Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 200-200)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : اصبروا علـى دينكم ، وصابروا الكفـار ورابطوهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا الـمثنى ، قال : ثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن الـمبـارك ، عن الـمبـارك بن فضالة ، عن الـحسن أنه سمعه يقول فـي قول الله : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ } قال : أمرهم أن يصبروا علـى دينهم ، ولا يدعوه لشدّة ولا رخاء ، ولا سرّاء ولا ضرّاء ، وأمرهم أن يصابروا الكفـار ، وأن يرابطوا الـمشركين . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ } : أي اصبروا علـى طاعة الله ، وصابروا أهل الضلالة ، ورابطوا فـي سبـيـل الله ، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، فـي قوله : { ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ } يقول : صابروا الـمشركين ، ورابطوا فـي سبـيـل الله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج : { ٱصْبِرُواْ } علـى الطاعة ، { وَصَابِرُواْ } أعداء الله ، { وَرَابِطُواْ } فـي سبـيـل الله . حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك فـي قوله : { ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ } قال : اصبروا علـى ما أمرتـم به ، وصابروا العدوّ ورابطوهم . وقال آخرون : معنى ذلك : اصبروا علـى دينكم ، وصابروا وعدي إياكم علـى طاعتكم لـي ، ورابطوا أعداءكم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنـي أبو صخر ، عن مـحمد بن كعب القرظي ، أنه كان يقول فـي هذه الآية : { ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ } يقول : اصبروا علـى دينكم ، وصابروا الوعد الذي وعدتكم ، ورابطوا عدوّي وعدوّكم ، حتـى يترك دينه لدينكم . وقال آخرون : معنى ذلك : اصبروا علـى الـجهاد ، وصابروا عدوّكم ورابطوهم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا جعفر بن عون ، قال : أخبرنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلـم فـي قوله : { ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ } قال : اصبروا علـى الـجهاد ، وصابروا عدوّكم ، ورابطوا علـى عدوّكم . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا مطرف بن عبد الله الـمرّي ، قال : ثنا مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلـم ، قال : كتب أبو عبـيدة بن الـجراح إلـى عمر بن الـخطاب ، فذكر له جموعاً من الروم وما يتـخوّف منهم ، فكتب إلـيه عمر : أما بعد ، فإنه مهما نزل بعبد مؤمن منزلة شدة يجعل الله بعدها فرجاً ، وإنه لن يغلب عسر يسرين ، وإن الله يقول فـي كتابه : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } . وقال آخرون : معنى : { وَرَابِطُواْ } : أي رابطوا علـى الصلوات : أي انتظروها واحدة بعد واحدة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن الـمبـارك ، عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبـير ، قال : ثنـي داود بن صالـح ، قال : قال لـي أبو سلـمة بن عبد الرحمن : يا ابن أخي هل تدري فـي أيّ شيء نزلت هذه الآية { ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ } ؟ قال : قلت لا . قال : إنه يا ابن أخي لـم يكن فـي زمان النبـيّ صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فـيه ، ولكنه انتظار الصلاة خـلف الصلاة . حدثنـي أبو السائب ، قال : ثنا ابن فضيـل ، عن عبد الله بن سعيد الـمقبري ، عن جدّه ، عن شرحبـيـل عن علـيّ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أدُلُّكُمْ علـى ما يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ الذُّنُوبَ والـخَطايا ؟ إسْبـاغُ الوُضُوءِ علـى الـمَكارِهِ ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ ، فَذَلِكَ الرّبـاطُ " حدثنا موسى بن سهل الرملي ، قال : ثنا يحيـى بن واضح ، قال : ثنا محمد بن مهاجر ، قال : ثنـي يحيى بن زيد ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن شرحبيل ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أدُلكُمْ على ما يَمْحُو اللَّهَ بِهِ الخطايا ويُكَفِّرُ بِهِ الذُّنُوبَ ؟ " قال : قلنا بلى يا رسول الله ! قال : " إسْباغُ الوضُوءِ فِـي أماكِنِها ، وكَثْرَةُ الخَطا إلـى الـمَساجِدِ ، وَانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ ، فَذَلِكُمُ الرّبـاطُ " حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا خالد بن مخـلد ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبـيه ، عن أبـي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أدُلُّكُمْ علـى ما يَحُطُّ اللَّهُ بِهِ الـخَطايا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجاتِ ؟ " قالوا : بلـى يا رسول الله . قال : " إسْبـاغُ الُوضُوءِ عِنْدَ الـمَكارِهِ ، وكَثْرَةُ الـخُطا إلـى الـمَساجِدِ ، وَانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ ، فَذَلِكُمُ الرّبـاطُ فَذَلِكُمُ الرّبـاط " حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا إسماعيـل بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبـيه ، عن أبـي هريرة ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، بنـحوه . وأولـى التأويلات بتأويـل الآية ، قول من قال فـي ذلك : { يا أيُّها ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله ، اصبروا علـى دينكم ، وطاعة ربكم ، وذلك أن الله لـم يخصص من معانـي الصبر علـى الدين والطاعة شيئاً فـيجوز إخراجه من ظاهر التنزيـل . فلذلك قلنا إنه عنى بقوله : { ٱصْبِرُواْ } الأمر بـالصبر علـى جميع معانـي طاعة الله فـيـما أمر ونهى ، صعبها وشديدها ، وسهلها وخفـيفها . { وَصَابِرُواْ } يعنـي : وصابروا أعداءكم من الـمشركين . وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب ، لأن الـمعروف من كلام العرب فـي الـمفـاعلة ، أن تكون من فريقـين ، أو اثنـين فصاعداً ، ولا تكون من واحد إلا قلـيلاً فـي أحرف معدودة ، وإذ كان ذلك كذلك ، فإنـما أمر الـمؤمنون أن يصابروا غيرهم من أعدائهم ، حتـى يظفرهم الله بهم ، ويعلـي كلـمته ، ويخزي أعداءهم ، وأن لا يكن عدوّهم أصبر منهم . وكذلك قوله { وَرَابِطُواْ } معناه : ورابطوا أعداءكم وأعداء دينكم من أهل الشرك فـي سبـيـل الله . وأرى أنّ أصل الربـاط : ارتبـاط الـخيـل للعدوّ ، كما ارتبط عدوّهم لهم خيـلهم ، ثم استعمل ذلك فـي كل مقـيـم فـي ثغر ، يدفع عمن وراءه من أراده من أعدائهم بسوء ، ويحمي عنهم من بـينه وبـينهم ، مـمن بغاهم بشرّ كان ذا خيـل قد ارتبطها ، أو ذا رُجْلة لا مركب له . وإنـما قلنا : معنى { وَرَابِطُواْ } : ورابطوا أعداءكم وأعداء دينكم ، لأن ذلك هو الـمعنى الـمعروف من معانـي الربـاط . وإنـما توجه الكلام إلـى الأغلب الـمعروف فـي استعمال الناس من معانـيه دون الـخفـيّ ، حتـى يأتـي بخلاف ذلك ما يوجب صرفه إلـى الـخفـيّ من معانـيه حجةٌ يجب التسلـيـم لها من كتاب أو خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو إجماع من أهل التأويـل . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } . يعنـي بذلك تعالـى ذكره : واتقوا الله أيها الـمؤمنون ، واحذروه أن تـخالفوا أمره ، أو تتقدّموا نهيه ، { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } يقول : لتفلـحوا فتبقوا فـي نعيـم الأبد ، وتنـجحوا فـي طلبـاتكم عنده . كما : حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنـي أبو صخر ، عن مـحمد بن كعب القرظي أنه كان يقول فـي قوله : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } : واتقوا الله فـيـما بـينـي وبـينكم لعلكم تفلـحون غداً إذا لقـيتـمونـي .