Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 24-24)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : قل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين بربهم الأوثان والأصنام : من يرزقكم من السموات والأرض بإنزاله الغيث علـيكم منها حياة لـحروثكم ، وصلاحاً لـمعايشكم ، وتسخيره الشمس والقمر والنـجوم لـمنافعكم ، ومنافع أقواتكم ، والأرض بإخراجه منها أقواتكم وأقوات أنعامكم ؟ وترك الـخبر عن جواب القوم استغناء بدلالة الكلام علـيه ، ثم ذكره ، وهو : فإن قالوا : لا ندري ، فقل : الذي يرزقكم ذلك الله ، { وإنا أو إياكم } أيها القوم { لعلـي هُدًى أو فـي ضلال مبـين } يقول : قل لهم : إنا لعلـى هدى أو فـي ضلال ، أو إنكم علـى ضلال أو هُدًى . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ قُلِ اللَّهُ وإنَّا أوْ إيَّاكُمْ لعَلـى هُدًى أوْ فِـي ضَلالٍ مُبِـينٍ } قال : قد قال ذلك أصحاب مـحمد للـمشركين ، والله ما أنا وأنتـم علـى أمر واحد ، إنّ أحد الفريقـين لـمهتد . وقد قال قوم : معنى ذلك : وإنا لعلـى هدى ، وإنكم لفـي ضلال مبـين . ذكر من قال ذلك : حدثنـي إسحاق بن إبراهيـم الشهيديّ ، قال : ثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف عن عكرمة وزياد ، فـي قوله : { وَإنَّا أوْ إيَّاكُمْ لَعَلـى هَدًى أوْ فِـي ضَلالٍ مُبِـينٍ } قال : إنا لعلـى هدى وإنكم لفـي ضلال مبـين . واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول « أو » فـي هذا الـموضع ، فقال بعض نـحويـيّ البصرة : لـيس ذلك لأنه شك ، ولكن هذا فـي كلام العرب علـى أنه هو الـمهتدِي ، قال : وقد يقول الرجل لعبده : أحدنا ضارب صاحبه ، ولا يكون فـيه إشكال علـى السامع أن الـمولـى هو الضارب . وقال آخر منهم : معنى ذلك : إنا لعلـى هدى ، وإنكم إياكم فـي ضلال مبـين ، لأن العرب تضع « أو » فـي موضع واو الـموالاة ، قال جرير : @ أثَعْلَبَةَ الفَوَارِسِ أوْ رِياحاً عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةَ والـخِشابـا @@ قال : يعنـي ثعلبة ورياحاً ، قال : وقد تكلـم بهذا من لا يشكّ فـي دينه ، وقد علـموا أنهم علـى هدى ، وأولئك فـي ضلال ، فـيقال : هذا وإن كان كلاماً واحداً علـى جهة الاستهزاء ، فقال : هذا لهم ، وقال : @ فإنْ يَكُ حُبُّهُمْ رُشْداً أُصِبْهُ وَلسْتُ بِـمُخْطىءٍ إنْ كانَ غَيَّا @@ وقال بعض نـحويـي الكوفة : معنى « أو » ومعنى الواو فـي هذا الـموضع فـي الـمعنى ، غير أن القرينة علـى غير ذلك لا تكون « أو » بـمنزلة الواو ، ولكنها تكون فـي الأمر الـمفوّض ، كما تقول : إن شئت فخذ درهماً أو اثنـين ، فله أن يأخذ اثنـين أو واحداً ، ولـيس له أن يأخذ ثلاثة . قال : وهو فـي قول من لا يبصر العربـية ، ويجعل « أو » بـمنزلة الواو ، ويجوز له أن يأخذ ثلاثة ، لأنه فـي قولهم بـمنزلة قولك : خذ درهماً أو اثنـين قال : والـمعنى فـي { إنَّا أو إياكُمْ } إنا لضالون أو مهتدون ، وإنكم أيضاً لضالون ، وهو يعلـم أن رسوله الـمهتدي ، وأن غيره الضالّ . قال : وأنت تقول فـي الكلام للرجل يكذّبك . واللَّهِ إن أحدنا لكاذب ، وأنت تعنـيه ، وكذّبته تكذيبـاً غير مكشوف ، وهو فـي القرآن وكلام العرب كثـير ، أن يوجَّه الكلام إلـى أحسن مذاهبه ، إذا عرف ، كقول القائل لـمن قال : والله لقد قدم فلان ، وهو كاذب فـيقول : قل : إن شاء الله ، أو قل : فـيـما أظنّ ، فـيكذّبه بأحسن تصريح التكذيب . قال : ومن كلام العرب أن يقولوا : قاتله الله ، ثم يستقبح فـيقولون : قاتله الله ، وكاتعه الله . قال : ومن ذلك : ويحَك ، وويسَك ، إنـما هي فـي معنى : ويْـلَك ، إلا أنها دونها . والصواب من القول فـي ذلك عندي أن ذلك أمر من الله لنبـيه بتكذيب من أمره بخطابه بهذا القول بأجمل التكذيب ، كما يقول الرجل لصاحب له يخاطبه ، وهو يريد تكذيبه فـي خبر له : أحدنا كاذب ، وقائل ذلك يعنـي صاحبه ، لا نفسه فلهذا الـمعنى صير الكلام بأو .