Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 22-24)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره مخبراً عن قـيـل نبـيه موسى صلى الله عليه وسلم لفرعون { وَتِلكَ نِعْمَةٌ تَـمُنُّها عَلـيَّ } يعنـي بقوله : وتلك تربـية فرعون إياه ، يقول : وتربـيتك إياي ، وتركك استعبـادي ، كما استعبدت بنـي إسرائيـل نعمة منك تـمنها علـيّ بحقّ . وفـي الكلام مـحذوف استغنـي بدلالة ما ذكر علـيه عنه ، وهو : وتلك نعمة تـمنها علـيّ أن عبَّدت بنـي إسرائيـل وتركتنـي ، فلـم تستعبدنـي ، فترك ذكر « وتركتنـي » لدلالة قوله { أن عبَّدتَّ بنـي إسرائيـل } علـيه ، والعرب تفعل ذلك اختصاراً للكلام ، ونظير ذلك فـي الكلام أن يستـحقّ رجلان من ذي سلطان عقوبة ، فـيعاقب أحدهما ، ويعفو عن الآخر ، فـيقول الـمعفوّ عنه هذه نعمة علـيّ من الأمير أن عاقب فلاناً ، وتركنـي ، ثم حذف « وتركنـي » لدلالة الكلام علـيه ، ولأن فـي قوله : { أنْ عبَّدتَّ بَنِـي إسْرائِيـلَ } وجهين : أحدهما النصب ، لتعلق « تـمنها » بها ، وإذا كانت نصبـاً كان معنى الكلام : وتلك نعمة تـمنها علـيّ لتعبدك بنـي إسرائيـل . والآخر : الرفع علـى أنها ردّ علـى النعمة . وإذا كانت رفعاً كان معنى الكلام : وتلك نعمة تـمنها علـيّ تعبـيدك بنـي إسرائيـل . ويعنـي بقوله : { أنْ عَبَّدتَّ بَنِـي إسْرَائِيـلَ } : أن اتـخذتهم عبـيداً لك . يقال منه : عبدت العبـيد وأعبدتهم ، قال الشاعر : @ عَلامَ يُعْبِدنِـي قَوْمِي وقدْ كَثُرَتْ فِـيها أبـاعِرُ ما شاءُوا وَعُبْدَانُ @@ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { تـمُنُّها عَلـيَّ أنْ عَبَّدتَّ بَنِـي إسْرَائِيـلَ } قال : قهرتهم واستعملتهم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : تـمن علـيّ أن عبَّدت بنـي إسرائيـل ، قال : قهرت وغلبت واستعملت بنـي إسرائيـل . حدثنا موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَـمُنُّها عَلـيَّ أنْ عَبَّدتَّ بَنِـي إسْرَائِيـلَ } وربـيتنـي قبل ولـيداً . وقال آخرون : هذا استفهام كان من موسى لفرعون ، كأنه قال : أتـمنّ علـيّ أن اتـخذت بنـي إسرائيـل عبـيداً . ذكر من قال ذلك : حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، فـي قوله : { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَـمُنُّها عَلـيَّ } قال : يقول موسى لفرعون : أتـمنّ علـيّ أن اتـخذت أنت بنـي إسرائيـل عبـيداً . واختلف أهل العربـية فـي ذلك ، فقال بعض نـحويـي البصرة : وتلك نعمة تـمنها علـيّ ، فـيقال : هذا استفهام كأنه قال : أتـمنها علـيّ ؟ ثم فسر فقال : { أنْ عَبَّدتَّ بَنِـي إسْرَائِيـلَ } وجعله بدلاً من النعمة . وكان بعض أهل العربـية ينكر هذا القول ، ويقول : هو غلط من قائله لا يجوز أن يكون همز الاستفهام يـلقـي ، وهو يطلب ، فـيكون الاستفهام كالـخبر ، قال : وقد استقبح ومعه أم ، وهي دلـيـل علـى الاستفهام واستقبحوا : @ تَرُوحُ منَ الـحَيّ أمْ تَبْتَكرْ وَماذاَ يَضُرُّكَ لَوْ تَنْتَظرْ ؟ @@ قال : وقال بعضهم : هو أتروح من الـحيّ ، وحذف الاستفهام أوّلا اكتفـاء بأم . وقال أكثرهم : بل الأوّل خبر ، والثانـي استفهام ، وكأن « أم » إذا جاءت بعد الكلام فهي الألف ، فأما ولـيس معه أم ، فلـم يقله إنسان . وقال بعض نـحويـي الكوفة فـي ذلك ما قلنا . وقال : معنى الكلام : وفعلت فعلتك التـي فعلت وأنت من الكافرين لنعمتـي : أي لنعمة تربـيتـي لك ، فأجابه فقال : نعم هي نعمة علـيّ أن عبَّدت الناس ولـم تستعبدنـي . وقول { قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَـمينَ } يقول : وأيّ شيء ربّ العالـمين ؟ { قالَ } موسى هو { رَبُّ السَّمَوَاتِ والأرْضِ } ومالكهنّ { وَما بَـيْنَهُما } يقول : ومالك ما بـين السموات والأرض من شيء { إنْ كُنْتُـمْ مُوقِنـينَ } يقول : إن كنتـم موقنـين أن ما تعاينونه كما تعاينونه ، فكذلك فأيقنوا أن ربنا هو ربّ السموات والأرض وما بـينهما .