Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 26-27)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : ولله من فـي السموات والأرض من ملك وجنّ وإنس عبـيد وملك { كُلّ لَهُ قانِتُونَ } يقول : كلّ له مطيعون ، فـيقول قائل : وكيف قـيـل { كُلّ لَهُ قانِتُونَ } وقد علـم أن أكثر الإنس والـجنّ له عاصون ؟ فنقول : اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك ، فنذكر اختلافهم ، ثم نبـين الصواب عندنا فـي ذلك من القول ، فقال بعضهم : ذلك كلام مخرجه مخرج العموم ، والـمراد به الـخصوص ، ومعناه : كلّ له قانتون فـي الـحياة والبقاء والـموت ، والفناء والبعث والنشور ، لا يـمتنع علـيه شيء من ذلك ، وإن عصاه بعضهم من غير ذلك . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله { وَمِنْ آياتِهِ أنْ تَقُومَ السَّماءُ والأرْضُ بأمْرِهِ … } إلـى { كُلّ لَهُ قانِتُونَ } يقول : مطيعون ، يعنـي الـحياة والنشور والـموت ، وهم عاصون له فـيـما سوى ذلك من العبـادة . وقال آخرون : بل معنى ذلك : كلّ له قانتون بإقرارهم بأنه ربهم وخالقهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة { كُلّ لَهُ قانِتُونَ } : أي مطيع مقرّ بأن الله ربه وخالقه . وقال آخرون : هو علـى الـخصوص ، والـمعنى : وله من فـي السموات والأرض من ملك وعبد مؤمن لله مطيع دون غيرهم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { كُلّ لَهُ قانِتُونَ } قال : كلّ له مطيعون . الـمطيع : القانت ، قال : ولـيس شيء إلاَّ وهو مطيع ، إلاَّ ابن آدم ، وكان أحقهم أن يكون أطوعهم لله . وفـي قوله { وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِـينَ } قال : هذا فـي الصلاة ، لا تتكلـموا فـي الصلاة كما يتكلـم أهل الكتاب فـي الصلاة ، قال : وأهل الكتاب يـمشي بعضهم إلـى بعض فـي الصلاة ، قال : ويتقابلون فـي الصلاة ، فإذا قـيـل لهم فـي ذلك ، قالوا : لكي تذهب الشحناء من قلوبنا تسلـم قلوب بعضنا لبعض ، فقال الله : وقوموا لله قانتـين لا تزولوا كم يزولون . قانتـين : لا تتكلـموا كما يتكلـمون . قال : فأما ما سوى هذا كله فـي القرآن من القنوت فهو الطاعة ، إلاَّ هذه الواحدة . وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن عبـاس ، وهو أن كلّ من فـي السموات والأرض من خـلق لله مطيع فـي تصرّفه فـيـما أراد تعالـى ذكره من حياة وموت ، وما أشبه ذلك ، وإن عصاه فـيـما يكسبه بقوله ، وفـيـما له السبـيـل إلـى اختـياره وإيثاره علـى خلافه . وإنـما قلت : ذلك أولـى بـالصواب فـي تأويـل ذلك ، لأن العصاة من خـلقه فـيـما لهم السبـيـل إلـى اكتسابه كثـير عددهم ، وقد أخبر تعالـى ذكره عن جميعهم أنهم له قانتون ، فغير جائز أن يخبر عمن هو عاص أنه له قانت فـيـما هو له عاص . وإذا كان ذلك كذلك ، فـالذي فـيه عاص هو ما وصفت ، والذي هو له قانت ما بـينت . وقوله : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الـخَـلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } يقول تعالـى ذكره : والذي له هذه الصفـات تبـارك وتعالـى ، هو الذي يبدأ الـخـلق من غير أصل فـينشئه ويوجده ، بعد أن لـم يكن شيئاً ، ثم يفنـيه بعد ذلك ، ثم يعيده ، كما بدأه بعد فنائه ، وهو أهون علـيه . اختلف أهل التأويـل ، فـي معنى قوله : { وَهُوَ أهْوَنُ عَلَـيْهِ } فقال بعضهم : معناه : وهو هين علـيه . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يحيى بن سعيد العطار ، عن سفـيان عمن ذكره ، عن منذر الثوريّ ، عن الربـيع بن خَيْثم { وَهُوَ أهْوَنُ عَلَـيْهِ } قال : ما شيء علـيه بعزيز . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الـخَـلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ، وَهُوَ أهْوَنُ عَلَـيْهِ } يقول : كلّ شيء علـيه هين . وقال آخرون : معناه : وإعادة الـخـلق بعد فنائهم أهون علـيه من ابتداء خـلقهم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله { وَهُوَ أهْوَنُ عَلَـيْهِ } قال : يقول : أيسر علـيه . حدثنا مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { وَهُوَ أهْوَنُ عَلَـيْهِ } قال : الإعادة أهون علـيه من البداءة ، والبداءة علـيه هين . حدثنـي ابن الـمثنى ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن سماك ، عن عكرِمة قرأ هذا الـحرف { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الـخَـلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ، وَهُوَ أهْوَنُ عَلَـيْهِ } قال : تعجب الكفـار من إحياء الله الـموتـى ، قال : فنزلت هذه الآية { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الـخَـلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ، وَهُوَ أهْوَنُ عَلَـيْهِ } إعادة الـخـلق أهون علـيه من إبداء الـخـلق . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا غندر ، عن شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة بنـحوه ، إلاَّ أنه قال : إعادة الـخـلق أهون علـيه من ابتدائه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله { وَهُوَ أهْوَنُ عَلَـيْهِ } : يقول : إعادته أهون علـيه من بدئه ، وكلّ علـى الله هين . وفـي بعض القراءة : وكلّ علـى الله هين . وقد يحتـمل هذا الكلام وجهين ، غير القولـين اللذين ذكرت ، وهو أن يكون معناه : وهو الذي يبدأ الـخـلق ثم يعيده ، وهو أهون علـى الـخـلق : أي إعادة الشيء أهون علـى الـخـلق من ابتدائه . والذي ذكرنا عن ابن عبـاس فـي الـخبر الذي حدثنـي به ابن سعد ، قول أيضاً له وجه . وقد وجَّه غير واحد من أهل العربـية قول ذي الرُّمة : @ أخي قَـفَرَاتٍ دَبَّبَتْ فِـي عِظامه شُفـافـاتُ أعْجاز الكَرَى فهْوَ أخْضَعُ @@ إلـى أنه بـمعنى خاضع وقول الآخر : @ لَعَمْرُكَ إنَّ الزِّبْرَقانَ لَبـاذِلٌ لـمَعْروفِه عِنْدَ السِّنِـينَ وأفْضَلُ كَرِيـمٌ لَه عَنْ كُلّ ذَمّ تَأَخُّرٌ وفِـي كُلّ أسْبـابِ الـمَكارِمِ أوَّلُ @@ إلـى أنه بـمعنى : وفـاضل وقول معن : @ لَعَمْرُكَ ما أدْرِي وإنّـي لأَوْجَلُ علـى أيِّنا تَعْدُو الـمَنِـيَّةُ أوَّلُ @@ إلـى أنه بـمعنى : وإنـي لوجل وقول الآخر : @ تَـمَنَّى مُرَىْءُ القَـيْسِ مَوْتـي وإنْ أمُتْ فَتِلكَ سَبِـيـلٌ لَسْتُ فِـيها بأوْحَدِ @@ إلـى أنه بـمعنى : لست فـيها بواحد وقول الفرزدق : @ إنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّماءَ بَنى لَنا بَـيْتاً دَعائمُهُ أعَزُّ وأطْوَلُ @@ إلـى أنه بـمعنى : عزيزة طويـلة . قالوا : ومنه قولهم فـي الأذان : الله أكبر ، بـمعنى : الله كبـير وقالوا : إن قال قائل : إن الله لا يوصف بهذا ، وإنـما يوصف به الـخـلق ، فزعم أنه وهو أهون علـى الـخـلق ، فإن الـحجة علـيه قول الله : { وكانَ ذلكَ علـى اللّهِ يَسِيراً } ، وقوله : { وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُما } أي لا يثقله حفظهما . وقوله : { وَلَهُ الـمَثَلُ الأعْلَـى } يقول : ولله الـمثل الأعلـى فـي السموات والأرض ، وهو أنه لا إله إلاَّ هو وحده لا شريك له ، لـيس كمثله شيء ، فذلك الـمثل الأعلـى ، تعالـى ربنا وتقدّس . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله { وَلَهُ الـمَثَلُ الأعْلَـى فِـي السَّمَوَاتِ } يقول : لـيس كمثله شيء . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله { وَلَهُ الـمَثَلُ الأعْلَـى فِـي السَّمَوَاتِ والأرْضِ } مثله أنه لا إله إلاَّ هو ، ولا ربّ غيره . وقوله : { وَهُوَ العَزِيزُ الـحَكِيـمُ } يقول تعالـى ذكره : وهو العزيز فـي انتقامه من أعدائه ، الـحكيـم فـي تدبـيره خـلقه ، وتصريفهم فـيـما أراد من إحياء وإماتة ، وبعث ونشر ، وما شاء .