Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 110-111)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : فـاتـخذتـم أيها القائلون لربهم { رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَـيْنا شِقْوَتُنا وكُنا قَوْما ضَالِّـينَ } فـي الدنـيا ، القائلـين فـيها { رَبنا آمَنَّا فـاغْفِرْ لَنا وَارْحمْنا وأنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ } سُخْريًّا . والهاء والـميـم فـي قوله : { فـاتَّـخَذْتُـمُوهُمْ } من ذكر الفريق . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { سُخْرِيَّا } فقرأه بعض قرّاء الـحجاز وبعض أهل البصرة والكوفة : { فـاتَّـخَذْتُـمُوهُمْ سِخْرِيًّا } بكسر السين ، ويتأوّلون فـي كسرها أن معنى ذلك الهزء ، ويقولون : إنها إذا ضُمت فمعنى الكملة : السُّخْرة والاستعبـاد . فمعنى الكلام علـى مذهب هؤلاء : فـاتـخذهم أهل الإيـمان بـي فـي الدنـيا هُزُؤًا ولعبـاً ، تهزءون بهم ، حتـى أنسوكم ذكري . وقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والكوفة : « فـاتَّـخذْتُـموهُمْ سُخْرِيًّا بضم السين ، وقالوا : معنى الكلـمة فـي الضمّ والكسر واحد . وحكى بعضهم عن العرب سماعاً لِـجِّيّ ولُـجِّىّ ، ودِريّ ، ودُرِّيّ ، منسوب إلـى الدرّ ، وكذلك كِرسيّ وكُرسيّ وقالوا ذلك من قـيـلهم كذلك : نظير قولهم فـي جمع العصا : العِصِيّ بكسر العين ، والعُصّي بضمها قالوا : وإنـما اخترنا الضمّ فـي السَّخريّ ، لأنه أفصح اللغتـين . والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان مشهورتان ولغتان معروفتان بـمعنى واحد ، قد قرأ بكلّ واحدة منهما علـماء من القرّاء ، فبأيتهما قرأ القارىء ذلك فمصيب . ولـيس يُعْرف من فرق بـين معنى ذلك إذا كسرت السين وإذا ضمت ، لـما ذكرت من الرواية عمن سمع من العرب ما حَكَيت عنه . ذكر الرواية به عن بعض من فرَّق فـي ذلك بـين معناه مكسورة سينه ومضمومة : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : { فـاتَّـخَذْتُـمُوهُمْ سِخْرِيًّا } قال : هما مختلفتان : سِخريًّا ، وسُخريًّا ، يقول الله : { وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِـيَتَّـخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سِخْرِيًّا } قال : هذا سِخريًّا : يُسَخِّرونهم ، والآخرون : الذين يستهزئون بهم هم « سُخريًّا » ، فتلك « سِخريًّا » يُسَخرونهم عندك ، فسخَّرك : رفعك فوقه والآخرون : استهزءوا بأهل الإسلام هي « سُخريّا » يَسْخَرون منهم ، فهما مختلفتان . وقرأ قول الله : { كُلَّـما مَرَّ عَلَـيْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فإنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كمَا تَسْخَرُونَ } وقال : يسخرون منهم كما سخر قوم نوح بنوح ، « اتـخذوهم سُخريًّا » : اتـخذوهم هُزُؤًا ، لـم يزالوا يستهزئون بهم . وقوله : { حتـى أنْسَوكُمْ ذِكْرِي } يقول : لـم يزل استهزاؤكم بهم ، أنساكم ذلك من فعلكم بهم ذكري ، فأْلهَاكم عنه . { وكُنْتُـمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ } ، كما : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { حتـى أنْسَوْكُمْ ذِكْرِي } قال : أنسى هؤلاءِ اللّهَ استهزاؤُهم بهم وضحكُهم بهم . وقرأ : { إنَّ الَّذِينَ أجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ } حتـى بلغ : { إنَّ هَؤُلاءِ لَضَالَّونَ } وقوله : { إنِّـي جَزَيْتُهُمْ الـيَوْمَ بِـمَا صَبروا } يقول تعالـى ذكره : إنـي أيُّها الـمشركون بـالله الـمخَّـلدون فـي النار ، جَزَيت الذين اتـخذتـموهم فـي الدنـيا سخريًّا من أهل الإيـمان بـي ، وكنتـم منهم تضحكون . الـيومَ بـما صَبَرُوا علـى ما كانوا يـلقَون بـينكم من أذى سخريتكم وضحككم منهم فـي الدنـيا . { إنَّهُمْ هُمُ الفَـائِزُونَ } . اختلفت القرّاء فـي قراءة : « إنَّهُمْ » فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة : { أنَّهُمْ } ، بفتـح الألف من « أَنهم » بـمعنى : جزيتهم هذا . ف « أنّ » فـي قراءة هؤلاء : فـي موضع نصب بوقوع قوله : « جزيتهم » علـيها ، لأن معنى الكلام عندهم : إنـي جزيتهم الـيوم الفوز بـالـجنة . وقد يحتـمل النصب من وجه آخر ، وهو أن يكون موجَّها معناه إلـى : إنـي جزيتهم الـيوم بـما صبروا ، لأنهم هم الفـائزون بـما صبروا فـي الدنـيا علـى ما لَقُوا فـي ذات الله . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : « إنّـي » بكسر الألف منها ، بـمعنى الابتداء ، وقالوا : ذلك ابتداء من الله مدحهم . وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب قراءة من قرأ بكسر الألف ، لأن قوله : « جزيتهم » ، قد عمل فـي الهاء والـميـم ، والـجزاء إنـما يعمل فـي منصوبـين ، وإذا عمل فـي الهاء والـميـم لـم يكن له العمل فـي « أن » فـيصير عاملاً فـي ثلاثة إلا أن يُنْوَى به التكرير ، فـيكون نصب « أَنَّ » حينئذٍ بفعل مضمر لا بقوله : « جزيتهم » ، وإن هي نصبت بإضمار لام لـم يكن له أيضا كبـير معنى لأن جزاء الله عبـاده الـمؤمنـين بـالـجنة ، إنـما هو علـى ما سَلَف من صالـح أعمالهم فـي الدنـيا وجزاؤه إياهم وذلك فـي الآخرة هو الفوز ، فلا معنى لأن يَشْرُط لهم الفوز بـالأعمال ثم يخبر أنهم إنـما فـازوا لأنهم هم الفـائزون . فتأويـل الكلام إذ كان الصواب من القراءة ما ذكرنا : إنـي جزيتهم الـيوم الـجنة بـما صبروا فـي الدنـيا علـى أذاكم بها ، فـي أنهم الـيوم هم الفـائزون بـالنعيـم الدائم والكرامة البـاقـية أبدا ، بـما عملوا من صالـحات الأعمال فـي الدنـيا ولقوا فـي طلب رضاي من الـمكاره فـيها .