Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 23-23)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : { ولَـمَّا وَرَدَ } موسى { مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَـيْهِ أُمَّةً } يعنـي جماعة { مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ } نَعَمهم ومواشيهم . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { وَجَدَ عَلَـيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقونَ } يقول : كثرة من الناس يسقون . حدثنا مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله { أُمَّةً مِنَ النَّاسِ } قال : أناسا . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : وقع إلـى أمة من الناس يسقون بـمدين أهل نَعَم وشاء . حدثنا علـيّ بن موسى وابن بشّار ، قالا : ثنا أبو داود ، قال : أخبرنا عمران القطان ، قال : ثنا أبو حمزة عن ابن عبـاس ، فـي قوله : { وَلـمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ } قال علـيّ بن موسى : قال : مثل ماء جوبكم هذا ، يعنـي الـمـحدثة . وقال ابن بشار : مثل مـحدثتكم هذه ، يعنـي جوابكم هذا . وقوله : { وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرأتَـيْنِ تَذُودَانِ } يقول : ووجد من دون أمة الناس الذين هم علـى الـماء ، امرأتـين تذودان ، يعنـي بقوله : { تَذُودَان } تَـحبِسان غنـمهما يقال منه : ذاد فلان غنـمه وماشيته : إذا أراد شيء من ذلك يَشِذّ ويذهب ، فردّه ومنعه يذودها ذَوْداً . وقال بعض أهل العربـية من الكوفـيـين : لا يجوز أن يقال : ذدت الرجل بـمعنى : حبسته ، إنـما يقال ذلك للغنـم والإبل . وقد رُوي عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " إنـي لبِعُقْرِ حَوْضِي أذُودُ النَّاسَ عَنْهُ بَعَصَايَ " فقد جعل الذَّود صلى الله عليه وسلم فـي الناس ومن الذَّود قول سُوَيد بن كُراع : @ أبِـيتُ عَلـى بـابِ القَوَافِـي كأنَّـمَا أذُودُ بِها سِرْبـا مِنَ الوَحْشِ نُزَّعا @@ وقول الآخر : @ وَقَدْ سَلَبَتْ عَصَاكَ بَنُو تَـمِيـمٍ فَمَا تَدْرِي بأيّ عَصا تَذُودُ @@ وبنو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { تَذُودانِ } يقول : تـحبسان . حدثنـي العبـاس ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا الأصبغ ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنـي سعيد بن جُبَـير ، عن ابن عبـاس { وَوَجَدَ مِنْ دونِهِمُ امْرأتَـيْنِ تَذُودانِ } يعنـي بذلك أنهما حابستان . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن أبـي الهيثم ، عن سعيد بن جُبَـير ، فـي قوله : { امْرأتَـيْنِ تَذُودَانِ } قال : حابستـين . حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { وَوَجَدَ مِنْ دونِهِمْ امْرأتَـيْنِ تَذُودَانِ } يقول : تـحبِـان غنـمهما . واختلف أهل التأويـل فـي الذي كانت عنه تذود هاتان الـمرأتان ، فقال بعضهم : كانتا تذودان غنـمهما عن الـماء ، حتـى يَصْدُر عنه مواشي الناس ، ثم تسقـيان ماشيتهما لضعفهما . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا حصين ، عن أبـي مالك قوله : { امْرأتَـيْنِ تَذُودانِ } قال : تـحبسان غنـمهما عن الناس حتـى يفرغوا وتـخـلو لهما البئر . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق { وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرأتَـيْنِ } يعنـي دون القوم تذودان غنـمهما عن الـماء ، وهو ماء مدين . وقال آخرون : بل معنى ذلك : تذودان الناس عن غنـمهما . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة { وَلَـما وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَـيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرأتَـيْنِ تَذُودانِ } قال : أي حابستـين شاءهما تذودان الناس عن شأنهما . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو سفـيان ، عن معمر ، عن أصحابه { تَذُودانِ } قال : تذودان الناس عن غنـمهما . وأولـى التأويـلـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال معناه : تـحبسان غنـمهما عن الناس حتـى يفرغوا من سقـي مواشيهم . وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب لدلالة قوله : { ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقـي حتـى يُصْدِرَ الرِّعاءُ } علـى أن ذلك كذلك ، وذلك أنهما شكتا أنهما لا تسقـيان حتـى يصدر الرعاء ، إذ سألهما موسى عن ذَوْدِهما ، ولو كانتا تذودان عن غنـمهما الناس ، كان لا شكّ أنهما كانتا تـخبران عن سبب ذودهما عنها الناس ، لا عن سبب تأخر سقـيهما إلـى أن يُصْدِر الرعاء . وقوله : { قالَ ما خَطْبُكُما } يقول تعالـى ذكره : قال موسى للـمرأتـين ما شأنكما وأمركما تذودان ماشيتكما عن الناس ، هلا تسقونها مع مواشي الناس والعرب ، تقول للرجل : ما خَطْبُك : بـمعنى ما أمرك وحالك ، كما قال الراجز : @ يا عَجَبـا ما خَطْبُهُ وَخَطْبـي @@ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا العبـاس ، قال : ثنا يزيد ، قال : أخبرنا الأصبغ ، قال : أخبرنا القاسم ، قال : ثنـي سعيد بن جُبَـيْر ، عن ابن عبـاس ، قال : قال لهما : { ما خطْبُكُما } معتزلتـين لا تسقـيان مع الناس ؟ . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : وجد لهما رحمة ، ودخـلته فـيهما خشية ، لـما رأى من ضعفهما ، وغَلَبةِ الناس علـى الـماء دونهما ، فقال لهما : ما خطبكما : أي ما شأنكما ؟ . وقوله : { قالَتا لا نَسْقـي حتـى يُصْدِرَ الرّعاءُ } يقول جلّ ثناؤه : قالت الـمرأتان لـموسى : لا نسقـي ماشيتنا حتـى يصدر الرعاء مواشِيَهم ، لأنا لا نطيق أن نسقـي ، وإنـما نسقـي مواشينا ما أفضلَتْ مواشي الرعاء فـي الـحوض ، والرّعاء : جمع راع ، والراعي جمعه رعاء ورُعاة ورعيان . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي العبـاس ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا الأصبغ ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنـي سعيد بن جُبَـير ، عن ابن عبـاس ، قال : لـما قال موسى للـمرأتـين : { ما خَطْبُكُما ؟ قالَتا لا نَسْقِـي حتـى يُصْدِرَ الرّعاءُ وأبُونا شَيْخٌ كَبِـيرٌ } : أي لا نستطيع أن نسقـي حتـى يسقـي الناس ، ثم نَتَّبع فضلاتهم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُريج ، قوله : { حتـى يُصْدِرَ الرّعاءُ } قال : تنتظران تسقـيان من فضول ما فـي الـحياض حياض الرعاء . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق { قالَتا لا نَسْقِـي حتـى يُصْدرَ الرّعاءُ } امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال { وأبُونا شَيْخٌ كَبِـيرٌ } لا يقدر أن يـمسّ ذلك من نفسه ، ولا يسِقـي ماشيته ، فنـحن ننتظر الناس حتـى إذا فرغوا أسقـينا ثم انصرفنا . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { حتـى يُصْدِرَ الرّعاءُ } فقرأ ذلك عامة قرّاء الـحجاز سوى أبـي جعفر القارىء وعامة قرّاء العراق سوى أبـي عمرو : { يُصْدِر الرِّعاءُ } بضم الـياء ، وقرأ ذلك أبو جعفر وأبو عمرو بفتـح الـياء من يصدر الرعاء عن الـحوض . وأما الآخرون فإنهم ضموا الـياء ، بـمعنى : أصدر الرعاءُ مواشيهم ، وهما عندي قراءتان متقاربتا الـمعنى ، قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وقوله : { وأبُونا شَيْخٌ كَبِـيرٌ } يقولان : لا يستطيع من الكبر والضعف أن يسقَـى ماشيته . وقوله : { فَسَقـى لَهُما } ذُكِرَ أنه علـيه السلام فتـح لهما عن رأس بئر كان علـيها حَجَر لا يطيق رفعه إلا جماعة من الناس ، ثم استسقـى فسقـى لهما ماشيتهما منه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قال : فتـح لهما عن بئر حجراً علـى فـيها ، فسقـى لهما منها . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج بنـحوه ، وزاد فـيه : قال ابن جريج : حجراً كان لا يطيقه إلاّ عشرة رَهْط . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الـحجَّاج ، عن الـحكم ، عن شريح ، قال : انتهى إلـى حجر لا يرفعه إلا عشرة رجال ، فرفعه وحده . حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : رحمهما موسى حين { قالَتا لا نَسْقـي حتـى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وأبُونا شَيْخٌ كَبِـيرٌ } فأتـى إلـى البئر فـاقتلع صخرة علـى البئر كان النفر من أهل مَدْيَنَ يجتـمعون علـيها ، حتـى يرفعوها ، فسقـى لهما موسى دلوا فأروتا غنـمهما ، فرجعتا سريعاً ، وكانتا إنـما تسقـيان من فُضول الـحياض . حدثنـي العبـاس ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا الأصبغ ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا سعيد بن جُبَـير ، عن ابن عبـاس { فَسَقَـى لَهُما } فجعل يغرف فـي الدلو ماء كثـيراً حتـى كانت أوّل الرعاء رِياً ، فـانصرفتا إلـى أبـيهما بغنـمهما . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة ، قال : تصدّق علـيهما نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم ، فسقـى لهما ، فلـم يـلبث أن أروى غنـمهما . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : أخذ دلوهُما موسى ، ثم تقدّم إلـى السقاء بفضل قوّته ، فزاحم القوم علـى الـماء حتـى أخَّرهم عنه ، ثم سقـى لهما .