Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 159-159)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعنـي جلّ ثناؤه بقوله : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } : فبرحمة من الله و « ما » صلة ، وقد بـينت وجه دخولها فـي الكلام فـي قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } [ البقرة : 26 ] والعرب تـجعل « ما » صلة فـي الـمعرفة والنكرة ، كما قال : { فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ } [ النساء : 155 ] والـمعنى : فبنقضهم ميثاقهم . وهذا فـي الـمعرفة ، وقال فـي النكرة : { عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَـٰدِمِينَ } [ المؤمنون : 40 ] والـمعنى : عن قلـيـل . وربـما جعلت اسماً وهي فـي مذهب صلة ، فـيرفع ما بعدها أحياناً علـى وجه الصلة ، ويخفض علـى إتبـاع الصلة ما قبلها ، كما قال الشاعر : @ فكَفَـى بِنَا فَضْلاً علـى مَنْ غيرِنا حُبُّ النَبِـيّ مـحَمَّدٍ إيَّانا @@ إذا جعل غير صلة رفعت بإضمار هو ، وإن خفضت أتبعت من فأعربته ، فذلك حكمة علـى ما وصفنا مع النكرات ، فأما إذا كانت الصلة معرفة ، كان الفصيح من الكلام الإتبـاع ، كما قـيـل : { فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ } [ النساء : 155 ] والرفع جائز فـي العربـية . وبنـحو ما قلنا فـي قوله : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } قال جماعة من أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة فـي قوله : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } يقول : فبرحمة من الله لنت لهم . وأما قوله : { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } فإنه يعنـي بـالفظّ : الـجافـي ، وبـالغلـيظ القلب : القاسي القلب غير ذي رحمة ولا رأفة ، وكذلك صفته صلى الله عليه وسلم ، كما وصفه الله : { بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة : 128 ] فتأويـل الكلام : فبرحمة الله يا مـحمد ورأفته بك ، وبـمن آمن بك من أصحابك ، لنت لهم لتبَّـاعك وأصحابك فسهلت لهم خلائقك ، وحسنت لهم أخلاقك ، حتـى احتـملت أذى من نالك منهم أذاه ، وعفوت عن ذي الـجرم منهم جرمه ، وأغضبت عن كثـير مـمن لو جفوت به ، وأغلظت علـيه ، لتركك ففـارقك ، ولـم يتبعك ، ولا ما بعثت به من الرحمة ، ولكن الله رحمهم ورحمك معهم ، فبرحمة من الله لنت لهم . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } : إي والله ، لطهره الله من الفظاظة والغلظة ، وجعله قريباً رحيماً بالمؤمنـين رؤوفاً . وذكر لنا أن نعت محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة : « ليس بفظّ ولا غليظ ولا صخوب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو ويصفح » . حُدثت عن عمار ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربيع ، بنحوه . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق فـي قوله : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } قال : ذكر لـينه لهم ، وصبره علـيهم لضعفهم ، وقلة صبرهم علـى الغلظة لو كانت منه فـي كل ما خالفوا فـيه مـما افترض علـيهم من طاعة نبـيهم . وأما قوله : { لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } فإنه يعنـي : لتفرّقوا عنك . كما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عبـاس : قوله : { لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } قال : انصرفوا عنك . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } أي لتركوك . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكّلِينَ } . يعني تعالـى ذكره بقوله : { فَٱعْفُ عَنْهُمْ } : فتجاوز يا مـحمد عن تُبَّاعك وأصحابك من الـمؤمنين بك ، وبـما جئت به من عندي ، ما نالك من أذاهم ، ومكروه فـي نفسك . { وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ } وادع ربك لهم بـالـمغفرة لـما أتوا من جرم ، واستـحقوا علـيه عقوبة منه . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { فَٱعْفُ عَنْهُمْ } : أي فتـجاوز عنهم ، { وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ } ذنوب من قارف من أهل الإيـمان منهم . ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي من أجله أمر تعالـى ذكره نبـيه صلى الله عليه وسلم أن يشاورهم ، وما الـمعنى الذي أمره أن يشاورهم فـيه ؟ فقال بعضهم : أمر الله نبـيه صلى الله عليه وسلم بقوله : { وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلأَمْرِ } بـمشاورة أصحابه فـي مكايد الـحرب وعند لقاء العدوّ ، تطيـيبـاً منه بذلك أنفسهم ، وتألفـاً لهم علـى دينهم ، ولـيروا أنه يسمع منهم ويستعين بهم ، وإن كان الله عزّ وجلّ قد أغناه بتدبـيره له أموره وسياسته إياه وتقويـمه أسبـابه عنهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكّلِينَ } أمر الله عزّ وجلّ نبـيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه فـي الأمور ، وهو يأتـيه وحي السماء ، لأنه أطيب لأنفس القوم ، وإن القوم إذا شاور بعضهم بعضاً ، وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم علـى أرشده . حُدثت عن عمار ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع : { وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلأَمْرِ } قال : أمر الله نبـيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه فـي الأمور ، وهو يأتـيه الوحي من السماء لأنه أطيب لأنفسهم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلأَْمْرِ } : أي لتريهم أنك تسمع منهم وتستعين بهم وإن كنت عنهم غنـياً ، تؤلفهم بذلك علـى دينهم . وقال آخرون : بل أمره بذلك فـي ذلك ، وإن كان له الرأي وأصوب الأمور فـي التدبـير ، لـما علـم فـي الـمشورة تعالـى ذكره من الفضل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن سلـمة بن نبـيط ، عن الضحاك بن مزاحم ، قوله : { وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلأَمْرِ } قال : ما أمر الله عزّ وجلّ نبـيه صلى الله عليه وسلم بـالـمشورة إلا لـما علـم فـيها من الفضل . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا معتـمر بن سلـيـمان ، عن إياس بن دغفل ، عن الـحسن : ما شاور قوم قط ، إلا هدوا لأرشد أمورهم . وقال آخرون : إنـما أمره الله بـمشاورة أصحابه فـيـما أمره بـمشاورتهم فـيه ، مع إغنائه بتقويـمه إياه ، وتدبـيره أسبـابه عن آرائهم ، لـيتبعه الـمؤمنون من بعده ، فـيـما حزبهم من أمر دينهم ، ويستنوا بسنته فـي ذلك ، ويحتذوا الـمثال الذي رأوه يفعله فـي حياته من مشاورته فـي أموره مع الـمنزلة التـي هو بها من الله أصحابه وتبـاعه فـي الأمر ، ينزل بهم من أمر دينهم ودنـياهم ، فـيتشاوروا بـينهم ، ثم يصدروا عما اجتـمع علـيه ملؤهم لأن الـمؤمنـين إذا تشاوروا فـي أمور دينهم متبعين الـحقّ فـي ذلك ، لـم يخـلهم الله عزّ وجلّ من لطفه ، وتوفـيقه للصواب من الرأي والقول فـيه . قالوا : وذلك نظير قوله عزّ وجل الذي مدح به أهل الإيـمان : { وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ } [ الشورى : 38 ] . ذكر من قال ذلك : حدثنا سوار بن عبد الله العنبري ، قال : قال سفـيان بن عيـينة فـي قوله : { وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلأَمْرِ } قال : هي للـمؤمنـين أن يتشاوروا فـيـما لـم يأتهم عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـيه أثر . قال أبو جعفر : وأولـى الأقوال بـالصواب فـي ذلك أن يقال : إن الله عزّ وجلّ أمر نبـيه صلى الله عليه وسلم وسلـم بـمشاورة أصحابه ، فـيـما حزبه من أمر عدوّه ومكايد حربه ، تألفـاً منه بذلك من لـم تكن بصيرته بـالإسلام البصيرة التـي يؤمن علـيه معها فتنة الشيطان ، وتعريفـاً منه أمته ما فـي الأمور التـي تـحزبهم من بعده ومطلبها ، لـيقتدوا به فـي ذلك عند النوازل التـي تنزل بهم ، فـيتشاوروا فـيـما بـينهم ، كما كانوا يرونه فـي حياته صلى الله عليه وسلم يفعله . فأما النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فإن الله كان يعرّفه مطالب وجوه ما حزبه من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه صواب ذلك . وأما أمته ، فإنهم إذا تشاوروا مستنـين بفعله فـي ذلك علـى تصادق وتأخّ للـحقّ وإرادة جميعهم للصواب ، من غير ميـل إلـى هوى ، ولا حيد عن هدى فـالله مسدّدهم وموفقهم . وأما قوله : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } فإنه يعنـي : فإذا صحّ عزمك بتثبـيتنا إياك وتسديدنا لك فـيـما نابك وحزبك من أمر دينك ودنـياك ، فـامض لـما أمرناك به علـى ما أمرناك به ، وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به علـيك أو خالفها ، وتوكل فـيـما تأتـي من أمورك وتدع وتـحاول أو تزاول علـى ربك ، فثق به فـي كل ذلك ، وارض بقضائه فـي جميعه دون آراء سائر خـلقه ومعونتهم ، فإن الله يحبّ الـمتوكلـين ، وهم الراضون بقضائه ، والـمستسلـمون لـحكمه فـيهم ، وافق ذلك منهم هوى أو خالفه . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكّلِينَ } فإذا عزمت : أي علـى أمر جاءك منـي ، أو أمر من دينك فـي جهاد عدوّك ، لا يصلـحك ولا يصلـحهم إلا ذلك ، فـامض علـى ما أمرت به ، علـى خلاف من خالفك ، وموافقة من وافقك ، وتوكل علـى الله : أي ارض به من العبـاد ، إن الله يحبّ الـمتوكلـين . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } أمر الله نبـيه صلى الله عليه وسلم ، إذا عزم علـى أمر أن يـمضي فـيه ، ويستقـيـم علـى أمر الله ، ويتوكل علـى الله . حُدثت عن عمار ، عن ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قوله : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } … الآية ، أمره الله إذا عزم علـى أمر أن يـمضي فـيه ويتوكل علـيه .