Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 78-78)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله : { وَجاهِدُوا فِـي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ } فقال بعضهم : معناه : وجاهدوا الـمشركين فـي سبـيـل الله حقّ جهاده . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنـي سلـيـمان بن بلال ، عن ثور بن زيد ، عن عبد الله بن عبـاس ، فـي قوله : { وَجاهِدُوا فِـي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ } كما جاهدتـم أوّل مرّة فقال عمر : من أمر بـالـجهاد ؟ قال : قبـيـلتان من قريش مخزوم وعبد شمس . فقال عمر : صدقت . وقال آخرون : بل معنى ذلك : لا تـخافوا فـي الله لومة لائم . قالوا : وذلك هو حقّ الـجهاد . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال ابن عبـاس ، فـي قوله : { وَجاهِدُوا فـي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ } لا تـخافو فـي الله لومة لائم . وقال آخرون : معنى ذلك : اعملوا بـالـحقّ حقّ عمله . وهذا قول ذكره عن الضحاك بعض من فـي روايته نظر . والصواب من القول فـي ذلك : قول من قال : عُنى به الـجهاد فـي سبـيـل الله لأن الـمعروف من الـجهاد ذلك ، وهو الأغلب علـى قول القائل : جاهدت فـي الله . وحقّ الـجهاد : هو استفراغ الطاقة فـيه . وقوله : { هُوَ اجْتَبـاكُمْ } يقول : هو اختاركم لدينه ، واصطفـاكم لـحرب أعدائه والـجهاد فـي سبـيـله وقال ابن زيد فـي ذلك ، ما : حدثنـي به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { هُوَ اجْتَبـاكُمْ } قال : هو هداكم . وقوله : { وما جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ } يقول تعالـى ذكره : وما جعل علـيكم ربكم فـي الدين الذي تعبدكم به من ضيق ، لا مخرج لكم مـما ابتلـيتـم به فـيه بل وسَّع علـيكم ، فجعل التوبة من بعض مخرجاً ، والكفَّـارة من بعض ، والقصاص من بعض ، فلا ذنب يذنب الـمؤمن إلا وله منه فـي دين الإسلام مخرج . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنـي ابن زيد ، عن ابن شهاب ، قال : سأل عبد الـملك بن مروان علـيّ بن عبد الله بن عبـاس عن هذه الآية : { ومَا جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الّدِين مِنْ حَرَجٍ } فقال علـيّ بن عبد الله : الـحَرَج : الضيق ، فجعل الله الكفـارات مَخْرجاً من ذلك ، سمعت ابن عبـاس يقول ذلك . قال : أخربنا ابن وهب ، قال : ثنـي سفـيان بن عيـينة ، عن عبـيد الله بن أبـي يزيد ، قال : سمعت ابن عبـاس يُسْأل عن : { مَا جَعَلَ عَلَـيْكُمْفـي الَّدين مِنْ حَرَج } ، قال : ما ها هنا من هُذَيـل أحد ؟ فقال رجل : نعم ، قال : ما تعدّون الـحرجة فـيكم ؟ قال : الشيء الضيق . قال ابن عبـاس : فهو كذلك . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن ابن عيـينة ، عن عبـيد الله بن أبـي يزيد ، قال : سمعت ابن عبـاس ، وذكر نـحوه ، إلا أنه قال : فقال ابن عبـاس : أها هنا أحد من هذيـل ؟ فقال رجل : أنا ، فقال أيضا : ما تعدّون الـحرج ؟ وسائر الـحديث مثله . حدثنـي عمران بن بكار الكُلاعيّ ، قال : ثنا يحيى بن صالـح ، قال : ثنا يحيى بن حمزة ، عن الـحكم بن عبد الله ، قال : سمعت القاسم بن مـحمد يحدّث ، عن عائشة ، قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : « ومَا جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ » قال : « هو الضِّيقُ » . حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا أبو خـلدة ، قال : قال لـي أبو العالـية : أتدري ما الـحرج ؟ قلت : لا أدري . قال : الضيق . وقرأ هذه الآية : { ومَا جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ } . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا حماد بن مسعدة ، عن عوف ، عن الـحسن ، فـي قوله : { ومَا جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ } قال : من ضيق . حدثنا عمرو بن بندق ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، عن أبـي خـلدة ، قال : قال لـي أبو العالـية : هل تدري ما الـحَرَج ؟ قلت لا ، قال : الضيق ، إن الله لـم يضيق علـيكم ، لـم يجعل علـيكم فـي الدين من حرج . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا ابن علـية ، عن ابن عون ، عن القاسم أنه تلا هذه الآية : { ومَا جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الدّينِ حَرَجٍ } قال : تدرون ما الـحرج ؟ قال : الضيق . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن يونس بن أبـي إسحاق ، عن أبـيه ، عن سعيد بن جُبـير ، عن ابن عبـاس ، قال : إذا تعاجم شيء من القرآن ، فـانظروا فـي الشعر ، فإن الشعر عربـيّ . ثم دعا ابن عبـاس أعرابـيًّا ، فقال : ما الـحَرَج ؟ قال : الضيق . قال : صدقت حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : { فِـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ } قال : من ضيق . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، مثله . وقال آخرون : معنى ذلك : { ما جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ } من ضيق فـي أوقات فروضكم إذا التبست علـيكم ، ولكنه قد وسع علـيكم حتـى تَـيَقَّنوا مـحلها . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن عثمان بن بشار ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله : { وَما جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ } قال : هذا فـي هلال شهر رمضان إذا شكّ فـيه الناس ، وفـي الـحجّ إذا شكوا فـي الهلال ، وفـي الفطر والأضحى إذا التبس علـيهم ، وأشبـاهه . وقال آخرون : بل معنى ذلك : ما جعل فـي الإسلام من ضيق ، بل وسعه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وما جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ } يقول : ما جعل علـيكم فـي الإسلام من ضيق ، هو واسع ، وهو مثل قوله فـي الأنعام : { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدِ أنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهْ ضَيِّقاً حَرَجاً } يقول : من أراد أن يضله يضيق علـيه صدره ، حتـى يجعل علـيه الإسلام ضيقاً ، والإسلامُ واسع . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { وما جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ } يقول : من ضيق ، يقول : جعل الدين واسعا ولـم يجعله ضيِّقاً . وقوله : { مِلَّةَ أبِـيكُمْ إبْرَاهِيـمَ } نصب ملة بـمعنى : وما جعل علـيكم فـي الدين من حرج ، بل وسعه ، كملَّة أبـيكم فلـما لـم يجعل فـيها الكاف اتصلت بـالفعل الذي قبلها فنصبت . وقد يحتـمل نصبها أن تكون علـى وجه الأمر بها ، لأن الكلام قبله أمر ، فكأنه قـيـل : اركعوا واسجدوا والزموا ملَة أبـيكم إبراهيـم . وقوله : { هُوَ سمَّاكُمُ الـمُسْلِـمِينَ مِنْ قَبْلُ وفِـي هَذَا } يقول تعالـى ذكره : سماكم يا معشر من آمن بـمـحمد صلى الله عليه وسلم الـمسلـمين من قبل . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { هُوَ سَمَّاكُمُ الـمُسْلِـمِينَ } يقول : الله سماكم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : أخبرنـي عطاء بن ابن أبـي ربـاح ، أنه سمع ابن عبـاس يقول : الله سماكم الـمسلـمين من قبل . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة ، وحدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق جميعاً ، عن معمر ، عن قَتادة : { هُوَ سَمَّاكُمُ الـمُسْلِـمِينَ } قال : الله سماكم الـمسلـمين من قبل . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { هُوَ سمَّاكُمُ الـمُسْلـمِينَ } قال : الله سماكم . حدثنا القاسم قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، مثله . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، فـي قوله : { هُوَ سَمَّاكُمُ الـمُسْلِـمِينَ مِنْ قَبْلُ } يقول : الله سماكم الـمسلـمين . وقال آخرون : بل معنا : إبراهيـم سماكم الـمسلـمين وقالوا هو كناية من ذكر إبراهيـم صلى الله عليه وسلم : ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد { هُوَ سَمَّاكُمُ الـمُسْلِـمِينَ } قال : ألا ترى قول إبراهيـم { وَاجْعَلْنا مُسْلِـمِينَ لَكَ وَمِنْ ذُرّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِـمَةً لَكَ } قال : هذا قول إبراهيـم { هُوَ سَمَّاكُمُ الـمُسْلِـمِينَ } ولـم يذكر الله بـالإسلام والإيـمان غير هذه الأمة ، ذُكرت بـالإيـمان والإسلام جميعاً ، ولـم نسمع بأمة ذكرت إلا بـالإيـمان . ولا وجه لـما قال ابن زيد من ذلك لأنه معلوم أن إبراهيـم لـم يسمّ أمة مـحمد مسلـمين فـي القرآن ، لأن القرآن أنزل من بعده بدهر طويـل ، وقد قال الله تعالـى ذكره : { هُوَ سَمَّاكُمُ الـمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وفـي هَذَا } ولكن الذي سمانا مسلـمين من قبل نزول القرآن وفـي القرآن الله الذي لـم يزل ولا يزال . وأما قوله : { مِنْ قَبْلُ } فإن معناه : من قبل نزول هذا القرآن فـي الكتب التـي نزلت قبله . { وفـي هَذَا } يقول : { وَفِـي هَذَا الكِتابِ } . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { هُوَ سَمَّاكُمُ الـمُسْلِـمينَ مِن قَبْلُ } وفـي هذا القرآن . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، قال : قال ابن جُرَيج ، قال مـجاهد : { مِنْ قَبْلُ } قال : فـي الكتب كلها والذكر { وفـي هَذَا } يعنـي القرآن . وقوله : { لِـيَكُونَ الرُّسُولُ شَهِيداً عَلَـيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلـى النَّاسِ } يقول تعالـى ذكره : اجتبـاكم الله وسماكم أيها الـمؤمنون بـالله وآياته ، من أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم مسلـمين ، لـيكون مـحمد رسول الله شهيداً علـيكم يوم القـيامة بأنه قد بلغكم ما أرسل به إلـيكم ، وتكونوا أنتـم شهداء حينئذ علـى الرسل أجمعين أنهم قد بلَّغوا أمـمهم ما أُرسلوا به إلـيهم . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : { هُوَ سَمَّاكُمُ الـمُسْلِـمِينَ مِنْ قَبْلُ } قال : الله سماكم الـمسلـمين من قبل . { وَفِـي هَذَا لِـيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَـيْكُمْ } بأنه بلَّغكم . { وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلـى النَّاسِ } أنّ رسلهم قد بلغتهم . وبه عن قَتادة ، قال : أعطيت هذه الأمة ما لـم يعطه إلا نبـيّ ، كان يقال للنبـيّ : اذهب فلـيس علـيك حرج وقال الله : { ومَا جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ } ، وكان يقال للنبـيّ صلى الله عليه وسلم : أنت شهيد علـى قومك وقال الله { لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ علـى النَّاسِ } وكان يقال للنبـيّ صلى الله عليه وسلم : سَلْ تُعْطَهْ وقال الله : { ادْعُونِـي أسْتَـجِبْ لَكُمْ } حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، قال : أعطيت هذه الأمة ثلاثاً لـم يعطها إلا نبـيّ ، كان يقال للنبـيّ صلى الله عليه وسلم : اذهب فلـيس علـيك حَرَج فقال الله : { وما جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ } قال : وكان يقال للنبـيّ صلى الله عليه وسلم : أنت شهيد علـى قومك وقال الله : { لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلـى النَّاسِ } وكان يقال للنبـيّ صلى الله عليه وسلم : سَلْ تُعْطَهْ وقال الله { اُدْعُونِـي أسْتَجِبْ لَكُمْ } يعني تعالى ذكره بقوله { فَأقِيمُوا الصَّلاةَ وآتوُا الزَّكاةَ } يقول : فأدّوا الصلاة المفروضة لله عليكم بحدودها ، وآتوا الزكاة الواجبة عليكم في أموالكم . { وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ } يقول : وثقوا بالله ، وتوكلواعليه في أموركم . { فَنِعْمَ المَوْلَى } يقول : فنعم الوليّ الله لمن فعل ذلك منكم ، فأقام الصلاة وآتى الزكاة وجاهد في سبيل الله حقّ جهاده واعتصم به . { وَنِعْمَ النَّصِيرُ } يقول : ونعم الناصر هو له على من بغاه بسوء .