Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 53-53)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : والله الذي خـلط البحرين ، فأمرج أحدهما فـي الآخر ، وأفـاضه فـيه . وأصل الـمرج الـخـلط ، ثم يقال للتـخـلـية : مرج ، لأن الرجل إذا خـلـى الشيء حتـى اختلط بغيره ، فكأنه قد مرجه ومنه الـخبر عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، وقوله لعبد الله بن عمرو : " كَيْفَ بِكَ يا عَبْدَ اللَّهِ إذَا كُنْتَ فـي حُثالَةً مِنَ النَّاسِ ، قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وأماناتُهُمْ ، وَصَارُوا هَكَذا وشَبَّكَ بـين أصابعه " يعنـي بقوله : قد مرجت : اختلطت ، ومنه قول الله : فِـي أمْرٍ مَرِيجٍ : أي مختلط . وإنـما قـيـل للـمرج مرج من ذلك ، لأنه يكون فـيه أخلاط من الدوابّ ، ويقال : مَرَجْت دابتك : أي خـلـيتها تذهب حيث شاءت . ومنه قول الراجز : @ رَعَى مَرَجَ رَبِـيعٍ مَـمْرَجا @@ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ } يعنـي أنه خـلع أحدهما علـى الآخر . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { مَرَجَ البَحْرَيْنِ } أفـاض أحدهما علـى الآخر . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، مثله . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ } يقول : خـلع أحدهما علـى الآخر . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو تـميـلة ، عن أبـي حمزة ، عن جابر ، عن مـجاهد : { مَرَجَ } أفـاض أحدهما علـى الآخر . وقوله { هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ } الفرات : شديد العذوبة ، يقال : هذا ماء فرات : أي شديد العذوبة . وقوله { وَهَذَا مِلْـحٌ أُجاجٌ } يقول : وهذا ملـح مرّ . يعنـي بـالعذب الفرات : مياه الأنهار والأمطار ، وبـالـملـح الأجاج : مياه البحار . وإنـما عنى بذلك أنه من نعمته علـى خـلقه ، وعظيـم سلطانه ، يخـلط ماء البحر العذب بـماء البحر الـملـح الأجاج ، ثم يـمنع الـملـح من تغيـير العذب عن عذوبته ، وإفساده إياه بقضائه وقدرته ، لئلا يضرّ إفساده إياه يركبـان الـملـح منهما ، فلا يجدوا ماء يشربونه عند حاجتهم إلـى الـماء ، فقال جلّ ثناؤه : { وَجَعَلَ بَـيْنَهُما بَرْزَخاً } يعنـي حاجزاً يـمنع كل واحد منهما من إفساد الآخر { وَحِجْراً مـحْجُوراً } يقول : وجعل كل واحد منهما حراماً مـحرّماً علـى صاحبه أن يغيره ويفسده وبنحو الذي قلنا في تأويل ذك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ ، وَهَذَا مِلْـحٌ أُجاجٌ } يعنـي أنه خـلق أحدهما علـى الآخر ، فلـيس يفسد العذب الـمالـح ، ولـيس يفسد الـمالـح العذب ، وقوله { وَجَعَلَ بَـيْنَهُما بَرْزَخاً } قال : البرزخ : الأرض بـينهما { وَحِجْراً مـحْجُوراً } يعنـي : حجر أحدهما علـى الآخر بأمره وقضائه ، وهو مثل قوله { وَجَعَلَ بَـينَ البْحَرَيْنِ حَاجِزاً } حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { وَجَعَلَ بَـيْنَهُما بَرْزَخاً } قال : مـحبسا . قوله : { وَحِجْرا مـحْجُوراً } قال : لا يختلط البحر العذب . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد { وَجَعَلَ بَـيْنَهُما بَرْزَخاً } قال : حاجزاً لا يراه أحد ، لا يختلط العذب فـي البحر . قال ابن جُرَيج : فلـم أجد بحراً عذبـاً إلا الأنهار العذاب ، فإن دجلة تقع فـي البحر ، فأخبرنـي الـخبـير بها أنها تقع فـي البحر ، فلا تـمور فـيه : بـينهما مثل الـخيط الأبـيض فإذا رجعت لـم ترجع فـي طريقها من البحر ، والنـيـل يصبّ فـي البحر : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي أبو تـميـلة ، عن أبـي حمزة ، عن جابر ، عن مـجاهد { وَجَعَلَ بَـيْنَهُما بَرْزَخاً } قال : البرزخ أنهما يـلتقـيان فلا يختلطان ، وقوله { حِجْراً مَـحْجُوراً } : أي لا تـختلط ملوحة هذا بعذوبة هذا ، لا يبغي أحدهما علـى الآخر . حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا ابن علـية ، عن رجاء ، عن الـحسن ، فـي قوله : { وَجَعَلَ بَـيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَـحْجُوراً } قال : هذا الـيبس . حدثنا الـحسن ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، فـي قوله : { وَجَعَلَ بَـيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَـحْجُوراً } قال : جعل هذا ملـحاً أجاجاً ، قال : والأجاج : الـمرّ . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : { مَرَجَ البَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ ، وَهَذَا مِلْـحٌ أُجاجٌ } يقول : خـلع أحدهما علـى الآخر ، فلا يغير أحدهما طعم الآخر { وَجَعَلَ بَـيْنَهُما بَرْزَخاً } هو الأجل ما بـين الدنـيا والآخرة { وَحِجْراً مَـحْجُوراً } جعل الله بـين البحرين حجراً ، يقول : حاجزاً حجز أحدهما عن الآخر بأمره وقضائه . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَجَعَلَ بَـيْنَهُما بَرْزَخاً وحِجْراً مـحْجُوراً } وجعل بـينهما ستراً لا يـلتقـيان . قال : والعرب إذا كلـم أحدهم الآخر بـما يكره قال : حِجراً . قال : ستراً دون الذي تقول . قال أبو جعفر : وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـي معنى قوله { وجَعَلَ بَـيْنَهُما بَرْزخاً وحِجْراً مـحْجُوراً } دون القول الذي قاله من قال معناه : إنه جعل بـينهما حاجزاً من الأرض أو من الـيبس ، لأن الله تعالـى ذكره أخبر فـي أوّل الآية أنه مرج البحرين ، والـمرج : هو الـخـلط فـي كلام العرب علـى ما بـيَّنت قبل ، فلو كان البرزخ الذي بـين العذب الفرات من البحرين ، والـملـح الأجاج أرضاً أو يبساً لـم يكن هناك مرج للبحرين ، وقد أخبر جلّ ثناؤه أنه مرجهما ، وإنـما عرفنا قدرته بحجزه هذا الـملـح الأجاج عن إفساد هذا العذب الفرات ، مع اختلاط كلّ واحد منهما بصاحبه . فأما إذا كان كلّ واحد منهما فـي حيز عن حيز صاحبه ، فلـيس هناك مرج ، ولا هناك من الأعجوبة ما ينبه علـيه أهل الـجهل به من الناس ، ويذكرون به ، وإن كان كلّ ما ابتدعه ربنا عجيبـاً ، وفـيه أعظم العبر والـمواعظ والـحجج البوالغ .