Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 87-87)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَيَوْمَ يُنْفَخ فِـي الصورِ } وقد ذكرنا اختلافهم فـيـما مضى ، وبـيَّنا الصواب من القول فـي ذلك عندنا بشواهده ، غير أنا نذكر فـي هذا الـموضع بعض ما لـم يذكر هناك من الأخبـار ، فقال بعضهم : هو قرن يُنفخ فـيه . ذكر بعض من لـم يُذكر فـيـما مضى قبل من الـخبر عن ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جمِيعاً ، عَن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد قوله : { وَيَوْمَ يُنْفَخُ فـي الصُورِ } قال كهيئة البوق . حدثنا القاسم قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، قال : الصور : البوق قال : هو البوق صاحبه آخذ به يقبض قبضتـين بكفـيه علـى طرف القرن بـين طرفه ، وبـين فـيه قدر قبضة أو نـحوها ، قد برك علـى ركبة إحدى رجلـيه ، فأشار ، فبرك علـى ركبة يساره مقعياً علـى قدمها عقبها تـحت فخذه وألـيته وأطراف أصابعها فـي التراب . قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن أبـي بكر بن عبد الله ، قال : الصور كهيئة القرن قد رفع إحدى ركبتـيه إلـى السماء ، وخفض الأخرى ، لـم يـلق جفون عينه علـى غمض منذ خـلق الله السموات مستعدّاً مستـجدّاً ، قد وضع الصور علـى فـيه ينتظر متـى يؤمر أن ينفخ فـيه . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي ، عن إسماعيـل بن رافع الـمدنـي ، عن يزيد بن زياد قال أبو جعفر : والصواب : يزيد بن أبـي زياد عن مـحمد بن كعب القرظي ، عن رجل من الأنصار عن أبـي هُريرة : أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، ما الصُّور ؟ قال : " قَرْنٌ " ، قال : وكيف هو ؟ قال : " قَرْنٌ عَظِيـمٌ يُنْفَخُ فِـيهِ ثَلاثُ نَفخاتٍ : الأُولـى : نَفْخَةُ الفَزَعِ ، والثَّانِـيَةُ : نَفْخَةُ الصَّعْقِ ، والثَّالِثَةُ : نَفْخَةُ القِـيامِ لِلّهِ رَبّ العَالَـمِينَ ، يأْمُرُ اللّهُ إسْرَافِـيـلَ بـالنَّفْخَةِ الأُولـى ، فَـيَقُولُ : انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ ، فَـيَنْفُخُ نَفْخَةَ الفَزَعِ ، فَـيَفْزَعُ أهْلُ السَّمَواتِ وأهْلُ الأرْضِ ، إلاَّ مَنْ شاءَ اللّهُ ، وَيَأْمُرُهُ اللّهُ فَـيَـمُدُّ بِها ويطوِّلهَا ، فَلا يَفْتُرُ ، وَهِيَ التـي يَقُولُ اللّهُ : { ما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ } فَـيُسَيِّرُ اللّهُ الـجِبـالَ ، فَتَكُونُ سَرَبـا ، وَتُرَجُّ الأرْضُ بأهْلِها رَجًّا ، وهي التـي يَقُولُ اللّهُ : { يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرَّادِفَةُ ، قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } فَتَكُونُ الأرْضُ كالسَّفِـينَةِ الـمُوثَقَةِ فِـي البَحْرِ ، تَضْرُبها الأَمْوَاجُ ، تُكْفأُ بأْهْلِها ، أوْ كالقِنْدِيـلِ الـمُعَلَّقِ بـالوَتَرِ ، تُرَجِّحُهُ الأرْياحُ ، فَتَـمِيدُ النَّاسُ علـىَ ظَهْرِها ، فَتَذْهَلُ الـمَرَاضِعُ ، وَتَضَعُ الـحَوَامِلُ ، وَتَشِيبُ الوِلْدَانُ ، وَتَطِيرُ الشَّياطِينُ هارِبَةً ، حتـى تَأتِـيَ الأقْطارَ ، فَتَتَلَقَّاها الـمَلائِكَةُ ، فَتَضْرِبُ وُجُوهَها ، فَترْجِعُ ، وَيُوَلّـي النَّاسُ مُدْبِرِينَ يُنادي بَعْضُهُمْ بَعْضاً ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللّهُ : { يَوْمَ التَّنادِ ، يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصِمٍ ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هادٍ } . فَبَـيْنَـما هُمْ عَلـى ذلكَ إذْ تَصَدَّعَت الأرْضُ مِنْ قُطْرٍ إلـى قُطْرٍ ، فَرَأَوْا أمْراً عَظِيـماً ، فأخَذَهُمْ لِذَلَكَ مِنَ الكَرْبِ ما اللّهُ أعْلَـمُ بِهِ ، ثم نَظَرُوا إلـى السَّماءِ ، فإذَا هِي كالـمُهْلِ ، ثمَّ خُسِفَ شَمْسُها وَقَمَرُها ، وانْتَثَرتْ نُـجُومُها ، ثُمَّ كُشِطَتْ عَنْهُمْ " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والأَمْوَاتُ لا يعْلَـمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذلكَ " ، فقال أبو هريرة : يا رسول الله ، فمن استثنى الله حين يقول : { فَفَزِعَ مَنْ فِـي السَّمَوَاتِ ومَنْ فـي الأرْضِ إلاَّ مَنْ شاءَ اللّهُ } قال : " أُولَئِكَ الشُّهَدَاءُ ، وإنَّـمَا يَصِلُ الفَزَعُ إلـى الأحْياءِ ، أُولَئِكَ أحيْاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، وَقاهُمُ اللّهُ فَزَعَ ذلكَ الـيَوْمِ وآمَنَهُمْ ، وَهُوَ عَذَابُ اللّهِ يَبْعثُهُ علـى شِرَارِ خَـلْقِهِ " حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا إسماعيـل بن رافع ، عن مـحمد بن كعب القُرَظيّ ، عن أبـي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللّهَ تَبـارَكَ وَتَعالـى لَـمَّا فَرَغَ مِنَ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ، خَـلَقَ الصُّورَ ، فأعْطَاهُ مَلَكا ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلـى فِـيهِ ، شاخِصٌ بِبَصَرِه العَرْشِ ، يَنْتَظِرُ مَتـى يُؤْمَرُ " قال : قُلْتُ : يا رسول الله ، وما الصُّورُ ؟ قال : " قُرْنٌ " ، قلت : فكيف هو ؟ قال : " عَظِيـمٌ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ ، إنَّ عَظَمِ دائِرَةٍ فِـيهِ ، لَكَعَرْضِ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ، يَأْمُرُهُ فَـيَنْفُخُ نَفْخَةَ الفَزَعِ ، فَـيَفْزَعُ أهْلُ السَّمَوَاتِ والأرضِ إلاَّ مَنْ شاءَ اللّهُ " ، ثم ذكر بـاقـي الـحديث نـحو حديث أبـي كُرَيب عن الـمـحاربـيّ ، غير أنه قال فـي حديثه " كالسَّفِـينَةِ الـمُرْفأَةِ فِـي البَحْرِ " وقال آخرون : بل معنى ذلك : ونُفخ فـي صُوَر الـخـلق . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : { وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِـي الصُّورِ } : أي فـي الـخـلق ، قوله : { فَفَزِعَ مَنْ فِـي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِـي الأرْضِ } يقول : ففزع من فـي السموات من الـملائكة ومن فـي الأرض من الـجنّ والإنس والشياطين ، من هول ما يعاينون ذلك الـيوم . فإن قال قائل : وكيف قـيـل : ففزع ، فجعل فزع وهي فعل مردودة علـى ينفخ ، وهي يَفْعُلُ ؟ قـيـل : العرب تفعل ذلك فـي الـمواضع التـي تصلـح فـيها إذا ، لأن إذا يصلـح معها فعل ويفعل ، كقولك : أزورك إذا زرتنـي ، وأزورك إذا تزورنـي ، فإذا وضع مكان إذا يوم أجرى مـجرى إذا . فإن قـيـل : فأين جواب قوله : { وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِـي الصورِ فَفَزِعَ } قـيـل : جائز أن يكون مضمراً مع الواو ، كأنه قـيـل : ووقع القول علـيهم بـما ظلـموا فهم لا ينطقون ، وذلك يوم ينفخ فـي الصور . وجائز أن يكون متروكا اكتفـي بدلالة الكلام علـيه منه ، كما قـيـل : وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَـمُوا فترك جوابه . وقوله : { إلا مَنْ شاءَ الله } قـيـل : إن الذين استثناهم الله فـي هذا الـموضع من أن ينالهم الفزع يومئذٍ الشهداء ، وذلك أنهم أحياء عند ربهم يُرزقون ، وإن كانوا فـي عداد الـموتـى عند أهل الدنـيا ، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكرناه فـي الـخبر الـماضي . وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا العوّام عمن حدثه ، عن أبـي هريرة ، أنه قرأ هذه الآية : { فَفَزِعَ مَنْ فِـي السَّمَواتِ وَمَنْ فِـي الأرْضِ إلاَّ مَنْ شاءَ اللّهُ } قال : هم الشهداء . وقوله : { وكُلّ أتَوْهُ داخرِينَ } يقول : وكلّ أتوه صاغرين . وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وكُلُّ أتَوْهُ دَاخِرِينَ } يقول : صاغرين . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وكُلّ أتَوْهُ داخِرِينَ } قال : صاغرين . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وكلّ أتَوْهُ دَاخرِينَ } قال : الداخر : الصاغر الراغم ، قال : لأن الـمرء الذي يفزع إذا فزع إنـما همته الهرب من الأمر الذي فزع منه ، قال : فلـما نُفخ فـي الصور فزعوا ، فلـم يكن لهم من الله منـجى . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { وكُلّ أتَوْهُ داخِرِينَ } فقرأته عامة قرّاء الأمصار : « وكُلّ آتَوهُ » بـمدّ الألف من أتوه علـى مثال فـاعلوه ، سوى ابن مسعود ، فإنه قرأه : « وكُلّ أَتُوهُ » علـى مثال فعلوه ، واتبعه علـى القراءة به الـمتأخرون الأعمش وحمزة ، واعتلّ الذين قرءوا ذلك علـى مثال فـاعلوه بإجماع القرّاء علـى قوله : وكُلُّهُمْ آتِـيهِ قالوا : فكذلك قوله : « آتُوهُ » فـي الـجمع . وأما الذين قرءوا علـى قراءة عبد الله ، فإنهم ردّوه علـى قوله : { فَفَزِع } كأنهم وجَّهوا معنى الكلام إلـى : ويوم ينفخ فـي الصور ففزع من فـي السموات ومن فـي الأرض ، وأتوه كلهم داخرين ، كما يقال فـي الكلام : رأى وفر وعاد وهو صاغر . والصواب من القول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان مستفـيضتان فـي قرأة الأمصار ، ومتقاربتا الـمعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .