Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 145-145)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي تعالـى ذكره بذلك : وما يـموت مـحمد ولا غيره من خـلق الله إلا بعد بلوغ أجله الذي جعله الله غاية لـحياته وبقائه ، فإذا بلغ ذلك من الأجل الذي كتبه الله له وأذن له بـالـموت فحينئذ يـموت ، فأما قبل ذلك فلن تـموت بكيد كائد ولا بحيـلة مـحتال . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَـٰباً مُّؤَجَّلاً } : أي أن لـمـحمد أجلاً هو بـالغه إذا أذن الله له فـي ذلك كان . وقد قـيـل : إن معنى ذلك : وما كانت نفس لتـموت إلا بإذن الله . وقد اختلف أهل العربـية فـي معنى الناصب قوله : { كِتَـٰباً مُّؤَجَّلاً } فقال بعض نـحويـي البصرة : هو توكيد ، ونصبه علـى : كتب الله كتابـاً مؤجلاً ، قال : وكذلك كل شيء فـي القرآن من قوله « حقًّا » ، إنـما هو : أحقّ ذلك حقًّا ، وكذلك : { وَعَدَ ٱللَّهُ } و { رَحْمَةً مّن رَّبِّكَ } وَ { صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْء } و { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } إنـما هو : صنع الله هكذا صنعاً ، فهكذا تفسير كل شيء فـي القرآن من نـحو هذا ، فإنه كثـير . وقال بعض نـحويـي الكوفة فـي قوله : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله } معناه : كتب الله آجال النفوس ، ثم قـيـل : كتابـاً مؤجلاً ، فأخرج قوله : كتابـاً مؤجلاً ، نصبـاً من الـمعنى الذي فـي الكلام ، إذ كان قوله : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله } قد أدّى عن معنى « كتب » ، قال : وكذلك سائر ما فـي القرآن من نظائر ذلك ، فهو علـى هذا النـحو . وقال آخرون منهم : قول القائل : زيد قائم حقاً ، بـمعنى : أقول زيد قائم حقاً ، لأن كل كلام قول ، فأدّى الـمقول عن القول ، ثم خرج ما بعده منه ، كما تقول : أقول قولاً حقًّا ، وكذلك ظنًّا ويقـيناً ، وكذلك وَعْدَ الله ، وما أشبهه . والصواب من القول فـي ذلك عندي ، أن كل ذلك منصوب علـى الـمصدر من معنى الكلام الذي قبله ، لأن فـي كل ما قبل الـمصادر التـي هي مخالفة ألفـاظها ألفـاظ ما قبلها من الكلام معانـي ألفـاظ الـمصادر وإن خالفها فـي اللفظ فنصبها من معانـي ما قبلها دون ألفـاظه . القول في تأويل قوله جلّ ثناؤه : « ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين » . يعني بذلك جلّ ثناؤه : من يرد منكم أيها الـمؤمنون بعمله جزاء منه بعض أعراض الدنـيا دون ما عند الله من الكرامة ، لـمن ابتغى بعمله ما عنده { نُؤْتِهِ مِنْهَا } يقول : نعطه منها ، يعنـي : من الدنـيا ، يعنـي : أنه يعطيه منها ما قسم له فـيها من رزق أيام حياته ، ثم لا نصيب له فـي كرامة الله التـي أعدّها لـمن أطاعه ، وطلب ما عنده فـي الآخرة . { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلأَخِرَةِ } يقول : ومن يرد منكم بعمله جزاء منه ثواب الآخرة ، يعنـي ما عند الله من كرامته التـي أعدّها للعاملـين له فـي الآخرة ، { نُؤْتِهِ مِنْهَا } يقول : نعطه منها ، يعنـي من الآخرة والـمعنى : من كرامة الله التـي خصّ بها أهل طاعته فـي الآخرة . فخرج الكلام علـى الدنـيا والآخرة ، والـمعنى ما فـيهما . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلأَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا } : أي فمن كان منكم يريد الدنـيا لـيست له رغبة فـي الآخرة ، نؤته ما قسم له منها من رزق ، ولا حظّ له فـي الآخرة ، ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها ما وعده مع ما يُجْرَى علـيه من رزقه فـي دنـياه . وأما قوله : { وَسَنَجْزِى ٱلشَّـٰكِرِينَ } يقول : وسأثـيب من شكر لـي ما أولـيته من إحسانـي إلـيه بطاعته إياي وانتهائه إلـى أمري وتـجنبه مـحارمي فـي الآخرة ، مثل الذي وعدت أولـيائي من الكرامة علـى شكرهم إياي . وقال ابن إسحاق فـي ذلك بـما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { وَسَنَجْزِى ٱلشَّـٰكِرِينَ } أي ذلك جزاء الشاكرين ، يعنى بذلك : إعطاء الله إياه ما وعده فـي الآخرة مع ما يجرى علـيه من الرزق فـي الدنـيا .