Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 1-2)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال أبو جعفر : يقول تعالـى ذكره : يا أيها الناس احذروا عقاب ربكم بطاعته ، فأطيعوه ولا تعصُوه ، فإن عقابه لـمن عاقبه يوم القـيامة شديد . ثم وصف جلّ ثناؤه هول أشراط ذلك الـيوم وبدوّه ، فقال : { إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةٍ شَيْءٌ عَظِيـمٌ } . واختلف أهل العلـم فـي وقت كون الزلزلة التـي وصفها جلّ ثناؤه بـالشدّة ، فقال بعضهم : هي كائنة فـي الدنـيا قبل يوم القـيامة . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفـيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيـم ، عن علقمة ، فـي قوله : { إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيـمٌ } قال : قبل الساعة . حدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار ، قال : ثنا مـحمد بن الصلت ، قال : ثنا أبو عدنية ، عن عطاء ، عن عامر : { يا أيُّها النَّاسُ اتقُوا رَبَّكُمْ إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظيـمٌ } قال : هذا فـي الدنـيا قبل يوم القـيامة . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جُرَيج فـي قوله : { إنَّ زَلْزَلَةَ السَاعَةِ } فقال : زلزلتها : أشراطها … الآيات { يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَملَها وَتَرَى الناسَ سُكارَى وَما هُمْ بِسُكارَى } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء ، عن عامر : { يا أيُّها النَّاسُ اتَّقُوا رَبكُمْ إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيـمٌ } قال : هذا فـي الدنـيا من آيات الساعة . وقد رُوي عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم بنـحو ما قال هؤلاء خبر ، فـي إسناده نظر وذلك ما : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي ، عن إسماعيـل بن رافع الـمدنـي ، عن يزيد بن أبـي زياد ، عن رجل من الأنصار ، عن مـحمد بن كعب القُرَظيّ ، عن رجل من الأنصار ، عن أبـي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لـمَا فَرَغَ اللَّهُ منْ خَـلْقِ السمَوَاتِ والأرْضِ ، خَـلَقَ الصُّوْرَ فأعْطاهُ إسْرَافِـيـلَ ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلـى فـيهِ ، شاخِصٌ بِبَصَرِهِ إلـى العَرْشِ ، يَنْتَظِرُ مَتـى يُؤْمَرُ " قال أبو هريرة : يا رسول الله ، وما الصور ؟ قال : « قَرْنٌ » . قال : وكيف هو ؟ قال : " قَرْنٌ عَظِيـمٌ يُنْفَخُ فـيهِ ثَلاثُّ نَفَخاتٍ ، الأُولـى : نَفْخَةُ الفَزَعِ ، والثانـيَةُ : نَفْخَةُ الصَّعْقِ ، والثالِثَةُ : نَفْخَةُ القِيامِ لِرَبّ العالَمِينَ . يَأْمُرهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إسْرافيلَ بالنَّفْخَةِ الأُولـى ، فَـيَقُولُ : انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ فَـيَفْزَعُ أهْلُ السَّمَواتِ والأَرْضِ إلاَّ مَنْ شاءَ الله ، ويَأْمُرُهُ اللَّهُ فَيُدِيمُها وَيُطَوّلها ، فَلا يَفْتُرُ ، وَهِيَ التِي يَقُولُ اللَّهُ : ما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ فَـيُسَيِّرُ اللَّهُ الجِبالَ فَتَكُونُ سَرَابـا ، وَتُرَجُّ الأرْضُ بأهلها رَجًّا ، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ : يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ ، فَتَكُونُ الأرْض كالسَّفِـينَةِ الـموبَقَةِ فـي البَحْرِ تَضْرِبُها الأَمْوَاجُ تُكْفَأُ بأَهْلها ، أوْ كالقِنْديـلِ الـمُعَلَّقِ بـالعَرْشِ تُرَجِّحُهُ الأَرْوَاحُ فَتَـمِيدُ الناسُ عَلـى ظَهْرِها فَتَذْهَلُ الـمَرَاضِعُ ، وَتَضَعُ الـحَوَامِلُ ، وَتَشِيبُ الولْدَانُ ، وَتَطيرُ الشياطِينُ هارِبَةً حتـى تَأْتـي الأَقْطار فَتَلَقَّاها الـمَلائِكَةُ فَتَضْرِبُ وُجُوهَها ، فَترْجِعُ وَيُوَلّـي النَّاس مُدْبِرِينَ يُنادِي بَعْضَهُمْ بَعْضَاً ، وَهُوَ الذِي يَقُولُ اللَّهُ : { يَوْمَ التنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هادٍ } فَبَـيْنَـما هُمْ عَلـى ذلكَ ، إذْ تَصَدَّعَتِ الأرْضُ مِنْ قُطْرٍ إلـى قُطْرٍ ، فَرَأوْا أمْراً عَظِيـماً ، وأَخَذَهُمْ لِذَلكَ مِن الكَرْبِ ما اللَّهُ أعْلَـمُ بِهِ ، ثُمَّ نَظَرُوا إلـى السَّماءِ فإذَا هِيَ كالـمُهْلِ ، ثُم خُسِفَ شمْسُها وخُسِفَ قَمَرُها وَانْتَثرَتْ نُـجُومُها ، ثُمَّ كُشِطَتْ عَنْهُمْ " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والأمْوَاتُ لا يَعْلَمُون بِشَيْءٍ مِنْ ذلكَ " فقال أبو هريرة : فمن استثنى لله حين يقول : { فَفَزِعَ مَنْ فِـي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِـي الأرْضِ إلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ } ؟ قال : " أُولَئِكَ الشُّهَدَاءُ ، وإنَّـمَا يَصلُ الفَزَعُ إلى الأحْياء ، أُولَئِكَ أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهمْ يُرْزَقُونَ ، وَقاهُمُ اللَّهُ فَزَعَ ذلكَ الـيَوْم وآمَنَهُمْ . وَهُوَ عَذَابُ اللَّهِ يَبْعَثُهُ عَلـى شِرَارِ خَـلْقِهِ ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ : { يا أيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيـمٌ … } إلـى قوله : { وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } " وهذا القول الذي ذكرناه عن علقمة والشعبـيّ ومن ذكرنا ذلك عنه قولٌ ، لولا مـجيء الصحاح من الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلـم بـمعانـي وحي الله وتنزيـله . والصواب من القول فـي ذلك ما صحّ به الـخبر عنه . ذكر الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بـما ذكرنا : حدثنـي أحمد بن الـمقدام ، قال : ثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان ، قال : سمعت أبـي يحدّث عن قتادة ، عن صاحب له حدّثه ، عن عمران بن حُصين ، قال : » بـينـما رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي بعض مغازيه وقد فـاوت السَّير بأصحابه ، إذ نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية : يا أيُّها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيـمٌ » . قال : فحَثُّوا الـمطيّ ، حتـى كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " هَلْ تَدْرُونَ أيُّ يَوْمٍ ذَلكَ ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلـم . قال : " ذلكَ يَوْمَ يُنادَى آدَمُ ، يُنادِيهِ رَبُّهُ : ابْعَثْ بَعْثَ النارِ ، مِنْ كُلّ ألْفٍ تِسْعَ مِئَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ إلـى النَّارِ " قال : فأبلس القوم ، فما وضح منهم ضاحك ، فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " ألا اعْمَلُوا وأبْشِرُوا ، فإنَّ مَعَكُمْ خَـلِـيقَتَـيْنِ ما كانَتا فِـي قَوْمٍ إلاَّ كَثَرَتاهُ ، فَمَنْ هَلَكَ مِنْ بَنـي آدَمَ ، وَمَنْ هَلَكَ مِنْ بَنـي إبْلِـيسَ وَيأْجُوجَ وَمأْجُوجَ " قال : " أبْشِرُوا ، ما أنْتُـمْ فِـي النَّاسِ إلاَّ كالشَّامَةِ فِـي جَنْبِ البَعِيرِ ، أو كالرّقْمة فـي جَناحِ الدَّابَة " حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، قال : ثنا هشام بن أبـي عبد الله ، عن قتادة ، عن الـحسن ، عن عمران بن حصين ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم . وحدثنا ابن بشار ، قال : ثنا معاذ بن هشام ، قال : ثنا أبـي وحدثنا ابن أبـي عديّ ، عن هشام جميعاً ، عن قَتادة ، عن الـحسن ، عن عمران بن حصين ، عن البنـيّ صلى الله عليه وسلم بـمثله . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا مـحمد بن بشر ، عن سعيد بن أبـي عروبة ، عن قَتادة ، عن العلاء بن زياد عن عمران ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بنـحوه . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا عوف ، عن الـحسن ، قال : بلغنـي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لـما قـفل من غزوة العُسْرة ، ومعه أصحابه ، بعد ما شارف الـمدينة ، قرأ : { يا أيُّها النَّاسُ اتقُوا رَبكُمْ إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيـمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها … } الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتَدْرُونَ أيُّ يوم ذَاكُمْ " ؟ قـيـل : الله ورسوله أعلـم . فذكر نـحوه ، إلا أنه زاد : " وإنَّهُ لَـمْ يَكُنْ رَسُولانِ إلاَّ كانَ بَـيْنَهُما فَتْرَةٌ مِنَ الـجاهِلِـيَّةِ ، فَهُمْ أهْلُ النَّارِ وإنَّكُمْ بـينَ ظَهْرَانَـي خَلِيقَتَيْنِ لا يُعادُّهما أحدٌ مِنْ أهْلِ الأرْضِ إلاَّ كَثَرُوهُمْ ، وَهُمْ يَأْجُوجُ وَمأجُوجُ ، وَهُمْ أهْلُ النارِ ، وَتَكْمُلُ العِدَّةُ مِنَ المُنافِقِينَ " حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن 1الأعمش ، عن أبي صالـح عن أبي سعيد ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " يُقالُ لآدَمَ : أخْرِجْ بَعْثَ النَّار ، قالَ : فَـيَقُولُ : وَما بَعْثُ النَّارِ ؟ فَـيَقُولُ : مِنْ كُلّ ألْفٍ تِسْعَ مئَةٍ وتِسْعَةً وَتِسْعِينَ . فَعِنْدَ ذلكَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ ، وَتَضَعُ الـحاملُ حَمَلها ، وَتَرَى النَّاسَ سُكارَى وَما هُمْ بِسُكارَى ، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَديدٌ " قالَ : قُلْنا فَأين الناجي يا رسول الله ؟ قال : " أبْشِرُوا فإنَّ وَاحِدا منْكُمْ وألْفـا منْ يَأْجُوجَ وَمأجُوجَ " ثُمَّ قالَ : " إنّـي لأَطْمَعُ أنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهلِ الجَنِّةِ " فَكَبَّرْنا وحَمِدْنا اللَّهَ . ثم قال : " إنّـي لأَطْمَعُ أنْ تكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الـجَنةِ " فكَبَّرْنا وحَمِدْنا اللَّهَ . ثم قال : " إنّـي لأطْمَعُ أنْ تَكُونُوا نِصْفَ أهْلِ الـجَنةِ إنَّـمَا مَثَلُكُمْ فِـي النَّاسِ كمَثَلِ الشَّعْرَةِ البَـيْضَاءِ فـي الثَّوْرِ الأسْوَدِ ، أو كَمَثلِ الشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِـي الثوْرِ الأبْـيَضِ " حدثنا أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبـي صالـح ، عن أبـي سعيد الـخُدْريّ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يَقُول اللَّهُ لآدَمَ يَوْمَ القِـيامَةِ " ثم ذكر نـحوه . حدثنـي عيسى بن عثمان بن عيسى الرملـيّ ، قال : ثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن أبـي صالـح ، عن أبـي سعيد ، قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الـحشر ، قال : " يقولُ اللَّهُ يَوْمَ القِـيامَةِ يا آدَمُ فَـيَقُولُ : لَبَّـيْكَ وَسَعْدَيْكَ والـخَيْرُ بِـيَدَيْكَ فَـيَقُولُ : ابْعَثْ بَعْثا إلـى النَّارِ " ثم ذكر نـحوه . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة ، عن أنس قال : نزلت { يا أيُّها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيـمٌ … } حتـى إلـى : { عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } … الآية علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهو فـي مسير ، فرجّع بها صوته ، حتـى ثاب إلـيه أصحابه ، فقال : " أتَدْرُونَ أيَّ يَوْمٍ هَذَا ؟ هَذَا يَوْمَ يَقُولُ اللَّهُ لآدَمَ : يا آدَمُ قُمْ فـابْعَثَ النارِ مِنْ كُلّ ألْفٍ تِسْعَ مئَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ " فكُبر ذلك علـى الـمسلمين ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " سَدّدُوا وَقارِبُوا وأبْشِرُوا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ما أنْتُـمْ فِـي الناسِ إلاَّ كالشَّامَةِ فـي جَنْبِ البَعِيرِ ، أو كالرّقْمَةِ فِـي ذِرَاعِ الدّابَّةِ ، وإنَّ مَعَكُمْ لَـخَـلِـيقَتَـيْنِ ما كانَتا فِـي شَيْءٍ قَطُّ إلاَّ كَثَرَتاهُ : يَأْجُوجُ وَمأْجُوجُ ، وَمَنْ هَلَكَ من كَفَرَةِ الـجِنّ والإنْسِ " حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن إسحاق ، عن عمرو بن ميـمون ، قال : دخلت على ابن مسعود بيت المال ، فقال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : " أتَرْضَوْنَ أن تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الـجَنةِ ؟ " قُلنا نعم ، قال : " أتَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الـجَنةِ ؟ " قلنا : نعم قال : " فوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ، إنّـي لأرْجُوا أنْ تَكُونُّوا شَطْرَ أهْلِ الـجَنَّةِ ، وَسأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذلكَ إنَّه لا يَدْخُـلُ الـجَنَّةَ إلاَّ نَفْسٌ مُسْلِـمَةٌ ، وَإنَّ قِلَّةَ الـمُسْلِـمِينَ فِـي الكُفَّـارِ يَوْمَ القِـيامَةِ كالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِـي الثَّوْرِ الأبْبَضِ ، أو كالشَّعْرَةِ البَـيْضَاءِ فِـي الثَّوْرِ الأسْوَدِ " حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيـمٌ } قال : هذا يوم القـيامة . والزلزلة : مصدر من قوله القائل : زلزلتُ بفلان الأرض أزلزلها زلزلة وزِلزالاً ، بكسر الزاي من الزِّلزال ، كما قال الله : { إذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا } وكذلك الـمصدر من كل سلـيـم من الأفعال إذا جاءت علـى فِعلال فبكسر أوّله ، مثل وَسْوس وَسْوَسَة ووِسْواساً ، فإذا كان اسماً كان بفتـح أوّله الزَّلزال والوَسْواس ، وهو ما وسوس إلـى الإنسان ، كما قال الشاعر : @ يَعْرِف الـجاهِلُ الـمُضَلَّلُ أنَّ الدَّ هْرَ فِـيهِ النَّكْرَاءُ والزَّلْزَالُ @@ وقوله تعالـى : { يَوْمَ تَرَوْنَها } يقول جلّ ثناؤه : يوم ترون أيها الناس زلزلة الساعة تذهل من عظمها كل مرضعة مولود عما أرضعت . ويعنـي بقوله : { تَذْهَلُ } تنسى وتترك من شدّة كربها ، يقال : ذَهَلْت عن كذا أذْهَلَ عنه ذُهُولاً وَذَهِلْت أيضا ، وهي قلـيـلة ، والفصيح : الفتـح فـي الهاء ، فأما فـي الـمستقبل فـالهاء مفتوحة فـي اللغتـين ، لـم يسمع غير ذلك ومنه قول الشاعر . @ صَحَا قَلْبُهُ يا عَزَّ أوْ كادَ يَذْهَلُ @@ فأما إذا أريد أن الهول أنساه وسلاه ، قلت : أذهله هذا الأمر عن كذا يُذهله إذهالاً . وفـي إثبـات الهاء فـي قوله : { كُلُّ مُرْضعَة } اختلاف بـين أهل العربـية وكان بعض نـحويِّـي الكوفـيـين يقول : إذا أثبتت الهاء فـي الـمرضعة فإنـما يراد أمّ الصبـيّ الـمرضع ، وإذا أسقطت فإنه يراد الـمرأة التـي معها صبـيّ ترضعه لأنه أريد الفعل بها . قالوا : ولو أريد بها الصفة فـيـما يرى لقال مُرْضع . قال : وكذلك كل مُفْعِل أو فـاعل يكون للأنثى ولا يكون للذكر ، فهو بغير هاء ، نـحو : نُقْرب ، ومُوقِر ، ومُشْدن ، وحامل ، وحائض . قال أبو جعفر : وهذا القول عندي أولـى بـالصواب فـي ذلك لأن العرب من شأنها إسقاط هاء التأنـيث من كل فـاعل ومفعل إذا وصفوا الـمؤنث به ولو لـم يكن للـمذكر فـيه حظّ ، فإذا أرادوا الـخبر عنها أنها ستفعله ولـم تفعله ، أثبتوا هاء التأنـيث لـيفرقوا بـين الصفة والفعل . منه قول الأعشى فـيـما هو واقع ولـم يكن وقع قبل : @ فَمثْلِكَ حُبْلَـى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ فألْهَيْتُها عَنْ ذِي ثَمائِمَ مُـحْوِلِ @@ وربـما أثبتوا الهاء فـي الـحالتـين وربـما أسقطوهما فـيهما غير أن الفصيح من كلامهم ما وصفت . فتأويـل الكلام إذن : يوم ترون أيها الناس زلزلة الساعة ، تنسى وتترك كلّ والدة مولود ترضع ولدها عما أرضعت . كما : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أرْضَعَتْ } قال : تترك ولدها للكرب الذي نزل بها . حدثنا القسام ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن أبـي بكر ، عن الـحسن : { تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أرْضَعَتْ } قال : ذهلت عن أولادها بغير فطام . { وتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَها } قال : ألقت الـحوامل ما فـي بطونها لغير تـمام . { وتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } : يقول : وتسقط كل حامل من شدّة كرب ذلك حملها . وقوله : { وَتَرَى النَّاسَ سُكارَى } قرأت قرّاء الأمصار { وَتَرَى النَّاسَ سُكارَى } علـى وجه الـخطاب للواحد ، كأنه قال : وترى يا مـحمد الناس حينئذ سُكارى وما هم بسُكارى . وقد رُوي عن أبـي زُرْعة بن عمرو بن جرير : « وَتُرَى النَّاسَ » بضم التاء ونصب « الناس » ، من قول القائل : رِؤيْت تُرى ، التـي تطلب الاسم والفعل ، كظنّ وأخواتها . والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار ، لإجماع الـحجة من القرّاء عليه . واختلف القرّاء في قراءة قوله : { سُكارَى } فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة : { سُكارَى وَما هُمْ بِسُكارَى } . وقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة : « وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَما هُمْ بِسَكْرَى » . والصواب من القول فـي ذلك عندنا ، أنهما قراءتان مستفـيضتان فـي قَراءةَ الأمصار ، متقاربتا الـمعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب . ومعنى الكلام : وترى الناس يا مـحمد من عظيـم ما نزل بهم من الكرب وشدّته سُكارى من الفزع وما هم بسُكارى من شرب الـخمر . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن أبـي بكر ، عن الـحسن : { وَتَرَى النَّاسَ سُكارَى } من الـخوف ، { وَما هُمْ بِسُكارى } من الشراب . قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { وَما هُمْ بِسُكارَى } قال : ما هُم بسكارى من الشراب { وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَتَرَى النَّاسَ سُكارَى وَما هُمْ بِسُكارَى } قال : ما شربوا خمراً { وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } يقول تعالـى ذكره : ولكنهم صاروا سكارى من خوف عذاب الله عند معاينتهم ما عاينوا من كرب ذلك وعظيـم هوله ، مع علـمهم بشدّة عذاب الله .