Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 5-5)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف أهل التأويـل فـي الذي استثنـي منه قوله : { إلاَّ الَّذِينَ تابُوا منْ بَعْدِ ذَلكَ وأصْلَـحُوا } فقال بعضهم : استثنـي من قوله : { وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَداً وأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ } وقالوا : إذا تاب القاذف قُبلت شهادته وزال عنه اسم الفسق ، حُدّ فـيه أو لـم يحدّ . ذكر من قال ذلك : حدثنـي أحمد بن حماد الدّولابـيّ ، قال : ثنـي سفـيان ، عن الزهري ، عن سعيد إن شاء الله ، أن عمر قال لأبـي بكرة : إن تبت قبلت شهادتك ، أو رَدَّيْت شهادتك . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن سعيد بن الـمسيب : أن عمر بن الـخطاب ضرب أبـا بكرة وشبلَ بن معبد ونافع بن الـحارث بن كَلَدة حَدّهم . وقال لهم : من أكذب نفسه أجزت شهادته فـيـما استقبل ، ومن لـم يفعل لـم أجز شهادته . فأكذب شبلٌ نفسَه ونافع ، وأبى أبو بكرة أن يفعل . قال الزهريّ : هو والله سُنّة فـاحفظوه . حدثنا ابن أبـي الشوارب ، قال : ثنا يزيد بن زُرَيع ، قال : ثنا داود ، عن الشعبـيّ ، قال : إذا تاب يعنـي القاذف ولـم يعلـم منه إلاَّ خير ، جازت شهادته . حدثنا عمران بن موسى ، قال : ثنا عبد الوارث ، قال : ثنا داود ، عن الشعبـي ، قال : علـى الإمام أن يستتـيب القاذف بعد الـجَلْد ، فإن تاب وأونس منه خير جازت شهادته ، وإن لـم يتب فهو خليع لا تـجوز شهادته . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا عبد الوارث ، قال : ثنا داود ، عن عامر ، أنه قال فـي القاذف : إذا تاب وعلـم منه خير إن شهادته جائزة ، وإن لـم يتب فهو خـلـيع لا تـجوز شهادته ، وتوبته إكذابه نفسه . قال : ثنا ابن أبـي عديّ ، عن داود ، عن الشعبـيّ ، نـحوه . حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : ثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا داود بن أبـي هند ، عن الشعبـيّ ، قال فـي القاذف : إذا تاب وأكذب نفسه قُبلت شهادته ، وإلا كان خـلـيعا لا شهادة له لأن الله يقول : { لَوْلا جاءُوا عَلَـيْهِ بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ … } إلـى آخر الآية . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا داود بن أبـي هند ، عن الشعبـيّ أنه كان يقول فـي شهادة القاذف : إذا رجع عن قوله حين يُضرب ، أو أكذب نفسه ، قُبلت شهادته . قال : ثنا هشيـم ، عن إسماعيـل بن أبـي خالد ، عن الشعبـي أنه كان يقول : يقبل الله توبته ، وتردّون شهادته ؟ وكان يقبل شهادته إذا تاب . قال : أخبرنا إسماعيـل عن الشعبـيّ أنه كان يقول فـي القاذف : إذا شهد قبل أن يُضرب الـحدّ ، قُبلت شهادته . قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا عبـيدة عن إبراهيـم ، وإسماعيـل بن سالـم عن الشعبـي ، أنهما قالا فـي القاذف : إذا شهد قبل أن يُجلد فشهادته جائزة . حدثنـي يعقوب ، قال : قال أبو بشر ، يعنـي ابن عُلَـية ، سمعت ابن أبـي نـجيح يقول : القاذف إذا تاب تـجوز شهادته . وقال : كنا نقوله . فقـيـل له : من ؟ قال : قال عطاء وطاوس ومـجاهد . حدثنا ابن بشار ، وابن الـمثنى ، قالا : ثنا مـحمد بن خالد بن عَثْمة ، قال : ثنا سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن عمر بن طلـحة ، عن عبد الله ، قال : إذا تاب القاذف جلد وجازت شهادته . قال أبو موسى : هكذا قال ابن أبـي عَثْمة . حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى ، قالا : ثنا ابن أبـي عَثْمة ، قال : ثنا سعيد بن بشير ، عن قَتادة ، عن سلـيـمان بن يسار والشعبـي قالا : إذا تاب القاذف عند الـجلد جازت شهادته . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلـى ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة : أن عمر بن عبد الله بن أبـي طلـحة جلد رجلاً فـي قذف ، فقال : أَكْذِبْ نفسك حتـى تـجوز شهادتك حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن أبـي الهيثم ، قال : سمعت إبراهيـم والشعبـيّ يتذاكران شهادة القاذف ، فقال الشعبـيّ لإبراهيـم : لِـم لا تقبل شهادته ؟ فقال : لأنـي لا أدري تاب أم لا . قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا عبد الله بن الـمبـارك ، عن مـجالد ، عن الشعبـيّ ، عن مسروق ، قال : تُقبل شهادته إذا تاب . قال : ثنا عبد الله بن الـمبـارك ، عن يعقوب بن القعقاع ، عن مـحمد بن زيد ، عن سعيد بن جبـير ، مثله . قال : ثنا عبد الله بن الـمبـارك ، عن ابن جُرَيج ، عن عمران بن موسى ، قال : شهدت عمر بن عبد العزيز أجاز شهادة القاذف ومعه رجل . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن الـحكم ، قال : قال الشعبـيّ : إذا تاب جازت شهادته ، قال ابن الـمثنى . قال : عندي ، يعنـي فـي القذف . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا مسعر ، عن عمران بن عمير : أن عبد الله بن عتبة كان يجيز شهادة القاذف إذا تاب . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنـي هشيـم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : إذا تاب وأصلـح قُبلت شهادته يعنـي القاذف . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : أخبرنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة ، عن ابن الـمسيب ، قال : تقبل شهادة القاذف إذا تاب . حدثنا الـحسن ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، عن ابن الـمسيب ، مثله . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا مـحمد ، عن معمر ، قال : قال الزُهريّ : إذا حدّ القاذف ، فإنه ينبغي للإمام أن يستتـيبه ، فإن تاب قُبلت شهادته ، وإلاَّ لـم تقبل . قال : كذلك فعل عمر بن الـخطاب بـالذين شهدوا علـى الـمغيرة بن شعبة ، فتابوا إلاَّ أبـا بكرة ، فكان لا تقبل شهادته . وقال آخرون : الاستثناء فـي ذلك من قوله : { وَأُولَئِكَ هُمُ الفَـاسِقُون } وأما قوله : { وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَداً } فقد وصل بـالأبد ولا يجوز قبولها أبدا . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن أبـي الشوارب ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا أشعث بن سوّار ، قال : ثنـي الشعبـيّ ، قال : كان شريح يجيز شهادة صاحب كلّ عمل إذا تاب إلاَّ القاذف ، فإن توبته فـيـما بـينه وبـين ربه ولا نـجيز شهادته . حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا أشعث بن سوار ، قال : ثنا الشعبـيّ ، عن شُريح بنـحوه ، غير أنه قال : صاحب كلّ حدّ إذا كان عدلاً يوم شهد . حدثنـي أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية عن الأعمش ، عن إبراهيـم ، عن شريح ، قال : كان لا يجيز شهادة القاذف ، ويقول : توبته فـيـما بـينه وبـين ربه . حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : ثنا ابن إدريس ، عن مُطَرَّف ، عن أبـي عثمان ، عن شريح فـي القاذف : يقبل الله توبته ، ولا أقبل شهادته . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا أشعث ، عن الشعبـيّ ، قال : أتاه خصمان ، فجاء أحدهما بشاهد أقطع ، فقال الـخصم : ألا ترى ما به ؟ قال : قد أراه . قال : فسأل القوم ، فأثنوا علـيه خيرا ، فقال شريح : نـجيز شهادة كل صاحب حدّ ، إذا كان يوم شهد عدلاً إلاَّ القاذف ، فإن توبته فـيـما بـينه وبـين ربه . حدثنا أبو السائب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا أشعث ، عن الشعبـيّ ، قال : جاء خصمان إلـى شُرَيح ، فجاء أحدهما ببـينة ، فجاء بشاهد أقطع ، فقال الـخصم : ألا ترى إلـى ما به ؟ فقال شريح : قد رأيناه ، وقد سألنا القوم فأثنوا خيرا . ثم ذكر سائر الـحديث ، نـحو حديث أبـي كريب . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا الشيبـانـيّ ، عن الشعبـيّ ، عن شريح أنه كان يقول : لا تُقبل له شهادة أبدا ، توبته فـيـما بـينه وبـين ربه يعنـي القاذف . قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا الأشعث ، عن الشعبـيّ ، بأن ربـابـا قطع رجلاً فـي قَطْعِ الطريق ، قال : فقطع يده ورجله . قال : ثم تاب وأصلـح ، فشهد عند شريح ، فأجاز شهادته . قال : فقال الـمشهود علـيه : أتـجيز شهادته علـيّ وهو أقطع ؟ قال : فقال شريح : كل صاحب حدّ إذا أقـيـم علـيه ثم تاب وأصلـح ، فشهادته جائزة إلاَّ القاذف . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا أبو الولـيد ، قال : ثنا شعبة ، قال الـمغيرة : أخبرنـي ، قال : سمعت إبراهيـم يحدّث عن شريح ، قال : قضاء من الله لا تقبل شهادته أبدا ، توبته فـيـما بـينه وبـين ربه . قال أبو موسى : يعنـي القاذف . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : قال شريح : لا يقبل الله شهادته أبدا . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا أبو الوليد ، قال : ثنا حماد ، عن قَتادة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : لا تـجوز شهادة القاذف ، توبته فيما بينه وبين الله . حدثناابن بشار ، قال : ثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة ، عن الـحسن ، أنه قال : القاذف توبته فـيـما بـينه وبـين الله ، وشهادته لا تُقبل . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا أبو الولـيد ، قال : ثنا حماد ، عن قَتادة ، عن سعيد بن الـمسيب ، قال : لا تـجوز شهادة القاذف ، توبته فـيـما بـينه وبـين الله . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلـى ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة ، عن الـحسن ، أنه قال : القاذف توبته فـيـما بـينه وبـين الله ، وشهادته لا تُقبل . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن الـحكم ، عن إبراهيـم أنه قال فـي الرجل يُجْلَد الـحدّ ، قال : لا تـجوز شهادته أبدا . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيـم : أنه كان لا يقبل له شهادة أبدا ، وتوبته فـيـما بـينه وبـين الله يعنـي القاذف . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا معتـمر بن سلـيـمان ، عن حجاج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبـيه ، عن جدّه ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال : " لا تَـجُوزُ شَهادَةُ مَـحْدُودٍ فِـي الإسْلامِ " حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الـحسن : { وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَداً } قال : كان يقول : لا تقبل شهادة القاذف أبدا ، إنـما توبته فـيـما بـينه وبـين الله . وكان شريح يقول : لا تُقبل شهادته . حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا عبد الله ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَداً } ، ثم قال : فَمَنْ تابَ وأصْلَـحَ فشهادته فـي كتاب الله تقبل . والصواب من القول فـي ذلك عندنا : أن الاستثناء من الـمعنـيـين جميعاً ، أعنـي من قوله : { وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَداً } ، ومن قوله : { وأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ } وذلك أنه لا خلاف بـين الـجميع أن ذلك كذلك إذا لـم يحدّ فـي القذف حتـى تاب ، إما بأن يرفع إلـى السلطان بعفو الـمقذوفة عنه ، وإما بأن ماتت قبل الـمطالبة بحدّها ولـم يكن لها طالب يطلب بحدّها . فإذ كان ذلك كذلك وحدثت منه توبة صحت له بها العدالة . فإذ كان من الـجميع إجماعا ، ولـم يكن الله تعالـى ذكره شرط فـي كتابه أن لا تقبل شهادته أبدا بعد الـحدّ فـي رميه ، بل نهى عن قبول شهادته فـي الـحال التـي أوجب علـيه فـيها الـحدّ وسماه فـيها فـاسقا ، كان معلوما بذلك أنّ إقامة الـحدّ علـيه فـي رميه ، لا تـحدث فـي شهادته مع التوبة من ذنبه ، ما لـم يكن حادثا فـيها قبل إقامته علـيه ، بل توبته بعد إقامة الـحدّ علـيه من ذنبه أحرى أن تكون شهادته معها أجوز منها قبل إقامته علـيه لأن الـحدّ يزيد الـمـحدود علـيه تطهيرا من جُرمه الذي استـحقّ علـيه الـحدّ . فإن قال قائل : فهل يجوز أن يكون الاستثناء من قوله : { فـاجْلِدُوهُمْ ثَمانِـينَ جَلْدَةً } فتكون التوبة مُسقطة عنه الـحدّ ، كما كانت لشهادته عندك قبل الـحدّ وبعده مـجيزة ولاسم الفسق عنه مزيـلة ؟ قـيـل : ذلك غير جائز عندنا وذلك أن الـحدّ حقّ عندنا للـمقذوفة كالقصاص الذي يجب لها من جناية يجنـيها علـيها مـما فـيه القصاص . ولا خلاف بـين الـجميع أن توبته من ذلك لا تضع عنه الواجب لها من القصاص منه ، فكذلك توبته من القذف لا تضع عنه الواجب لها من الـحدّ ، لأن ذلك حقّ لها ، إن شاءت عفته ، وإن شاءت طالبت به . فتوبة العبد من ذنبه إنـما تضع عن العبد الأسماء الذميـمة والصفـات القبـيحة ، فأما حقوق الآدميـين التـي أوجبها الله لبعضهم علـى بعض فـي كلّ الأحوال فلا تزول بها ولا تبطل . واختلف أهل العلـم فـي صفة توبة القاذف التـي تقبل معها شهادته ، فقال بعضهم : هو إكذابه نفسه فـيه . وقد ذكرنا بعض قائلـي ذلك فـيـما مضى قبل ، ونـحن نذكر بعض ما حضرنا ذكره مـما لـم نذكره قبل . حدثنـي أبو السائب ، قال : ثنا حفص ، عن لـيث ، عن طاوس ، قال : توبة القاذف أن يكذّب نفسه . حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا حصين ، قال : رأيت رجلاً ضُرب حدًّا فـي قذف بـالـمدينة ، فلـما فرغ من ضربه تناول ثوبه ، ثم قال : أستغفر الله وأتوب إلـيه من قذف الـمـحصنات قال : فلقـيت أبـا الزناد ، فذكرت ذلك له ، قال : فقال : إن الأمر عندنا هاهنا أنه إذا قال ذلك حين يفرغ من ضربه ولـم نعلـم منه إلاَّ خيراً قُبلت شهادته . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَدا وأُولَئِكَ هُمُ الفَـاسِقُونَ إلاَّ الَّذِينَ تابُوا … } . الآية ، قال : من اعترف وأقرّ علـى نفسه علانـية أنه قال البهتان وتاب إلـى الله توبة نصوحا والنصوح : أن لايعودوا ، وإقراره واعترافه عند الـحدّ حين يؤخذ بـالـجلد فقد تاب والله غفور رحيـم . وقال آخرون : توبته من ذلك صلاح حاله وندمه علـى ما فرط منه من ذلك والاستغفـار منه وتركه العود فـي مثل ذلك من الـجُرم . وذلك قول جماعة من التابعين وغيرهم ، وقد ذكرنا بعض قائلـيه فـيـما مضى ، وهو قول مالك بن أنس . وهذا القول أولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب لأن الله تعالـى ذكره جعل توبة كل ذي ذنب من أهل الإيـمان تركه العود منه ، والندم علـى ما سلف منه ، واستغفـار ربه منه ، فـيـما كان من ذنب بـين العبد وبـينه دون ما كان من حقوق عبـاده ومظالـمهم بـينهم . والقاذف إذا أُقـيـم علـيه فـيه الـحدّ أو عُفـي عنه فلـم يبق علـيه إلاَّ توبته من جرمه بـينه وبـين ربه ، فسبـيـل توبته منه سبـيـل توبته من سائر أجرامه . فإذا كان الصحيح فـي ذلك من القول ما وصفنا ، فتأويـل الكلام : وأولئك هم الفـاسقون ، إلاَّ الذين تابوا من جُرمهم الذي اجترموه بقذفهم الـمـحصنات من بعد اجترامهموه ، { فإنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ } يقول : ساتر علـى ذنوبهم بعفوه لهم عنها ، رحيـم بهم بعد التوبة أن يعذّبهم علـيها ، فـاقبلوا شهادتهم ولا تسموهم فَسَقة ، بل سموهم بأسمائهم التـي هي لهم فـي حال توبتهم .