Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 33-34)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : بساتـين إقامة يدخـلونها هؤلاء الذين أورثناهم الكتاب ، الذين اصطفـينا من عبـادنا يوم القـيامة { يُحَلَّوْنَ فِـيها مِنْ أساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ } يـلبسون فـي جنات عدن أسورة من ذهب { وَلُؤْلُؤاً وَلِبـاسُهُمْ فِـيها حَرِيرٌ } يقول : ولبـاسهم فـي الـجنة حرير . وقوله : { وَقالُوا الـحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أذْهَبَ عَنَّا الـحَزَنَ } اختلف أهل التأويـل فـي الـحَزَن الذي حمد الله علـى إذهابه عنهم هؤلاء القوم ، فقال بعضهم : ذلك الـحزَن الذي كانوا فـيه قبل دخولهم الـجنة من خوف النار ، إذ كانوا خائفـين أن يدخـلوها . ذكر من قال ذلك : حدثنـي قتادة بن سعيد بن قتادة السدوسيّ ، قال : ثنا معاذ بن هشام صاحب الدستوائي ، قال : ثنا أبـي ، عن عمرو بن مالك ، عن أبـي الـجوزاء ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله : { الـحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أذْهَبَ عَنَّا الـحَزَنَ } قال : حزن النار . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا ابن الـمبـارك ، عن معمر ، عن يحيى بن الـمختار ، عن الـحسن { وَإذَا خاطَبَهُمُ الـجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً } قال : إن الـمؤمنـين قوم ذُلُل ، ذلَّت والله الأسماع والأبصار والـجوارح ، حتـى يحسبهم الـجاهل مَرْضَى ، وما بـالقوم مرض ، وإنهم لأصحة القلوب ، ولكن دخـلهم من الـخوف ما لـم يدخـل غيرهم ، ومنعهم من الدنـيا علـمهم بـالآخرة ، فقالوا : { الـحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أذْهَبَ عَنَّا الـحَزَنَ } ، والـحَزَن ، والله ما حزنهم حزن الدنـيا ، ولا تعاظم فـي أنفسهم ما طلبوا به الـجنة أبكاهم الـخوف من النار ، وإنه من لا يتعزّ بعزاء الله يقطِّع نفسه علـى الدنـيا حسرات ، ومن لـم ير لله علـيه نعمة إلاَّ فـي مطعم أو مشرب ، فقد قلّ علـمه ، وحضر عذابه . وقال آخرون : عُنـي به الـموت . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن أبـيه ، عن عطية ، فـي قوله : { الـحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أذْهَبَ عَنَّا الـحَزَنَ } قال : الـموت . وقال آخرون : عُنـي به حزن الـخبز . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن حفص ، يعنـي ابن حميد ، عن شمر ، قال : لـما أدخـل الله أهل الـجنة الـجنة ، قالوا { الـحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أذْهَبَ عَنَّا الـحَزَنَ } قال : حزن الـخبز . وقال آخرون : عُنـي بذلك : الـحَزَن من التعب الذي كانوا فـيه فـي الدنـيا . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَقالُوا الـحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أذْهَبَ عَنَّا الـحَزَنَ } قال : كانوا فـي الدنـيا يعملون وينصَبون وهم فـي خوف ، أو يحزنون . وقال آخرون : بل عُنـي بذلك الـحزن الذي ينال الظالـم لنفسه فـي موقـف القـيامة . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفـيان ، عن الأعمش ، قال : ذكر أبو ثابت أن أبـا الدرداء ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أمَّا الظَّالِـمُ لِنَفْسِهِ ، فَـيُصِيبُهُ فِـي ذَلكَ الـمَكانِ مِنَ الغَمّ والـحَزَنِ ، فَذلكَ قَوْلُهُ : { الـحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أذْهَبَ عَنَّا الـحَزَنَ } " وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال : إن الله تعالـى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم الذين أكرمهم بـما أكرمهم به أنهم قالوا حين دخـلوا الـجنة { الـحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أذْهَبَ عَنَّا الـحَزَنَ } وخوف دخول النار من الـحزن ، والـجَزَع من الـموت من الـحزن ، والـجزع من الـحاجة إلـى الـمطعم من الـحزن ، ولـم يخصص الله إذ أخبر عنهم أنهم حمدوه علـى إذهابه الـحزن عنهم نوعاً دون نوع ، بل أخبر عنهم أنهم عموا جميع أنوع الـحزن بقولهم ذلك ، وكذلك ذلك ، لأن من دخـل الـجنة فلا حزن علـيه بعد ذلك ، فحمدهم علـى إذهابه عنهم جميع معانـي الـحزن . وقوله : { إنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } يقول تعالـى ذكره مخبراً عن قـيـل هذه الأصناف الذين أخبر أنه اصطفـاهم من عبـاده عند دخولهم الـجنة : إن ربنا لغفور لذنوب عبـاده الذين تابوا من ذنوبهم ، فساترها علـيهم بعفوه لهم عنهم ، شكور لهم علـى طاعتهم إياه ، وصالـح ما قدّموا فـي الدنـيا من الأعمال . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة فـي قوله : { إنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } لـحسناتهم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن حفص ، عن شمر { إنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } غفر لهم ما كان من ذنب ، وشكر لهم ما كان منهم .