Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 106-107)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني بذلك جلّ ثناؤه : أولئك لهم عذاب عظيم في يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه . وأما قوله : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } فإن معناه : فأما الذين اسودّت وجوههم ، فـيقال لهم : { أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } . ولا بدّ لـ « أمّا » من جواب بـالفـاء ، فلـما أسقط الـجواب سقطت الفـاء معه ، وإنـما جاز ترك ذكر « فـيقال » لدلالة ما ذكر من الكلام علـيه . وأما معنى قوله جلّ ثناؤه : { أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } فإن أهل التأويـل اختلفوا فـيـمن عُنـي به ، فقال بعضهم : عُنـي به أهل قبلتنا من الـمسلـمين . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } … الآية ، لقد كفر أقوام بعد إيـمانهم كما تسمعون ، ولقد ذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " وَالَّذِي نَفْسُ مُـحَمَّدٍ بِـيَدِهِ ، لَـيَرِدَنَّ عَلـيَّ الـحَوْضَ مِـمَّنْ صَحِبَنَـي أقْوَامٌ ، حتـى إذَا رُفِعُوا إلـيَّ ورأيْتُهُمْ اخْتُلِـجُوا دُونِـي ، فلأَقُولَنَّ رَبّ أصحابِـي أصحَابِـي ، فَلَـيُقالَنَّ إنَّكَ لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ " وقوله : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ ٱللَّهِ } هؤلاء أهل طاعة الله والوفـاء بعهد الله ، قال الله عز وجل : { فَفِى رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } فهذا من كفر من أهل القبلة حين اقتتلوا . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن حماد بن سلـمة والربـيع بن صبـيح ، عن أبـي مـجالد ، عن أبـي أمامة : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } قال : هم الـخوارج . وقال آخرون : عنى بذلك كل من كفر بـالله بعد الإيـمان الذي آمن حين أخذ الله من صلب آدم ذريته وأشهدهم علـى أنفسهم بـما بـين فـي كتابه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا علـيّ بن الهيثم ، قال : أخبرنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، عن أبـي العالـية ، عن أبـيّ بن كعب ، فـي قوله : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } قال : صاروا يوم القـيامة فريقـين ، فقال لـمن اسودّ وجهه وعيرهم : { أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } قال : هو الإيـمان الذي كان قبل الاختلاف فـي زمان آدم ، حين أخذ منهم عهدهم وميثاقهم ، وأقرّوا كلهم بـالعبودية ، وفطرهم علـى الإسلام ، فكانوا أمة واحدة مسلـمين ، يقول : أكفرتـم بعد إيـمانكم ، يقول بعد ذلك الذي كان فـي زمان آدم ، وقال فـي الآخرين : الذين استقاموا علـى إيـمانهم ذلك ، فأخـلصوا له الدين والعمل ، فبـيض الله وجوههم ، وأدخـلهم فـي رضوانه وجنته . وقال آخرون : بل الذين عنوا بقوله : { أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } : الـمنافقون . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الـحنفـي ، عن عبـاد ، عن الـحسن : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } … الآية ، قال : هم الـمنافقون كانوا أعطوا كلـمة الإيـمان بألسنتهم ، وأنكروها بقلوبهم وأعمالهم . وأولـى الأقوال التـي ذكرناها فـي ذلك بـالصواب القول الذي ذكرناه عن أبـيّ بن كعب أنه عنى بذلك جميع الكفـار ، وأن الإيـمان الذي يوبخون علـى ارتدادهم عنه ، هو الإيـمان الذي أقرّوا به يوم قـيـل لهم : { أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَا } . وذلك أن الله جلّ ثناؤه جعل جميع أهل الآخرة فريقـين : أحدهما سوداء وجوهه ، والآخر بـيضاء وجوهه ، فمعلوم إذ لـم يكن هنالك إلا هذان الفريقان أن جميع الكفـار داخـلون فـي فريق من سوّد وجهه ، وأن جميع الـمؤمنـين داخـلون فـي فريق من بـيض وجهه ، فلا وجه إذاً لقول قائل عنى بقوله : { أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } بعض الكفـار دون بعض ، وقد عمّ الله جلّ ثناؤه الـخبر عنهم جميعهم ، وإذا دخـل جميعهم فـي ذلك ثم لـم يكن لـجميعهم حالة آمنوا فـيها ، ثم ارتدوا كافرين بعد إلا حالة واحدة ، كان معلوماً أنها الـمرادة بذلك . فتأويـل الآية إذاً : أولئك لهم عذاب عظيـم فـي يوم تبـيضّ وجوه قوم ، وتسودّ وجوه آخرين فأما الذين اسودّت وجوههم ، فـيقال : أجحدتـم توحيد الله وعهده وميثاقه الذي واثقتـموه علـيه ، بأن لا تشركوا به شيئاً ، وتـخـلصوا له العبـادة بعد إيـمانكم ، يعنـي : بعد تصديقكم به ، { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } يقول : بـما كنتـم تـجحدون فـي الدنـيا ما كان الله قد أخذ ميثاقكم بـالإقرار به والتصديق وأما الذين ابـيضت وجوههم مـمن ثبت علـى عهد الله وميثاقه ، فلـم يبدل دينه ، ولـم ينقلب علـى عقبـيه بعد الإقرار بـالتوحيد ، والشهادة لربه بـالألوهة ، وأنه لا إله غيره { فَفِى رَحْمَةِ ٱللَّهِ } يقول : فهم فـي رحمة الله ، يعنـي فـي جنته ونعيـمها ، وما أعدّ الله لأهلها فـيها ، { هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } أي بـاقون فـيها أبداً بغير نهاية ولا غاية .