Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 154-154)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني بذلك جل ثناؤه : ثم أنزل الله أيها المؤمنون من بعد الغمّ الذي أثابكم ربكم بعد غمّ تقدمه قبله أمنة ، وهي الأمان على أهل الإخلاص منكم والـيقـين ، دون أهل النفاق والشك . ثم بـين جلّ ثناؤه عن الأمنة التي أنزلها عليهم ما هي ؟ فقال : نعاساً ، بنصب النعاس على الإبدال من الأمنة . ثم اختلفت القراء في قراءة قوله : { يَغْشَىٰ } فقرأ ذلك عامة قراء الـحجاز والـمدينة والبصرة وبعض الكوفـيـين بـالتذكير بـالـياء : { يَغْشَىٰ } . وقرأ جماعة من قراء الكوفـيـين بـالتأنـيث : { تَغْشَى } بـالتاء . وذهب الذين قرؤوا ذلك بـالتذكير إلـى أن النعاس هو الذي يغشى الطائفة من الـمؤمنـين دون الأمنة ، فذكره بتذكير النعاس . وذهب الذين قرؤوا ذلك بـالتأنـيث إلـى أن الأمنة هي التـي تغشاهم ، فأنثوه لتأنـيث الأمنة . والصواب من القول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان مستفـيضتان فـي قراء الأمصار غير مختلفتـين فـي معنى ولا غيره ، لأن الأمنة فـي هذا الـموضع هي النعاس ، والنعاس : هو الأمنة . وسواء ذلك ، وبأيتهما قرأ القارىء فهو مصيب الـحقّ فـي قراءته ، وكذلك جميع ما فـي القرآن من نظائره من نـحو قوله : { إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ طَعَامُ ٱلأَثِيمِ كَٱلْمُهْلِ يَغْلِى فِى ٱلْبُطُونِ } [ الدخان : 43 - 45 ] و { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } { وَهُزّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَـٰقِطْ } [ مريم : 25 ] . فإن قال قائل : وما كان السبب الذي من أجله افترقت الطائفتان اللتان ذكرهما الله عزّ وجلّ فـيـما افترقتا فـيه من صفتهما ، فآمنت إحداهما بنفسها حتـى نعست ، وأهمت الأخرى نفسها حتـى ظنت بـالله غير الـحقّ ظنّ الـجاهلـية ؟ قـيـل : كان سبب ذلك فـيـما ذكر لنا ، كما : حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل قال : ثنا أسبـاط ، عن السدي : أن الـمشركين انصرفوا يوم أُحُد بعد الذي كان من أمرهم وأمر الـمسلـمين ، فواعدوا النبـيّ صلى الله عليه وسلم بدراً من قابل ، فقال لهم : « نعم » فتـخوّف الـمسلـمون أن ينزلوا الـمدينة ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً ، فقال : " انْظُر فإنْ رأيتهم قَعدُوا علـى أثْقَالهم وجَنَبُوا خُيُولَهُمْ ، فإنَّ القَوْمَ ذَاهِبُونَ ، وإنْ رأيْتُهمْ قد قعدوا علـى خيولهم وجَنَبُوا علـى أثقالهم ، فإنَّ القَوْم يَنْزِلُونَ الـمَدِينَةَ ، فاتَّقُوا الله واصْبِرُوا ! " ووطنهم على القتال فلـما أبصرهم الرسول تعدوا علـى الأثقال سراعاً عجالاً ، نادى بأعلـى صوته بذهابهم فلـما رأى الـمؤمنون ذلك صدّقوا نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم ، فناموا ، وبقـي أناس من الـمنافقـين يظنون أن القوم يأتونهم ، فقال الله جلّ وعزّ يذكر حين أخبرهم النبـي صلى الله عليه وسلم إن كانوا ركبوا الأثقال فإنهم منطلقون فناموا : { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّن بَعْدِ ٱلْغَمّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقّ ظَنَّ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عبـاس : أمنهم يومئذ بنعاس غشاهم ، وإنـما ينعس من يأمن { يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقّ ظَنَّ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبـي عديّ ، عن حميد ، عن أنس بن مالك ، عن أبـي طلـحة ، قال : كنت فـيـمن أنزل علـيه النعاس يوم أُحد أمنة ، حتـى سقط من يدي مراراً . قال أبو جعفر : يعنـي : سوطه ، أو سيفه . حدثنا عمرو بن علـيّ ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا حماد بن سلـمة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن أبـي طلـحة ، قال : رفعت رأسي يوم أُحد ، فجعلت ما أرى أحداً من القوم إلا تـحت حجفته يـميد من النعاس . حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى ، قالا : ثنا أبو داود ، قال : ثنا عمران ، عن قتادة ، عن أنس ، عن أبـي طلـحة قال : كنت فـيـمن صبّ علـيه النعاس يوم أُحد . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ثنا أنس بن مالك ، عن أبـي طلـحة : أنه كان يومئذٍ مـمن غشيه النعاس ، قال : كان السيف يسقط من يدي ثم آخذه من النعاس . حُدثت عن عمار ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع : ذكر لنا والله أعلـم عن أنس أن أبـا طلـحة حدثهم أنه كان يومئذٍ مـمن غشيه النعاس ، قال : فجعل سيفـي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه ويسقط ، والطائفة الأخرى : الـمنافقون ، لـيس لهم همة إلا أنفسهم { يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقّ ظَنَّ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } … الآية كلها . حدثنا أحمد بن الـحسن الترمذي ، قال : ثنا ضرار بن صرد ، قال : ثنا عبد العزيز بن مـحمد ، عن مـحمد بن عبد العزيز ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن الـمسور بن مخرمة ، عن أبـيه قال : سألت عبد الرحمن بن عوف عن قول الله عزّ وجلّ : { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّن بَعْدِ ٱلْغَمّ أَمَنَةً نُّعَاساً } قال : ألقـي علـينا النوم يوم أُحد . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّن بَعْدِ ٱلْغَمّ أَمَنَةً نُّعَاساً } … الآية ، وذاكم يوم أُحد ، كانوا يومئذٍ فريقـين فأما الـمؤمنون فغشاهم الله النعاس أمنة منه ورحمة . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع بن أنس ، نـحوه . حدثنا الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قوله : { أَمَنَةً نُّعَاساً } قال : ألقـي علـيهم النعاس ، فكان ذلك أمنة لهم . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن عاصم ، عن أبـي رزين ، قال : قال عبد الله : النعاس فـي القتال أمنة ، والنعاس فـي الصلاة من الشيطان . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّن بَعْدِ ٱلْغَمّ أَمَنَةً نُّعَاساً } قال : أنزل النعاس أمنة منه علـى أهل الـيقـين به ، فهم نـيام لا يخافون . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، فـي قوله : { أَمَنَةً نُّعَاساً } قال : ألقـى الله علـيهم النعاس ، فكان أمنة لهم . وذكر أن أبـا طلـحة قال : ألقـي علـيّ النعاس يومئذٍ ، فكنت أنعس حتـى يسقط سيفـي من يدي . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا إسحاق بن إدريس ، قال : ثنا حماد بن سلـمة ، قال : أخبرنا ثابت ، عن أنس بن مالك ، عن أبـي طلـحة ، وهشام بن عروة بن الزبـير أنهما قالا : لقد رفعنا رؤوسنا يوم أُحد ، فجعلنا ننظر ، فما منهم من أحد إلا وهو يـميـل بجنب حجفته قال : وتلا هذه الآية : { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّن بَعْدِ ٱلْغَمّ أَمَنَةً نُّعَاساً } . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقّ ظَنَّ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } . يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : وطائفة منكم أيها الـمؤمنون قد أهمتهم أنفسهم ، يقول : هم الـمنافقون لا همّ لهم غير أنفسهم ، فهم من حذر القتل علـى أنفسهم ، وخوف الـمنـية علـيها فـي شغل ، قد طار عن أعينهم الكرى ، يظنون بـالله الظنون الكاذبة ، ظنّ الـجاهلـية من أهل الشرك بـالله ، شكاً فـي أمر الله ، وتكذيبـاً لنبـيه صلى الله عليه وسلم ، وَمَـحْسَبَةً منهم أن الله خاذل نبـيه ، ومعل علـيه أهل الكفر به ، يقولون : هل لنا من الأمر شيء . كالذي : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : والطائفة الأخرى : الـمنافقون ، لـيس لهم همّ إلا أنفسهم ، أجبن قوم وأرعبه ، وأخذله للـحقّ ، يظنون بـالله غير الـحقّ ظنوناً كاذبة ، إنـما هم أهل شكّ وريبة فـي أمر الله ، يقولون : { لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَىْء مَّا قُتِلْنَا هَـٰهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ } . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قال : والطائفة الأخرى : الـمنافقون لـيس لهم همة إلا أنفسهم ، يظنون بـالله غير الـحقّ ظنّ الـجاهلـية ، يقولون : { لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَىْء مَّا قُتِلْنَا هَـٰهُنَا } قال الله عزّ وجلّ : { قُل لَّوْ كُنتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ } … الآية . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } قال : أهل النفـاق قد أهمتهم أنفسهم تـخوّف القتل ، وذلك أنهم لا يرجون عاقبة . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } إلـى آخر الآية ، قال : هؤلاء الـمنافقون . وأما قوله : { ظَنَّ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } فإنه يعنـي أهل الشرك . كالذي : حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة فـي قوله : { ظَنَّ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } قال : ظنّ أهل الشرك . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قوله : { ظَنَّ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } قال : ظنّ أهل الشرك . وفـي رفع قوله : { وَطَائِفَةٌ } وجهان : أحدهما أن تكون مرفوعة بـالعائد من ذكرها فـي قوله : { قَدْ أَهَمَّتْهُمْ } ، والآخر بقوله : { يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقّ } ولو كانت منصوبة كان جائزاً ، وكانت الواو فـي قوله : { وَطَائِفَةٌ } ظرفـاً للفعل ، بـمعنى : وأهمت طائفة أنفسهم ، كما قال : { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ } [ الذاريات : 47 ] . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَىْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِى أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لنَا مِنَ ٱلأَمْر شَىّءٌ ما قُتِلْنَا هَـٰهُنَا } : يعنـي بذلك : الطائفة الـمنافقة التـي قد أهمتهم أنفسهم ، يقولون : لـيس لنا من الأمر من شيء ، قل إن الأمر كله لله ، ولو كان لنا من الأمر شيء ما خرجنا لقتال من قاتلنا فقتلونا . كما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قـيـل لعبد الله بن أبـيّ : قتل بنو الـخزرج الـيوم ! قال : وهل لنا من الأمر من شيء ؟ قل إن الأمر كله لله . وهذا أمر مبتدأ من الله عزّ وجلّ ، يقول لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : قل يا مـحمد لهؤلاء الـمنافقـين إن الأمر كله لله ، يصرفه كيف يشاء ويدبره كيف يحبّ ، ثم عاد إلـى الـخبر عن ذكر نفـاق الـمنافقـين ، فقال : { يُخْفُونَ فِى أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ } يقول : يخفـي يا مـحمد هؤلاء الـمنافقون الذين وصفت لك صفتهم فـي أنفسهم من الكفر والشكّ فـي الله ما لا يبدون لك ، ثم أظهر نبـيه صلى الله عليه وسلم علـى ما كانوا يخفونه بـينهم من نفـاقهم ، والـحسرة التـي أصابتهم علـى حضورهم مع الـمسلـمين مشهدهم بأحد ، فقال مخبراً عن قـيـلهم الكفر ، وإعلانهم النفـاق بـينهم ، يقولون : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا ، يعنـي بذلك أن هؤلاء الـمنافقـين يقولون : لو كان الـخروج إلـى حرب من خرجنا لـحربه من الـمشركين إلـينا ، ما خرجنا إلـيهم ، ولا قتل منا أحد فـي الـموضع الذي قُتلوا فـيه بـأُحد . وذكر أن مـمن قال هذا القول معتب بن قشير أخو بنـي عمرو بن عوف . ذكر الـخبر بذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، قال : قال ابن إسحاق : ثنـي يحيـى بن عبـاد بن عبد الله بن الزبـير عن أبـيه ، عن عبد الله بن الزبـير ، عن الزبـير ، قال : والله إنـي لأسمع قول معتب بن قشير أخي بنـي عمرو بن عوف ، والنعاس يغشانـي ما أسمعه إلا كالـحلـم حين قال : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا . حدثنـي سعيد بن يحيـى بن الأموي ، قال : ثنـي أبـي ، عن ابن إسحاق ، قال : ثنـي يحيـى بن عبـاد بن عبد الله بن الزبـير ، عن أبـيه ، عن عبد الله بن الزبـير ، عن أبـيه ، بـمثله . واختلفت القراء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الـحجاز والعراق : { قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ } بنصب الكلّ علـى وجه النعت للأمر والصفة له . وقرأه بعض قراء أهل البصرة : { قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ } برفع الكلّ علـى توجيه الكلّ إلـى أنه اسم ، وقوله « لله » خبره ، كقول القائل : إن الأمر بعضه لعبد الله . وقد يجوز أن يكون الكلّ فـي قراءة من قرأه بـالنصب منصوبـاً علـى البدل . والقراءة التـي هي القراءة عندنا النصب فـي الكلّ لإجماع أكثر القراء علـيه ، من غير أن تكون القراءة الأخرى خطأ فـي معنى أو عربـية . ولو كانت القراءة بـالرفع فـي ذلك مستفـيضة فـي القراء ، لكانت سواء عندي القراءة بأيّ ذلك قرىء لاتفـاق معانـي ذلك بأي وجهيه قرىء . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { قُل لَّوْ كُنتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِىَ ٱللَّهُ مَا فِى صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحّصَ مَا فِى قُلُوبِكُمُ وَٱللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } : يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : قل يا مـحمد للذين وصفت لك صفتهم من الـمنافقـين : لو كنتـم فـي بـيوتكم لـم تشهدوا مع الـمؤمنـين مشهدهم ، ولـم تـحضروا معهم حرب أعدائهم من الـمشركين ، فـيظهر للـمؤمنـين ما كنتـم تـخفونه من نفـاقكم ، وتكتـمونه من شرككم فـي دينكم ، لبرز الذين كتب علـيهم القتل ، يقول : لظهر للـموضع الذي كتب علـيه مصرعه فـيه من قد كتب علـيه القتل منهم ، ويخرج من بـيته إلـيه ، حتـى يصرع فـي الـموضع الذي كتب علـيه أن يصرع فـيه . وأما قوله : { وَلِيَبْتَلِىَ ٱللَّهُ مَا فِى صُدُورِكُمْ } : فإنه يعنـي به : ولـيبتلـي الله ما فـي صدوركم أيها الـمنافقون كنتـم تبرزون من بـيوتكم إلـى مضاجعكم . ويعنـي بقوله : { وَلِيَبْتَلِىَ ٱللَّهُ مَا فِى صُدُورِكُمْ } : ولـيختبر الله الذي فـي صدوركم من الشكّ ، فـيـميزكم بـما يظهره للـمؤمنـين من نفـاقكم من الـمؤمنـين . وقد دللنا فـيـما مضى علـى أن معانـي نظائر قوله : { لِيَبْتَلَىَ ٱللَّهِ } { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ } وما أشبه ذلك ، وإن كان فـي ظاهر الكلام مضافـاً إلـى الله الوصف به ، فمراد به أولـياؤه وأهل طاعته وأن معنى ذلك : ولـيختبر أولـياء الله ، وأهل طاعته ، الذي فـي صدوركم من الشكّ والـمرض ، فـيعرفوكم من أهل الإخلاص والـيقـين . { وَلِيُمَحّصَ مَا فِى قُلُوبِكُمْ } يقول : ولـيتبـينوا ما فـي قلوبكم من الاعتقاد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللـمؤمنـين من العداوة أو الولاية . { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } يقول : والله ذو علـم بـالذي فـي صدور خـلقه من خير وشرّ وإيـمان وكفر ، لا يخفـى علـيه شيء من أمورهم ، سرائرها وعلانـيتها ، وهو لـجميع ذلك حافظ ، حتـى يجازي جميعم جزاءهم علـى قدر استـحقاقهم . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك كان ابن إسحاق يقول . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة . عن ابن إسحاق ، قال : ذكر الله تلاومهم ، يعنـي : تلاوم الـمنافقـين وحسرتهم علـى ما أصابهم . ثم قال لنبـيه صلى الله عليه وسلم : قل لو كنتـم فـي بـيوتكم لـم تـحضروا هذا الـموضع الذي أظهر الله جلّ ثناؤه فـيه منكم ما أظهر من سرائركم ، لأخرج الذي كتب علـيهم القتل إلـى موطن غيره يصرعون فـيه ، حتـى يبتلـي به ما فـي صدوركم ولـيـمـحص ما فـي قلوبكم ، والله علـيـم بذات الصدور ، أي لا يخفـي علـيه شيء مـما فـي صدورهم مـما استـخفوا به منكم . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا الـحرث بن مسلـم ، عن بحر السقاء ، عن عمرو بن عبـيد ، عن الـحسن ، قال : سئل عن قوله : { قُل لَّوْ كُنتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ } قال : كتب الله علـى الـمؤمنـين أن يقاتلوا فـي سبـيـله ، ولـيس كل من يقاتل يقتل ، ولكن يقتل من كتب الله علـيه القتل .