Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 3-3)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : ويستعجلك يا مـحمد الذين جحدوا قُدرة الله علـى إعادة خـلقه بعد فنائهم بهيئتهم التـي كانوا بها من قبل فنائهم من قومك بقـيام الساعة ، استهزاء بوعدك إياهم ، وتكذيبـاً لـخبرك ، قل لهم : بلـى تأتـيكم وربـي ، قسماً به لتأتـينكم الساعة ، ثم عاد جلّ جلاله بعد ذكره الساعة علـى نفسه ، وتـمـجيدها ، فقال : { عالِـمِ الغَيْبِ } . واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة : « عالِـمُ الغَيْبِ » علـى مثال فـاعل ، بـالرفع علـى الاستئناف ، إذ دخـل بـين قوله : { وَرَبّـي } ، وبـين قوله : { عالِـمَ الغَيْبِ } كلام حائل بـينه وبـينه . وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة والبصرة ، عالـم علـى مثال فـاعل ، غير أنهم خفضوا عالـم ردّاً منهم له علـى قوله { وَرَبّـي } إذ كان من صفته . وقرأ ذلك بقـية عامة قرّاء الكوفة : « عَلاَّمِ الغَيْبِ » علـى مثال فعَّال ، وبـالـخفض ردّاً لإعرابه علـى إعراب قوله { وَرَبّـي } إذ كان من نعته . والصواب من القول فـي ذلك عندنا ، أن كلّ هذه القراءات الثلاث ، قراءات مشهورات فـي قرّاء الأمصار متقاربـات الـمعانـي ، فبأيتهنّ قرأ القارىء فمصيب غير أن أعجب القراءات فـي ذلك إلـيّ أقرأ بها : « عَلاَّمِ الغَيْبِ » علـى القراءة التـي ذكرتها عن عامة قرّاء أهل الكوفة فأما اختـيار علام علـى عالـم ، فلأنها أبلغ فـي الـمدح . وأما الـخفض فـيها فلأنها من نعت الربّ ، وهو فـي موضع الـجرّ . وعنى بقوله : « عَلاَّم الغَيْبِ » علام ما يغيب عن أبصار الـخـلق ، فلا يراه أحد ، إما ما لـم يكوِّنه مـما سيكوِّنه ، أو ما قد كوّنه فلـم يُطلع علـيه أحداً غيره . وإنـما وصف جلّ ثناؤه فـي هذا الـموضع نفسه بعلـمه الغيب ، إعلاماً منه خـلقه أن الساعة لا يعلـم وقت مـجيئها أحد سواه ، وإن كانت جائية ، فقال لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : قل للذين كفروا بربهم : بلـى وربكم لتأتـينكم الساعة ، ولكنه لا يعلـم وقت مـجيئها أحد سوى علام الغيوب ، الذي لا يعزب عنه مثقال ذرّة . يعنـي جلّ ثناؤه بقوله : { وَلا يَعْزُبُ عَنْهُ } لا يغيب عنه ، ولكنه ظاهر له . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـي ، عن ابن عبـاس فـي قوله : لا يَعْزُبُ عَنْهُ يقول : لا يغيب عنه . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قول الله : { لا يَعْزُبُ عَنْهُ } قال : لا يغيب . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ } : أي لا يغيب عنه . وقد بـيَّنا ذلك بشواهده فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع . وقوله : { مِثْقالُ ذَرَّةٍ } يعنـي : زنة ذرّة فـي السموات ولا فـي الأرض يقول تعالـى ذكره : لا يغيب عنه شيء من زنة ذرّة فما فوقها فما دونها ، أين كان فـي السموات ولا فـي الأرض { وَلا أصْغَرُ مِنْ ذلكَ } يقول : ولا يعزب عنه أصغر من مثقال ذرّة { وَلا أكْبَرُ } منه { إلاَّ فِـي كِتابٍ مُبِـينٍ } يقول : هو مثبت فـي كتاب يبـين للناظر فـيه أن الله تعالـى ذكره قد أثبته وأحصاه وعلـمه ، فلـم يعزب عن علـمه .