Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 64-64)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : قل يا مـحمد لأهل الكتاب وهم أهل التوراة والإنـجيـل ـ : { تَعَالَوْاْ } هلـمّوا { إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاء } يعنـي إلـى كلـمة عدل { بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } والكلـمة العدل : هي أن نوحد الله فلا نعبد غيره ، ونبرأ من كل معبود سواه فلا نشرك به شيئاً . وقوله : { وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا } يقول : ولا يدين بعضنا لبعض بـالطاعة فـيـما أمر به من معاصي الله ، ويعظمه بـالسجود له ، كما يسجد لربه . { فَإِن تَوَلَّوْاْ } يقول : فإن أعرضوا عما دعوتهم إلـيه من الكلـمة السواء التـي أمرتك بدعائهم إلـيها ، فلـم يجيبوك إلـيها ، فقولوا أيها الـمؤمنون للـمتولـين عن ذلك : اشهدوا بأنا مسلـمون . واختلف أهل التأويـل فـيـمن نزلت فـيه هذه الآية ، فقال بعضهم : نزلت فـي يهود بنـي إسرائيـل الذين كانوا حوالـي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم دعا يهود أهل الـمدينة إلـى الكلـمة السواء ، وهم الذين حاجوا فـي إبراهيـم . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قال : ذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم دعا الـيهود إلـى كلـمة السواء . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : بلغنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم دعا يهود أهل الـمدينة إلـى ذلك ، فأبوا علـيه ، فجاهدهم ، قال : دعاهم إلـى قول الله عزّ وجلّ : { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } … الآية . وقال آخرون : بل نزلت فـي الوفد من نصارى نـجران . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير : { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } … الآية ، إلـى قوله : { فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } قال : فدعاهم إلـى النَّصَف ، وقطع عنهم الـحجة يعنـي وفد نـجران . حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السدي ، قال : ثم دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنـي الوفد من نصارى نـجران فقال : { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } … الآية . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثنا ابن زيد ، قال : قال : يعنـي جل ثناؤه : { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ } فـي عِيسَى علـى ما قد بـيناه فـيـما مضى قال : { فَأَبَوْاْ } ، يعنـي الوفد من نـجران ، فقال : ادعهم إلـى أيسر من هذا ، { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } . فقرأ حتـى بلغ : { أَرْبَابًا مِنْ دُونِ ٱللَّهِ } فأبوا أن يقبلوا هذا ولا الآخر . وإنـما قلنا : عنى بقوله : { يا أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } : أهل الكتابـين ، لأنهما جميعاً من أهل الكتاب ، ولـم يخصص جلّ ثناؤه بقوله : { يا أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } بَعْضاً دون بعض ، فلـيس بأن يكون موجهاً ذلك إلـى أنه مقصود به أهل التوراة بأولـى منه ، بأن يكون موجهاً إلـى أنه مقصود به أهل الإنـجيـل ، ولا أهل الإنـجيـل بأولـى أن يكونوا مقصودين به دون غيرهم من أهل التوارة . وإذ لـم يكن أحد الفريقـين بذلك بأولـى من الآخر ، لأنه لا دلالة علـى أنه الـمخصوص بذلك من الآخر ، ولا أثر صحيح ، فـالواجب أن يكون كل كتابـي معنـياً به ، لأن إفراد العبـادة لله وحده ، وإخلاص التوحيد له ، واجب علـى كل مأمور منهيّ من خـلق الله ، وأهل الكتاب يعمّ أهل التوراة وأهل الإنـجيـل ، فكان معلوماً بذلك أنه عنـي به الفريقان جميعاً . وأما تأويـل قوله : { تَعَالَوْاْ } فإنه : أقبلوا وهلـمّوا ، وإنـما هو تفـاعلوا من العلوّ ، فكأن القائل لصاحبه : تعالـى إلـيّ ، فإنه تفـاعل من العلوّ ، كما يقال : تدان منـي من الدنوّ ، وتقاربْ منـي من القرب . وقوله : { إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ } فإنها الكلـمة العدل ، و « السواء » : من نعت « الكلـمة » . وقد اختلف أهل العربية فـي وجه إتبـاع سواء فـي الإعراب لكلمة ، وهو اسم لا صفة ، فقال بعض نحويي البصرة : جرّ سواء لأنها من صفة الكلمة : وهي العدل ، وأراد مستوية . قال : ولو أراد استواء كان النصب ، وإن شاء أن يجعلها علـى الاستواء ويجرّ جاز ، ويجعله من صفة الكلمة مثل الخلق ، لأن الخلق هو المخلوق ، والخلق قد يكون صفة واسماً ، ويجعل الاستواء مثل الـمستوى ، قال عزّ وجلّ : { ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } [ الحج : 25 ] لأن السواء للآخر وهو اسم لـيس بصفة ، فـيجري علـى الأول وذلك إذا أراد به الاستواء ، فإن أراد به مستوياً جاز أن يجري علـى الأول ، والرفع فـي ذا الـمعنى جيد ، لأنها لا تغيّر عن حالها ، ولا تثنى ، ولا تـجمع ، ولا تؤنث ، فأشبهت الأسماء التـي هي مثل عدل ورضا وجنب ، وما أشبه ذلك . وقال : { أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ } [ الجاثية : 21 ] فـالسواء للـمـحيا والـمـمات بهذا الـمبتدإ . وإن شئت أجريته علـى الأوّل وجعلته صفة مقدمة ، كأنها من سبب الأوّل فجرت علـيه ، وذلك إذا جعلته فـي معنى مستوي ، والرفع وجه الكلام كما فسرت لك . وقال بعض نـحويـي الكوفة : « سواء » مصدر وضع موضع الفعل ، يعنـي موضع متساوية ومتساو ، فمرّة يأتـي عن الفعل ، ومرّة علـى الـمصدر ، وقد يقال فـي سواء بـمعنى عدل : سِوًى وسُوًى ، كما قال جلّ ثناؤه : { مَكَاناً سُوًى } [ طه : 58 ] و « سِوًى » يراد به عدل ونصف بـيننا وبـينك . وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرأ ذلك « إلـى كلـمة عدل بـيننا وبـينكم » . وبـمثل الذي قلنا فـي تأويـل قوله : { إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } بأن السواء : هو العدل ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } : عدل بـيننا وبـينكم { أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ } … الآية . حدثنا الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، فـي قوله : { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً } بـمثله . وقال آخرون : هو قول لا إلٰه إلا الله . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قال : قال أبو العالـية : كلـمة السواء : لا إلٰه إلاّ الله . وأما قوله : { أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ } فإنَّ « أنْ » فـي موضع خفض علـى معنى : تعالوا إلـى أن لا نعبد إلا الله ، وقد بـينا معنى العبـادة فـي كلام العرب فـيـما مضى ، ودللنا علـى الصحيح من معانـيه بـما أغنى عن إعادته . وأما قوله : { وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا } فإنَّ اتـخاذ بعضهم بعضاً ، هو ما كان بطاعة الأتبـاع الرؤساء فـيـما أمروهم به من معاصي الله وتركهم ما نهوهم عنه من طاعة الله ، كما قال جل ثناؤه : { ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـٰهاً وٰحِداً } [ التوبة : 31 ] . كما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، قال : قال ابن جريج : { وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ ٱللَّهِ } يقول : لا يطع بعضنا بعضاً فـي معصية الله ، ويقال : إن تلك الربوبـية أن يطيع الناس سادتهم وقادتهم فـي غير عبـادة ، وإن لـم يُصَلُّوا لهم . وقال آخرون : اتـخاذ بعضهم بعضاً أربـابـاً : سجود بعضهم لبعض . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا حفص بن عمر ، عن الـحكم بن أبـان ، عن عكرمة فـي قوله : { وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ ٱللَّهِ } قال : سجود بعضهم لبعض . وأما قوله : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } فإنه يعنـي : فإن تولـى الذين تدعونهم إلـى الكلـمة السواء عنها وكفروا ، فقولوا أنتـم أيها الـمؤمنون لهم : اشهدوا علـينا بأنا بـما تولـيتـم عنه من توحيد الله وإخلاص العبودية له ، وأنه الإلٰه الذي لا شريك له مسلـمون ، يعنـي خاضعون لله به متذللون له بـالإقرار بذلك بقلوبنا وألسنتنا ، وقد بـينا معنى الإسلام فـيـما مضى ، ودللنا علـيه بـما أغنى عن إعادته .