، ويقوم اللـيـل ، ولا يغضب ؟ قال : فقام رجل تزدريه العين ، فقال : أنا . فقال : أنت تصوم النهار وتقوم اللـيـل ولا تغضب ؟ قال : نعم . قال : فردّهم ذلك الـيوم ، وقال مثلها الـيوم الآخر ، فسكت الناس وقام ذلك الرجل ، فقال : أنا . فـاسْتَـخْـلَفَه . قال : فجعل إبلـيس يقول للشياطين : علـيكم بفلان فأعياهم ، فقال : دعونـي وإياه فأتاه فـي صورة شيخ كبـير فقـير ، فأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة ، وكان لا ينام اللـيـل والنهار إلا تلك النومة ، فدقّ البـاب ، فقال : من هذا ؟ قال : شيخ كبـير مظلوم . قال : فقام ففتـح البـاب ، فجعل يقصّ علـيه ، فقال : إن بـينـي وبـين قومي خصومة ، وإنهم ظلـمونـي وفعلوا بـي وفعلوا . فجعل يطوّل علـيه ، حتـى حضر الرَّواح وذهبت القائلة ، وقال : إذا رحت فأتنى آخذ لك بحقك فـانطلق وراح ، فكان فـي مـجلسه ، فجعل ينظر هل يرى الشيخ ، فلـم يره ، فجعل يبتغيه . فلـما كان الغد جعل يقضي بـين الناس وينتظره فلا يراه . فلـما رجع إلـى القائلة ، فأخذ مضجعه ، أتاه فدقّ البـاب ، فقال : من هذا ؟ قال : الشيخ الكبـير الـمظلوم . ففتـح له ، فقال : ألـم أقل لك إذا قعدت فأْتنـي ؟ فقال : إنهم أخبث قوم ، إذا عرفوا أنك قاعد قالوا نـحن نعطيك حقك ، وإذا قمت جحدونـي . قال : فـانطلِقْ فإذا رحت فأتنـي قال : ففـاتته القائلة ، فراح فجعل ينظر فلا يراه ، فشقّ علـيه النعاس ، فقال لبعض أهله : لا تدعُنّ أحداً يقرب هذا البـاب حتـى أنام ، فإنـي قد شقّ علـيّ النوم فلـما كان تلك الساعة جاء ، فقال له الرجل وراءَك ، فقال : إنـي قد أتـيته أمس فذكرت له أمري ، قال : والله لقد أمرنا أن لا ندع أحداً يقربه . فلـما أعياه نظر فرأى كوّة فـي البـيت ، فتسوّر منها ، فإذا هو فـي البـيت ، وإذا هو يدقّ البـاب ، قال : واستـيقظ الرجل فقال : يا فلان ، ألـم آمرك ؟ قال : أما من قِبلـى والله فلـم تُؤْتَ ، فـانظر من أين أُتِـيتَ قال : فقام إلـى البـاب ، فإذا هو مغلق كما أغلقه ، وإذا هو معه فـي البـيت ، فعرفه فقال : أعدوّ الله ؟ قال : نعم أعيـيتنـي فـي كل شيء ، ففعلت ما ترى لأغضبك . فسماه ذا الكفل ، لأنه تكفل بأمر فوفـى به . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { وَذَا الكِفْلِ } قال رجل صالـح غير نبـيّ ، تكفل لنبـيّ قومه أن يكفـيه أمر قومه ويقـيـمه لهم ويقضي بـينهم بـالعدل ، ففعل ذلك ، فسُمِّي ذا الكِفل . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد بنـحوه ، إلا أنه قال : ويقضي بـينهم بـالـحقّ . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن أبـي معشر ، عن مـحمد بن قـيس قال : كان فـي بنـي إسرائيـل مِلك صالـح ، فكبر ، فجمع قومه فقال : أيكم يكفل لـي بـمُلكي هذا علـى أن يصوم النهار ويقوم اللـيـل ويحكم بـين بنـي إسرائيـل بـما أنزل الله ولا يغضب ؟ قال : فلـم يقم أحد إلا فتـى شاب ، فـازدراه لـحداثة سنه ، فقال : أيكم يكفل لـي بـملكي هذا علـى أن يصوم النهار ويقوم اللـيـل ولا يغضب ويحكم بـين بنـي إسرائيـل بـما أنزل الله ؟ فلـم يقم إلا ذلك الفتـى قال : فـازدراه . فلـما كانت الثالثة قال مثل ذلك ، فلـم يقم إلا ذلك الفتـى ، فقال : تعال فخـلـى بـينه وبـين ملكه . فقام الفتـى لـيـلة فلـما أصبح جعل يحكم بـين بنـي إسرائيـل فلـما انتصف النهار دخـل لـيقـيـل ، فأتاه الشيطان فـي صورة رجل من بنـي آدم ، فجذب ثوبه ، فقال : أتنام والـخصوم ببـابك ؟ قال : إذا كان العشية فأتنـي قال فـانتظره بـالعشيّ فلـم يأته فلـما انتصف النهار دخـل لـيَقِـيـل ، جذب ثوبه وقال : أتنام والـخصوم علـى بـابك ؟ قال : قلت لك : ائتنـي العشيّ فلـم تأتنـي ، ائتنـي ، بـالعشيّ فلـما كان بـالعشيّ انتظره فلـم يأت فلـما دخـل لـيقـيـل جذب ثوبه ، فقال : أتنام والـخصوم ببـابك ؟ قال : أخبرنـي من أنت ، لو كنت من الإنس سمعت ما قلت قال : هو الشيطان ، جئت لأفتنك فعصمك الله منـي . فقضي بـين بنـي إسرائيـل بـما أنزل الله زماناً طويلاً ، وهو ذو الكفل ، سُمي ذا الكفل لأنه تكفل بـالـملك . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة ، عن أبـي موسى الأشعريّ ، قال وهو يخطب الناس : إن ذا الكفل لـم يكن نبـيًّا ولكن كان عبداً صالـحاً ، تكفل بعمل رجل صالـح عند موته ، كان يصلـي لله كل يوم مئة صلاة ، فأحسن الله علـيه الثناء فـي كفـالته إياه . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الـحكم ، قال : ثنا عمرو ، قال : أمَّا ذو الكفل فإنه كان علـى بنـي إسرائيـل مَلِك فلـما حضره الـموت ، قال : من يكفل لـي أن يكفـينـي بنـي إسرائيـل ولا يغضب ويصلـي كل يوم مئة صلاة ؟ فقال ذو الكفل : أنا . فجعل ذو الكفل يقضي بـين الناس ، فإذا فرغ صلـى مئة صلاة . فكاده الشيطان ، فأمهله حتـى إذا قضي بـين الناس وفرغ من صلاته وأخذ مضجعه فنام ، أتـى الشيطان بـابه فجعل يدقه ، فخرج إلـيه ، فقال : ظُلـمت وصُنع بـي فأعطاه خاتـمه وقال : اذهب فأتنـي بصاحبك وانتظره ، فأبطأ علـيه الآخر ، حتـى إذا عرف أنه قد نام وأخذ مضجعه ، أتـى البـاب أيضا كي يغضبه ، فجعل يدقه ، وخدش وجه نفسه فسالت الدماء ، فخرج إلـيه فقال : ما لك ؟ فقال : لـم يتبعنـي ، وضُربت وفُعل فأخذه ذو الكفل ، وأنكر أمره ، فقال : أخبرنـي من أنت ؟ وأخذه أخذا شديدا ، قال : فأخبره من هو . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، فـي قوله : { وَذَا الكِفْل } قال : قال أبو موسى الأشعريّ : لـم يكن ذو الكفل نبـيًّا ، ولكنه كَفَل بصلاة رجل كان يصلـي كل يوم مئة صلاة ، فوفـى ، فكفل بصلاته ، فلذلك سُمي ذا الكفل . ونُصِبَ « إسماعيـل » و « إدريس » و « ذا الكفل » ، عطفـاً علـى « أيوب » ، ثم استؤنف بقوله : { كُلّ } فقال : { كُلّ مِنَ الصَّابِرِينَ } ومعنى الكلام : كلهم من أهل الصبر فـيـما نابهم فـي الله . وقوله : { وأدْخَـلْناهُمْ فِـي رَحْمَتِنا إنَّهُمْ مِنَ الصَّالِـحِينَ } يقول تعالـى ذكره : وأدخـلنا إسماعيـل وإدريس وذا الكفل والهاء والـميـم عائدتان علـيهم { فِـي رَحْمَتِنا إنَّهُمْ مِنَ الصَّالِـحِين } يقول : إنهم مـمن صلـح ، فأطاع الله وعمل بـما أمره .