Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 77-77)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : إن الذين يستبدلون بتركهم عهد الله الذي عهد إلـيهم ، ووصيته التـي أوصاهم بها فـي الكتب التـي أنزلها الله إلـى أنبـيائه بـاتبـاع مـحمد وتصديقه ، والإقرار به ، وما جاء به من عند الله وبأيـمانهم الكاذبة التـي يستـحلون بها ما حرّم الله علـيهم من أموال الناس التـي اؤتـمنوا علـيها ثمناً ، يعنـي عوضاً وبدلاً خسيساً من عرض الدنـيا وحطامها . { أُوْلَـئِكَ لاَ خَلَـٰقَ لَهُمْ فِى ٱلاْخِرَةِ } يقول : فإن الذين يفعلون ذلك لا حظّ لهم فـي خيرات الآخرة ، ولا نصيب لهم من نعيـم الـجنة ، وما أعدّ الله لأهلها فـيها . دون غيرهم . وقد بـينا اختلاف أهل التأويـل فـيـما مضى فـي معنى الـخلاق ، ودللنا علـى أولـى أقوالهم فـي ذلك بـالصواب بـما فـيه الكفـاية . وأما قوله : { وَلاَ يُكَلّمُهُمُ ٱللَّهُ } فإنه يعنـي : ولا يكلـمهم الله بـما يسرّهم ولا ينظر إلـيهم ، يقول : ولا يعطف علـيهم بخير مقتاً من الله لهم كقول القائل لآخر : انظر إلـيّ نظر الله إلـيك ، بـمعنى : تعطف علـيّ تعطف الله علـيك بخير ورحمة ، وكما يقال للرجل : لا سمع الله لك دعاءك ، يراد : لا استـجاب الله لك ، والله لا يخفـى علـيه خافـية ، وكما قال الشاعر : @ دَعَوْتُ اللَّهَ حتـى خِفْتُ أنْ لا يَكُونَ اللَّهُ يَسْمَعُ ما أقُولُ @@ وقوله { وَلاَ يُزَكّيهِمْ } يعنـي : ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم ، { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يعنـي : ولهم عذاب موجع . واختلف أهل التأويـل فـي السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية ، ومن عنـي بها ؟ فقال بعضهم : نزلت فـي أحبـار من أحبـار الـيهود . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قال : نزلت هذه الآية : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا } فـي أبـي رافع وكنانة بن أبـي الـحقـيق وكعب بن الأشرف وحيـي بن أخطب . وقال آخرون : بل نزلت فـي الأشعث بن قـيس وخصم له . ذكر من قال ذلك : حدثنـي أبو السائب سلـم بن جنادة ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبـي وائل ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ حَلَفَ عَلَـى يَـمِينٍ هُوَ فِـيها فـاجِرٌ لِـيَقْتَطِعَ بِها مالَ امْرِىءٍ مُسْلِـمٍ ، لَقِـيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَـيْهِ غَضْبـانُ " فقال الأشعث بن قـيس : فـيّ والله كان ذلك ، كان بيني وبـين رجل من اليهود أرض ، فجحدني ، فقدمته إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { « ألَكَ بَيِّنَةً » ؟ } قلت : لا ، فقال للـيهوديّ : « احْلِفْ » ! قلت : يا رسول الله إذَنْ يحلف فـيذهب مالـي ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا } " الآية . حدثنا مـجاهد بن موسى قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا جرير بن حازم عن عديّ بن عديّ ، عن رجاء بن حيوة والعُرْس ، أنهما حدثاه ، عن أبيه عديّ بن عميرة ، قال : كان بـين امرىء القيس ورجل من حضرموت خصومة ، فـارتفعا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال للـحضرمي : " بَـيِّنَتَكَ وَإلاَّ فَـيَـمِينُه ! " قال : يا رسول الله إن حلف ذهب بأرضي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ حَلَفَ عَلـى يَـمِينٍ كَاذِبَةٍ لـيَقْتَطِعَ بِها حَقَّ أخِيهِ لَقِـيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَـيْهِ غَضْبـان " فقال امرؤ القـيس : يا رسول الله ، فما لـمن تركها وهو يعلـم أنها حقّ ؟ قال : « الـجنّة » ، قال : فإني أشهدك أنـي قد تركتها . قال جرير : فكنت مع أيوب السختـيانـي حين سمعنا هذا الحديث من عديّ ، فقال أيوب : إنَّ عدياً قال في حديث العرس بن عميرة : فنزلت هذه الآية : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا } … إلى آخر الآية ، قال جرير : ولم أحفظ يومئذ من عديّ . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال آخرون : إن الأشعث بن قـيس اختصم هو ورجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي أرض كانت فـي يده لذلك الرجل أخذها لتعزّزه فـي الـجاهلية ، فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " أقِمْ بَـيِّنَتَك " قال الرجل : لـيس يشهد لـي أحد علـى الأشعث . قال : " فَلَكَ يَـمِينُهُ " فقام الأشعث لـيحلف ، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية ، فنكل الأشعث وقال : إنـي أشهد الله وأشهدكم أن خصمي صادق . فردّ إلـيه أرضه ، وزاده من أرض نفسه زيادة كثـيرة ، مخافة أن يبقـى فـي يده شيء من حقه ، فهي لعقب ذلك الرجل بعده . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن شقـيق ، عن عبد الله ، قال : من حلف علـى يـمين يستـحقّ بها مالاً هو فـيها فـاجر لقـي الله وهو علـيه غضبـان ، ثم أنزل الله تصديق ذلك : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً } الآية … ثم إن الأشعث بن قـيس خرج إلـينا ، فقال : ما حدثكم أبو عبد الرحمن ؟ فحدثناه بـما قال ، فقال : صدق لفـيّ أنزلت ، كانت بـينـي وبـين رجل خصومة فـي بئر ، فـاختصمنا إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " شاهِدَاكَ أوْ يَـمِينُه " فقلت : إذاً يحلف ولا يبـالـي . فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ حَلَفَ عَلَـى يَـمِينٍ يَسْتَـحِقُّ بِها مالاً هُوَ فِـيها فـاجِرٌ لَقِـيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَـيْهِ غَضْبـانُ " ، ثم أنزل الله عزّ وجلّ تصديق ذلك : « إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وأيْـمانِهِمْ ثَمَنا قَلِـيلاً … الآية . وقال آخرون بـما : حدثنا به مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : أخبرنـي داود بن أبـي هند ، عن عامر : أن رجلاً أقام سلعته أوّل النهار ، فلـما كان آخره جاء رجل يساومه ، فحلف لقد منعها أوّل النهار من كذا وكذا ، ولولا الـمساء ما بـاعها به ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { إِنَّ ٱلَّذِى يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً } . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا عبد الأعلـى ، قال : ثنا داود ، عن رجل ، عن مـجاهد ، نـحوه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً } … الآية ، إلـى : { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أنزلهم الله بـمنزلة السحرة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة أن عمران بن حصين كان يقول : من حلف علـى يـمين فـاجرة يقتطع بها مال أخيه فلـيتبوأ مقعده من النار ، فقال له قائل : شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال لهم : إنكم لتـجدون ذلك ، ثم قرأ هذه الآية : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً } … الآية . حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـي ، قال : ثنا حسين بن علـيّ ، عن زائدة ، عن هشام ، قال : قال مـحمد عن عمران بن حصين : من حلف علـى يـمين مصبورة فلـيتبوأ بوجهه مقعده من النار ، ثم قرأ هذه الآية كلها : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا ابن الـمبـارك ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن الـمسيب ، قال : إن الـيـمين الفـاجرة من الكبـائر ، ثم تلا : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً } . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، أن عبد الله بن مسعود ، كان يقول : كنا نرى ونـحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من الذنب الذي لا يغفر يـمين الصبر إذا فجر فـيها صاحبها .