Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 181-182)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكر أن هذه الآية وآيات بعدها نزلت في بعض اليهود ، الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر الآثار بذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يونس بن بكير ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثنا محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أنه حدثه ، عن ابن عباس ، قال : دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بيت الـمدارس ، فوجد من يهود ناساً كثيراً قد اجتـمعوا إلـى رجل منهم يقال له فنحاص ، كان من علمائهم وأحبارهم ، ومعه حبر يقال له : أشيع . فقال أبو بكر رضي الله عنه لفنحاص : ويحك يا فنـحاص ، اتق الله وأسلـم ! فوالله إنك لتعلـم أن مـحمداً رسول الله ، قد جاءكم بـالـحق من عند الله ، تـجدونه مكتوبـاً عندكم فـي التوراة والإنـجيـل ! قال فنـحاص : والله يا أبـا بكر ما بنا إلـى الله من فقر ، وإنه إلـينا لفقـير ، وما نتضرع إلـيه كما يتضرع إلـينا ، وإنا عنه لأغنـياء ، ولو كان عنا غنـياً ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ، ينهاكم عن الربـا ويعطيناه ، ولو كان غنـياً عنا ما أعطانا الربـا . فغضب أبو بكر ، فضرب وجه فنـحاص ضربة شديدة ، وقال : والذي نفسي بـيده ، لولا العهد الذي بـيننا وبـينك لضربت عنقك يا عدو الله ، فأكذبونا ما استطعتـم إن كنتـم صادقـين ! فذهب فنـحاص إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا مـحمد انظر ما صنع بـي صاحبك ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبـي بكر : " ما حَمَلَكَ علـى ما صَنَعْتَ ؟ " فقال : يا رسول الله إن عدو الله قال قولاً عظيـماً ، زعم أن الله فقـير ، وأنهم عنه أغنـياء ، فلـما قال ذلك غضبت لله مـما قال ، فضربت وجهه . فجحد ذلك فنـحاص ، وقال : ما قلت ذلك . فأنزل الله تبـارك وتعالـى فـيـما قال فنـحاص ردّاً علـيه وتصديقاً لأبـي بكر : { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ ٱلْحْرِيقِ } وفـي قول أبـي بكر وما بلغه فـي ذلك من الغضب : { لَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } [ آل عمران : 186 ] . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن مـحمد بن أبـي مـحمد ، مولـى زيد بن ثابت ، عن عكرمة مولـى ابن عبـاس ، قال : دخـل أبو بكر ، فذكر نـحوه ، غير أنه قال : وإنا عنه لأغنـياء ، وما هو عنا بغنـيّ ، ولو كان غنـياً ثم ذكر سائر الـحديث نـحوه . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السدي : { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } قالها فنـحاص الـيهودي من بنـي مرثد ، لقـيه أبو بكر فكلـمه ، فقال له : يا فنـحاص ، اتق الله وآمن وصدق ، وأقرض الله قرضاً حسناً ! فقال فنـحاص : يا أبـا بكر ، تزعم أن ربنا فقـير ، يستقرضنا أموالنا ، وما يستقرض إلا الفقـير من الغنـي ، إن كان ما تقول حقاً ، فإن الله إذاً لفقـير . فأنزل الله عزّ وجلّ هذا ، فقال أبو بكر : فلولا هدنة كانت بـين النبـيّ صلى الله عليه وسلم وبـين بنـي مرثد لقتلته . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قال : صكّ أبو بكر رجلاً منهم الذين قالوا : إن الله فقـير ونـحن أغنـياء لـمَ يستقرضنا وهو غنـيّ وهم يهود . حدثنا الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، قال الذين قالوا : إن الله فقـير ونـحن أغنـياء ، لـم يستقرضنا وهو غنـيّ ؟ قال شبل : بلغنـي أنه فنـحاص الـيهودي ، وهو الذي قال : إن الله ثالث ثلاثة ، ويد الله مغلولة . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنـي يحيـى بن واضح ، قال : حدثت عن عطاء ، عن الـحسن ، قال : لـما نزلت : { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } قالت الـيهود : إن ربكم يستقرض منكمٰ فأنزل الله : { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن الـحسن البصري ، قال : لـما نزلت : { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } [ البقرة : 245 ] قال : عجبت الـيهود فقالت : إن الله فقـير يستقرض ، فنزلت : { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } ذكر لنا أنها نزلت فـي حيـي بن أخطب لـما أنزل الله : { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } [ البقرة : 245 ] قال : يستقرضنا ربنا ، إنـما يستقرض الفقـير الغنـيّ . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبر نا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : لـما نزلت : { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } [ البقرة : 245 ] قالت الـيهود : إنـما يستقرض الفقـير من الغنـيّ ، قال : فأنزل الله : { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول فـي قوله : { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } قال : هؤلاء الـيهود . فتأويـل الآية إذاً : لقد سمع الله قول الذين قالوا من الـيهود : إن الله فقـير إلـينا ونـحن أغنـياء عنه ، سنكتب ما قالوا من الإفك والفرية علـى ربهم وقتلهم أنبـياءهم بغير حقّ . واختلفت القراء فـي قراءة قوله : { سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ } فقرأ ذلك قراء الـحجاز وعامة قراء العراق : { سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ } بـالنون ، { وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } بنصب القتل . وقرأ ذلك بعض قراء الكوفـيـين : « سَيُكْتَبُ ما قالُوا وَقَتْلُهُمُ الأنْبِـيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ » بـالـياء من سيكتب ، وبضمها ورفع القتل علـى مذهب ما لـم يسمّ فـاعله ، اعتبـاراً بقراءة يذكر أنها من قراءة عبد الله فـي قوله : « ونقول ذوقوا » ، يذكر أنها فـي قراءة عبد الله : « ويقال » فأغفل قارىء ذلك وجه الصواب فـيـما قصد إلـيه من تأويـل القراءة التـي تنسب إلـى عبد الله ، وخالف الـحجة من قراء الإسلام . وذلك أن الذي ينبغي لـمن قرأ : « سيُكْتَبُ ما قالوا وَقَتْلُهُمُ الأنْبِـياء » علـى وجه ما لـم يسمّ فـاعله ، أن يقرأ : ويقال ، لأن قوله : « ونقول » عطف علـى قوله : « سنكتب » . فـالصواب من القراءة أن يوفق بـينهما فـي الـمعنى بأن يقرأ جميعاً علـى مذهب ما لـم يسمّ فـاعله ، أو علـى مذهب ما يسمى فـاعله ، فأما أن يقرأ أحدهما علـى مذهب ما لـم يسمّ فـاعله ، والآخر علـى وجه ما قد سمي فـاعله من غير معنى ألـجأه علـى ذلك ، فـاختـيار خارج عن الفصيح من كلام العرب . والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا : { سَنَكْتُبُ } بـالنون { وَقَتْلِهِمُ } بـالنصب لقوله : « ونقول » ، ولو كانت القراءة فـي « سَيُكْتَبُ » بـالـياء وضمها ، لقـيـل : « ويقال » ، علـى ما قد بـينا . فإن قال قائل : كيف قـيـل : { وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } وقد ذكرت الآثار التـي رويت ، أن الذين عنوا بقوله : { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ } بعض الـيهود الذين كانوا علـى عهد نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم ، ولـم يكن من أولئك أحد قتل نبـياً من الأنبـياء ، لأنهم لـم يدركوا نبـياً من أنبـياء الله فـيقتلوه ؟ قـيـل : إن معنى ذلك علـى غير الوجه الذي ذهبت إلـيه ، وإنـما قـيـل ذلك كذلك لأن الذين عنى الله تبـارك وتعالـى بهذه الآية كانوا راضين بـما فعل أوائلهم من قتل من قتلوا من الأنبـياء ، وكانوا منهم ، وعلـى منهاجهم ، من استـحلال ذلك واستـجازته . فأضاف جلّ ثناؤه فعل ما فعله من كانوا علـى منهاجه وطريقته إلـى جميعهم ، إذ كانوا أهل ملة واحدة ، ونـحلة واحدة ، وبـالرضا من جميعهم فعل ما فعل فـاعل ذلك منهم علـى ما بـينا من نظائره فـيـما مضى قبل . القول فـي تأويـل قوله : { وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } . يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : ونقول للقائلـين بأن الله فقـير ونـحن أغنـياء ، القاتلـين أنبـياء الله بغير حقّ يوم القـيامة : ذوقوا عذاب الـحريق ، يعنـي بذلك : عذاب نار مـحرقة ملتهبة ، والنار اسم جامع للـملتهبة منها وغير الـملتهبة ، وإنـما الـحريق صفة لها ، يراد أنها مـحرقة ، كما قـيـل : « عَذَاب ألِـيـمٌ » يعنـي : مؤلـم ، و « وجيع » يعنـي : موجع . وأما قوله : { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } : أي قولنا لهم يوم القـيامة : ذوقوا عذاب الـحريق بـما أسلفت أيديكم ، واكتسبتها أيام حياتكم فـي الدنـيا ، وبأن الله عدل لا يجور ، فـيعاقب عبداً له بغير استـحقاق منه العقوبة ، ولكنه يجازي كلّ نفس بـما كسبت ، ويوفـي كل عامل جزاء ما عمل ، فجازى الذين قال لهم يوم القـيامة من الـيهود الذين وصف صفتهم ، فأخبر عنهم أنهم قالوا : إن الله فقـير ونـحن أغنـياء ، وقتلوا الأنبـياء بغير حقّ ، بـما جازاهم به من عذاب الـحريق ، بـما اكتسبوا من الآثام ، واجترحوا من السيئات ، وكذبوا علـى الله بعد الإعذار إلـيهم بـالإنذار ، فلـم يكن تعالـى ذكره بـما عاقبهم به من إذاقتهم عذاب الـحريق ظالـماً ولا واضعاً عقوبته فـي غير أهلها ، وكذلك هو جلّ ثناؤه غير ظلام أحداً من خـلقه ، ولكنه العادل بـينهم ، والـمتفضل علـى جميعهم بـما أحبّ من فواضله ونعمه .