Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 156-156)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني بذلك جلّ ثناؤه : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله ، وأقرّوا بـما جاء به محمد من عند الله ، لا تكونوا كمن كفر بالله وبرسوله ، فجحد نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال لإخوانه من أهل الكفر { إِذَا ضَرَبُواْ فِى ٱلأَرْضِ } فخرجوا من بلادهم سفراً فـي تـجارة ، { أَوْ كَانُواْ غُزًّى } يقول : أو كان خروجهم من بلادهم غزاة ، فهلكوا فماتوا فـي سفرهم ، أو قتلوا فـي غزوهم ، { لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ } يخبر بذلك عن قول هؤلاء الكفـار ، أنهم يقولون لـمن غزا منهم فقتل أو مات فـي سفر خرج فـيه فـي طاعة الله أو تـجارة : لو لـم يكونوا خرجوا من عندنا ، وكانوا أقاموا فـي بلادهم ما ماتوا وما قتلوا . { لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِى قُلُوبِهِمْ } يعنـي : أنهم يقولون ذلك ، كي يجعل الله قولهم ذلك حزناً فـي قلوبهم وغمًّا ، ويجهلون أن ذلك إلـى الله جلّ ثناؤه وبـيده . وقد قـيـل : إن الذين نهى الله الـمؤمنـين بهذه الآية أن يتشبهوا بهم فـيـما نهاهم عنه من سوء الـيقـين بـالله ، هم عبد الله بن أبـيّ ابن سَلُول وأصحابه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوٰنِهِمْ } … الآية . قال : هؤلاء الـمنافقون أصحاب عبد الله بن أبـيّ . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { وَقَالُواْ لإِخْوٰنِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِى ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى } قول الـمنافق عبد الله بن أبـيّ ابن سَلُول . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . وقال آخرون فـي ذلك : هم جميع الـمنافقـين . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد . قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوٰنِهِمْ } … الآية : أي لا تكونوا كالـمنافقـين الذي ينهون إخوانهم عن الـجهاد فـي سبـيـل الله ، والضرب فـي الأرض فـي طاعة الله ، وطاعة رسوله ، ويقولون إذا ماتوا أو قتلوا : لو أطاعونا ما ماتوا ، وما قتلوا . وأما قوله : { إِذَا ضَرَبُواْ فِى ٱلأَرْضِ } فإنه اختُلِف فـي تأويـله ، فقال بعضهم : هو السفر فـي التـجارة ، والسير فـي الأرض لطلب الـمعيشة . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { إِذَا ضَرَبُواْ فِى ٱلأَرْضِ } وهي التـجارة . وقال آخرون : بل هو السير فـي طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { إِذَا ضَرَبُواْ فِى ٱلأَرْضِ } : الضرب فـي الأرض فـي طاعة الله وطاعة رسوله . وأصل الضرب فـي الأرض : الإبعاد فـيها سيراً . وأما قوله : { أَوْ كَانُواْ غُزًّى } فإنه يعنـي : أو كانوا غُزاة فـي سبـيـل الله . والغُزّى : جمع غاز ، جمع علـى فُعَّل كما يجمع شاهد : شُهَّد ، وقائل : قُوَّل . وقد ينشد بـيت رؤبة : @ فـالـيَوْمَ قَدْ نَهْنَهَنِـي تَنَهْنُهي وأَوْلُ حِلْـمٍ لَـيْسَ بـالـمُسَفِّةِ وَقُوَّلٌ إلاَّ دَهٍ فَلا دَهِ @@ وينشد أيضاً : @ وقولهُمْ إلاَّ دَهٍ فَلا دَهِ @@ وإنـما قـيـل : { لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوٰنِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِى ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى } بإصحاب ماضي الفعل الـحرف الذي لا يصحب مع الـماضي منه إلا الـمستقبل ، فقـيـل : وقالوا لإخوانهم ثم قـيـل : إذا ضربوا . وإنـما يقال فـي الكلام : أكرمتك إذ زرتنـي ، ولا يقال : أكرمتك إذا زرتنـي ، لأن القول الذي فـي قوله : { وَقَالُواْ لإِخْوٰنِهِمْ } وإن كان فـي لفظ الـماضي فإنه بـمعنى الـمستقبل ، وذلك أن العرب تذهب بـالذين مذهب الـجزاء ، وتعاملها فـي ذلك معاملة « مَنْ » و « ما » ، لتقارب معانـي ذلك فـي كثـير من الأشياء ، وإن جمعهن أشياء مـجهولات غير مؤقتات توقـيت عمرو وزيد . فلـما كان ذلك كذلك ، وكان صحيحاً فـي الكلام فصيحاً أن يقال للرجال : أكرم من أكرمك ، وأكرم كل رجل أكرمك ، فـيكون الكلام خارجاً بلفظ الـماضي مع مَن وكل مـجهول ، ومعناه الاستقبـال ، إذ كان الـموصوف بـالفعل غير موقت ، وكان « الذين » فـي قوله : { لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوٰنِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِى ٱلأَرْضِ } غير موقتـين ، أجريت مـجرى « من » و « ما » فـي ترجمتها التـي تذهب مذهب الـجزاء وإخراج صلاتها بألفـاظ الـماضي من الأفعال وهي بـمعنى الاستقبـال ، كما قال الشاعر فـي « ما » : @ وإنـي لآتِـيكُمْ تَشَكُّرَ ما مَضَى من الأمْرِ وَاسْتـيجابَ ما كان فـي غَدِ @@ فقال : ما كان فـي غد ، وهو يريد : ما يكون فـي غد ، ولو كان أراد الـماضي لقال : ما كان فـي أمس ، ولـم يجز له أن يقول : ما كان فـي غد . ولو كان الذي موقتاً ، لـم يجز أن يقال : ذلك خطأ أن يقال لك : من هذا الذي أكرمك إذا زرته ؟ لأن الذي ههنا موقت ، فقد خرج من معنى الـجزاء ، ولو لـم يكن فـي الكلام هذا ، لكان جائزاً فصيحاً ، لأن الذي يصير حينئذٍ مـجهولاً غير موقت ، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } فردّ « يصدون » علـى « كفروا » ، لأن « الذين » غير موقتة ، فقوله : { كَفَرُواْ } وإن كان فـي لفظ ماض ، فمعناه الاستقبـال ، وكذلك قوله : { إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً } ، وقوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ } معناه : إلا الذين يتوبون من قبل أن تقدروا علـيهم ، وإلا من يتوب ويؤمن ، ونظائر ذلك فـي القرآن والكلام كثـير والعلة فـي كل ذلك واحدة . وأما قوله : { لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِى قُلُوبِهِمْ } فإنه يعنـي بذلك : حزناً فـي قلوبهم . كما : حدثنا مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قوله : { فِى قُلُوبِهِمْ } قال : يحزنهم قولهم لا ينفعهم شيئاً . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِى قُلُوبِهِمْ } لقلة الـيقـين بربهم جلّ ثناؤه . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَٱللَّهُ يُحْيىِ وَيُمِيتُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } . يعنـي جلّ ثناؤه بقوله : { وَٱللَّهُ يُحْيىِ وَيُمِيتُ } : والله الـمعجل الـموت لـمن يشاء من حيث يشاء ، والـمـميت من يشاء كلـما شاء دون غيره من سائر خـلقه . وهذا من الله عزّ وجلّ ترغيب لعبـاده الـمؤمنـين علـى جهاد عدوّه ، والصبر علـى قتالهم ، وإخراج هيبتهم من صدورهم ، وإن قلّ عددهم ، وكثر عدد أعدائهم وأعداء الله ، وإعلام منه لهم أن الإماتة والإحياء بـيده ، وأنه لن يـموت أحد ولا يقتل إلابعد فناء أجله الذي كتب له ، ونهي منه لهم إذ كان كذلك أن يجزعوا لـموت من مات منهم أو قتل من قُتل منهم فـي حرب الـمشركين . ثم قال جلّ ثناؤه : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } يقول : إن الله يرى ما تعملون من خير وشرّ ، فـاتقوه أيها الـمؤمنون ، فإنه مـحص ذلك كله ، حتـى يجازي كل عامل بعمله علـى قدر استـحقاقه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال ابن إسحاق . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { وَٱللَّهُ يُحْيىِ وَيُمِيتُ } : أي يعجل ما يشاء ويؤخر ما يشاء من آجالهم بقدرته .