Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 59-59)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي جل ثناؤه : إن شبه عيسى فـي خـلقـي إياه من غير فحل فأخبرْ به يا مـحمد الوفد من نصارى نـجران عندي كشبه آدم الذي خـلقته من تراب ، ثم قلت له كن فكان ، من غير فحل ، ولا ذكر ، ولا أنثى . يقول : فلـيس خـلقـي عيسى من أمه من غير فحل ، بأعجب من خـلقـي آدم من غير ذكر ولا أنثى ، فكان لـحماً ، يقول : وأمري إذ أمرته أن يكون فكان ، فكذلك خـلقـي عيسى أمرته أن يكون فكان . وذكر أهل التأويـل أن الله عزّ وجلّ أنزل هذه الآية احتـجاجاً لنبـيه صلى الله عليه وسلم علـى الوفد من نصارى نـجران الذين حاجوه فـي عيسى . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن عامر ، قال : كان أهل نـجران أعظم قوم من النصارى فـي عيسى قولاً ، فكانوا يجادلون النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية فـي سورة آل عمران : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } إلـى قوله : { فَنَجْعَلْ لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَـٰذِبِينَ } [ آل عمران : 61 ] . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } ، وذلك أن رهطاً من أهل نـجران قدموا علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم ، وكان فـيهم السيد والعاقب ، فقالوا لـمـحمد : ما شأنك تذكر صاحبنا ؟ فقال : " « مَنْ هُوَ ؟ » قالوا : عيسى ، تزعم أنه عبد الله ، فقال مـحمد : « أجَلْ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ » . قالوا له : فهل رأيت مثل عيسى ، أو أنبئت به ؟ ثم خرجوا من عنده ، فجاءه جبريـل صلى الله عليه وسلم بأمر ربنا السميع العلـيـم ، فقال : قل لهم إذا أتوك : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ } " … إلـى آخر الآية . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } : ذكر لنا أن سيدي أهل نـجران وأسقـفـيهم ، السيد والعاقب ، لقـيا نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم ، فسألاه عن عيسى ؟ فقالا : كل آدميّ له أب فما شأن عيسى لا أب له ؟ فأنزل الله عزّ وجلّ فـيه هذه الآية : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } لـما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسمع به أهل نـجران ، أتاه منهم أربعة نفر من خيارهم ، منهم : العاقب ، والسيد ، وماسرجس ، وماريحز ، فسألوه ما يقول فـي عيسى ؟ فقال : " هو عبد الله وروحه وكلـمته " ، قالوا هم : لا ، ولكنه هو الله ، نزل من ملكه ، فدخـل فـي جوف مريـم ، ثم خرج منها فأرانا قدرته وأمره ، فهل رأيت قط إنساناً خـلق من غير أب ؟ فأنزل الله عزّ وجلّ : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريح ، عن عكرمة ، قوله : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } . قال : نزلت فـي العاقب والسيد من أهل نـجران ، وهما نصرانـيان . قال ابن جريج : بلغنا أن نصارى أهل نـجران قدم وفدهم علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فـيهم السيد والعاقب ، وهما يومئذٍ سيدا أهل نـجران ، فقالوا : يا مـحمد فـيـم تشتـم صاحبنا ؟ قال : " مَنْ صَاحِبُكُما ؟ " قالا : عيسى ابن مريـم ، تزعم أنه عبد . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أجَلْ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَكَلِـمَتُهُ ألْقاهَا إِلـى مَرْيَـمَ وَرُوحٌ مِنْهُ " ، فغضبوا وقالوا : إن كنت صادقاً ، فأرنا عبداً يحيـي الـموتـى ، ويبرىء الأكمه ، ويخـلق من الطين كهيئة الطير ، فـينفخ فـيه ، الآية … لكنه الله ! فسكت حتـى أتاه جبريـل ، فقال : يا مـحمد { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } [ المائدة : 17 ] … الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا جِبْرِيـلُ إِنَّهُمْ سألُونِـي أنْ أُخْبِرَهُمْ بِـمَثَلِ عِيسَى " قال جبريـل : مثل عيسى كمثل آدم خـلقه من تراب ثم قال له كن فـيكون . فلـما أصبحوا عادوا ، فقرأ علـيهم الآيات . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ } فـاسمع ! { كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكَ فَلاَ تَكُنْ مّن ٱلْمُمْتَرِينَ } . فإن قالوا : خـلق عيسى من غير ذكر ، فقد خـلقت آدم من تراب بتلك القدرة ، من غير أنثى ولا ذكر فكان كما كان عيسى لـحماً ودماً وشعراً وبشراً ، فلـيس خـلق عيسى من غير ذكر بأعجب من هذا . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قول الله عزّ وجلّ { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِنْدَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } قال : أتـى نـجرانـيان إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا له : هل علـمت أن أحداً ولد من غير ذكر فـيكون عيسى كذلك ؟ قال : فأنزل الله عزّ وجلّ : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } أكان لآدم أب أو أم ، كما خـلقت هذا فـي بطن هذه ؟ فإن قال قائل : فكيف قال : « كمثل آدم خـلقه » ، وآدم معرفة ، والـمعارف لا توصل ؟ قـيـل : إن قوله : { خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } غير صلة لآدم ، وإنـما هو بـيان عن أمره علـى وجه التفسير عن الـمثل الذي ضربه وكيف كان . وأما قوله : { ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } فإنـما قال : « فـيكون » ، وقد ابتدأ الـخبر عن خـلق آدم ، وذلك خبر عن أمر قد تقضى ، وقد أخرج الـخبر عنه مخرج الـخبر عما قد مضى ، فقال جل ثناؤه : { خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن } ، لأنه بـمعنى الإعلام من الله نبـيه أن تكوينه الأشياء بقوله : { كُنَّ } ، ثم قال : « فـيكون » خبراً مبتدأ ، وقد تناهى الـخبر عن أمر آدم عند قوله : « كن » . فتأويـل الكلام إذاً : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ، خـلقه من تراب ، ثم قال له كن واعلـم يا مـحمد أن ما قال له ربك : كن ، فهو كائن . فلـما كان فـي قوله : { كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن } دلالة علـى أن الكلام يراد به إعلام نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم وسائر خـلقه أنه كائن ما كوّنه ابتداء من غير أصل ولا أول ولا عنصر ، استغنى بدلالة الكلام علـى الـمعنى ، وقـيـل : فـيكون ، فعطف بـالـمستقبل علـى الـماضي علـى ذلك الـمعنى . وقد قال بعض أهل العربـية : فـيكون رفع علـى الابتداء ومعناه : كن فكان ، فكأنه قال : فإذا هو كائن .