Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 14-14)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : فلـما أمضينا قضاءنا علـى سلـيـمان بـالـموت فمات { ما دَلَّهُمْ عَلـى مَوْتِهِ } يقول : لـم يدلّ الـجنّ علـى موت سلـيـمان { إلاَّ دَابَّةُ الأرْضِ } وهي الأَرَضَة وقعت فـي عصاه ، التـي كان متكئاً علـيها فأكلتها ، فذلك قول الله عزّ وجلّ { تَأْكُلُ مِنْسأَتَهُ } . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي ابن الـمثنى وعلـيّ ، قالا : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { إلاَّ دَابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنْسأَتَهُ } يقول : الأَرَضَة تأكل عصاه . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله { تَأْكُلُ مِنْسأَتَهُ } قال : عصاه . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنـي أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { إلاَّ دَابَّةُ الأرْضِ } قال : الأَرَضَة { تَأْكُلُ مِنْسأَتَهُ } قال : عصاه . حدثنـي مـحمد بن عمارة ، قال : ثنا عبد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيـل ، عن أبـي يحيى ، عن مـجاهد { تأْكُلُ مِنْسأَتَهُ } قال : عصاه . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن عثمة ، قال : ثنا سعيد بن بشير ، عن قتادة ، فـي قوله : { تَأْكُلُ مِنْسأَتَهُ } أكلت عصاه حتـى خرّ . حدثنا موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : الـمنسأة : العصا بلسان الـحبشة . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : الـمنسأة : العصا . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { مِنْسأتَهُ } فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض أهل البصرة : « مِنْساتَهُ » غير مهموزة وزعم من اعتلّ لقارىء ذلك كذلك من أهل البصرة أن الـمنِساة : العصا ، وأن أصلها من نسأت بها الغنـم ، قال : وهي من الهمز الذي تركته العرب ، كما تركوا همز النبـيّ والبرية والـخابـية ، وأنشد لترك الهمز فـي ذلك بـيتاً لبعض الشعراء : @ إذَا دَبَبتَ عَلـى الـمِنساةِ مِنْ هَرَمٍ فَقَدْ تَبـاعَدَ عَنْكَ اللَّهْوُ والغَزَلُ @@ وذكر الفراء عن أبـي جعفر الرَّوَاسِيِّ ، أنه سأل عنها أبـا عمرو ، فقال : « مِنْساتَهُ » بغير همز . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : { مِنْسأتَهُ } بـالهمز ، وكأنهم وجهوا ذلك إلـى أنها مِفْعَلة ، من نسأت البعير : إذا زجرته لـيزداد سيره ، كما يقال : نسأت اللبن : إذا صببت علـيه الـماء ، وهو النَّسيء . وكما يقال : نسأ الله فـي أجلك أي أدام الله فـي أيام حياتك . قال أبو جعفر : وهما قراءتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما علـماء من القرّاء بـمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، وأن كنت أختار الهمز فـيها لأنه الأصل . وقوله : { فَلَـمَّا خَرَّ تَبَـيَّنَتِ الـجِنّ } يقول عزّ وجلّ : فلـما خرّ سلـيـمان ساقطاً بـانكسار منسأته تبـيَّنت الـجنّ { أنْ لو كانوا يعلـمون الغَيْبَ } الذي يدّعون علـمه { ما لَبِثُوا فِـي العَذَابِ الـمُهِينِ } الـمذلّ حولاً كاملاً بعد موت سلـيـمان ، وهم يحسبون أن سلـيـمان حيّ . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا أحمد بن منصور ، قال : ثنا موسى بن مسعود أبو حذيفة ، قال : ثنا إبراهيـم بن طهمان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَـير ، عن ابن عبـاس ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال : " كانَ سُلَـيْـمانُ نَبِـيُّ اللَّهِ إذَا صَلَّـى رأَى شَجَرَةً نابِتَةً بـينَ يَدَيْهِ ، فَـيَقُولُ لَهَا : ما اسمُكِ ؟ فَتَقُولُ : كَذَا ، فَـيَقُولُ : لأَيّ شَيْءٍ أنْتِ ؟ فإنْ كانَتْ تُغْرَسُ غُرِسَتْ ، وَإنْ كانَتْ لِدَوَاءٍ كُتِبَتْ ، فَبَـيْنَـما هُوَ يُصَلِّـي ذَاتَ يَوْمٍ ، إذْ رأى شَجَرَةً بـينَ يَدَيْهِ ، فَقالَ لَهَا : ما اسمُكِ ؟ قالَتْ : الـخَرّوب ، قالَ : لأَيِّ شَيْءٍ أنْتِ ؟ قالَتْ : لـخَرَابِ هَذَا البَـيْتِ ، فَقالَ سُلَـيْـمانُ : اللَّهُمَّ عَمّ علـى الـجِنّ مَوْتِـي حتـى يَعْلَـمَ الإنْسُ أنَّ الـجِنَّ لا يَعْلَـمُونَ الغَيْبَ ، فَنَـحَتَها عَصاً فَتَوَكَّأَ عَلَـيْها حَوْلاً مَيِّتاً ، والـجِنُّ تَعْمَلُ ، فأكَلَتْها الأرَضَةُ ، فَسَقَطَ ، فَتَبَـيَّنَتِ الإنْسُ أنَّ الـجِنَّ لَوْ كانُوا يَعْلَـمُونَ الغَيْبَ ما لَبِثُوا حَوْلاً فِـي العَذَابِ الـمُهِينِ « " قال : وكان ابن عبـاس يقرؤها كذلك ، قال : فشكرت الـجنّ للأرضة ، فكانت تأتـيها بـالـماء . حدثنا موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، فـي خبر ذكره عن أبـي مالك ، وعن أبـي صالـح ، عن ابن عبـاس ، وعن مُرّة الهمْدانـيّ ، عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان سليمان يتـجرّد فـي بـيت الـمقدس السنة والسنتـين ، والشهر والشهرين ، وأقلّ من ذلك وأكثر ، يَدْخـل طعامه وشرابه ، فدخله فـي الـمرّة التـي مات فـيها ، وذلك أنه لـم يكن يوم يُصبح فـيه ، إلا تنبت فـيه شجرة ، فـيسألها ما اسمك ، فتقول الشجرة : اسمي كذا وكذا ، فـيقول لها : لأيّ شيء نبتّ ؟ فتقول : نبتّ لكذا وكذا ، فـيأمر بها فتقطع ، فإن كانت نبتت لغرس غرسها ، وإن كانت نبتت لدواء ، قالت : نبتّ دواء لكذا وكذا ، فـيجعلها كذلك ، حتـى نبتت شجرة يقال لها الـخرّوبة ، فسألها : ما اسمك ؟ فقالت له : أنا الـخرّوبة ، فقال : لأيّ شيء نبتّ ؟ قالت : لـخراب هذا الـمسجد قال سلـيـمان : ما كان الله لـيخربه وأنا حيّ ، أنت التـي علـى وجهك هلاكي وخراب بـيت الـمقدس ، فنزعها وغرسها فـي حائط له ، ثم دخـل الـمـحراب ، فقام يصلـي متكئاً علـى عصاه ، فمات ولا تعلـم به الشياطين فـي ذلك ، وهم يعملون له يخافون أن يخرج فـيعاقبهم وكانت الشياطين تـجتـمع حول الـمـحراب ، وكان الـمـحراب له كُوًى بـين يديه وخـلفه ، وكان الشيطان الذي يريد أن يخـلع يقول : ألست جَلداً إن دخـلتُ ، فخرجتُ من الـجانب الآخر فدخـل شيطان من أولئك فمرّ ، ولـم يكن شيطان ينظر إلـى سلـيـمان فـي الـمـحراب إلا احترق ، فمرّ ولـم يسمع صوت سلـيـمان علـيه السلام ، ثم رجع فلـم يسمع ، ثم رجع فوقع فـي البـيت فلـم يحترق ، ونظر إلـى سلـيـمان قد سقط فخرج فأخبر الناس أن سلـيـمان قد مات ، ففتـحوا عنه فأخرجوه ووجدوا منسأته ، وهي العصا بلسان الـحبشة ، قد أكلتها الأرضة ، ولـم يعلـموا منذ كم مات ، فوضعوا الأرضة علـى العصا ، فأكلت منها يوما ولـيـلة ، ثم حسبوا علـى ذلك النـحو ، فوجدوه قد مات منذ سنة . وهي فـي قراءة ابن مسعود : « فمكثوا يدأبون له من بعد موته حولاً كاملاً » فأيقن الناس عند ذلك أن الـجنّ كانوا يكذِبونهم ، ولو أنهم علـموا الغيب لعلـموا بـموت سلـيـمان ، ولـم يـلبثوا فـي العذاب سنة يعملون له ، وذلك قول الله : { ما دَلَّهُمْ عَلـى مَوْتِهِ إلاَّ دَابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنْسأَتَهُ فَلَـمَّا خَرَّ تَبَـيَّنَتِ الـجِنُّ أنْ لَوْ كانُوا يَعْلَـمُونَ الغَيْبَ ما لَبِثُوا فِـي العَذابِ الـمُهِينِ } يقول : تبـين أمرهم للناس أنهم كانوا يكذِبونهم ، ثم إن الشياطين قالوا للأرضة : لو كنت تأكلـين الطعام أتـيناك بأطيب الطعام ، ولو كنت تشربـين الشراب سقـيناك أطيب الشراب ، ولكنا سننقل إلـيك الـماء والطين ، فـالذي يكون فـي جوف الـخشب ، فهو ما تأتـيها به الشياطين شكراً لها . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كانت الـجنّ تـخبر الإنس أنهم كانوا يعلـمون من الغيب أشياء ، وأنهم يعلـمون ما فـي غد ، فـابتلوا بـموت سلـيـمان ، فمات ، فلبث سنة علـى عصاه وهم لا يشعرون بـموته ، وهم مسخرون تلك السنة يعملون دائبـين { فَلَـمَّا خَرَّ تَبَـيَّنَتِ الْـجِنُّ أنْ لَوْ كانُوا يَعْلَـمُونَ الغَيْبَ ما لَبِثُوا فِـي العَذَابِ الـمُهِينِ } ولقد لبثوا يدأبون ، ويعملون له حولاً . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { ما دَلَّهُمْ عَلـى مَوْتِهِ إلاَّ دَابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنْسأَتَهُ } قال : قال سلـيـمان لـملك الـموت : يا ملك الـموت ، إذا أُمِرْتَ بـي فأعلـمنـي قال : فأتاه فقال : يا سلـيـمان ، قد أُمرت بك ، قد بقـيت لك سُويعة ، فدعا الشياطين فبنوا علـيه صرحاً من قوارير ، لـيس له بـاب ، فقام يصلـي ، واتكأ علـى عصاه قال : فدخـل علـيه ملك الـموت فقبض روحه وهو متكىء علـى عصاه ولـم يصنع ذلك فراراً من ملك الـموت ، قال : والـجنّ تعمل بـين يديه ، وينظرون إلـيه ، يحسبون أنه حيّ ، قال : فبعث الله دابة الأرض ، قال : دابة تأكل العِيدان يقال لها القادح ، فدخـلت فـيها فأكلتها ، حتـى إذا أكلت جوف العصا ، ضعفت وثقل علـيها ، فخرّ ميتاً ، قال : فلـما رأت الـجنّ ذلك ، انفضوا وذهبوا ، قال : فذلك قوله : { ما دَلَّهُمْ عَلـى مَوْتِهِ إلاَّ دَابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنْسأَتَهُ } قال : والـمنسأة : العصا . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء ، قال : كان سلـيـمان بن داود يصلـي ، فمات وهو قائم يصلـي والـجنّ يعملون لا يعلـمون بـموته ، حتـى أكلت الأرضة عصاه ، فخرّ ، و « أن » فـي قوله : { أن لَوْ كانُوا } فـي موضع رفع بتبـين ، لأن معنى الكلام : فلـما خرّ تبـين وانكشف ، أن لو كان الـجنّ يعلـمون الغيب ، ما لبثوا فـي العذاب الـمهين . وأما علـى التأويـل الذي تأوّله ابن عبـاس من أن معناه : تبـينت الإنس الـجنّ ، فإنه ينبغي أن يكون فـي موضع نصب بتكريرها علـى الـجنّ ، وكذلك يجب علـى هذه القراءة أن تكون الـجنّ منصوبة ، غير أنـي لا أعلـم أحداً من قرّاء الأمصار يقرأ ذلك بنصب الـجنّ ، ولو نصب كان فـي قوله { تَبَـيَّنَت } ضمير من ذكر الإنس .