Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 62-64)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : قال الطاغون الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم فـي هذه الآيات ، وهم فـيـما ذُكر أبو جهل والولـيد بن الـمُغيرة وذووهما : { ما لَنا لا نَرَى رِجالاً } يقول : ما بـالنا لا نرى معنا فـي النار رجالاً { كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ } يقول : كنا نعدّهم فـي الدنـيا من أشرارنا ، وعنوا بذلك فـيـما ذُكر صُهَيْبـاً وخَبَّـابـاً وبِلالاً وسَلْـمان . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن لـيث ، عن مـجاهد ، فـي قوله : ما لَنا لا نَرَى { رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ } قال : ذاك أبو جهل بن هشام والولـيد بن الـمغيرة ، وذكر أناساً صُهيبـاً وَعمَّاراً وخبَّـابـاً ، كنَّا نعدّهم من الأشرار فـي الدنـيا . حدثنا أبو السائب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت لـيثاً يذكر عن مـجاهد فـي قوله : وَقالُوا { ما لَنا لا نَرَى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرارِ } قال : قالوا : أي سَلْـمان ؟ أين خَبَّـاب ؟ أين بِلال ؟ . وقوله : { أتَّـخَذْناهُمْ سِخْرِياًّ } اختلفت القرّاء فـي قراءته ، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والشام وبعض قرّاء الكوفة : { أتَّـخَذْناهُمْ } بفتـح الألف من أتـخذناهم ، وقطعها علـى وجه الاستفهام ، وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة ، وبعض قرّاء مكة بوصل الألف من الأشرار : « اتَّـخَذْناهُمْ » . وقد بـيَّنا فـيـما مضى قبلُ ، أن كلّ استفهام كان بـمعنى التعجب والتوبـيخ ، فإن العرب تستفهم فـيه أحياناً ، وتُـخرجه علـى وجه الـخبر أحياناً . وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب قراءة من قرأه بـالوصل علـى غير وجه الاستفهام ، لتقدّم الاستفهام قبلَ ذلك فـي قوله : { ما لَنا لا نَرَى رِجالاً كُنَّا } فـيصير قوله : « اتَّـخَذْناهُمْ » بـالـخبر أولـى وإن كان للاستفهام وجه مفهوم لـما وصفتُ قبلُ من أنه بـمعنى التعجب . وإذ كان الصواب من القراءة فـي ذلك ما اخترنا لـما وصفنا ، فمعنى الكلام : وقال الطاغون : ما لنا لا نرى سَلْـمان وبِلالاً وخَبَّـابـاً الذين كنَّا نعدّهم فـي الدنـيا أشراراً ، اتـخذناهم فـيها سُخرياً نهزأ بهم فـيها معنا الـيوم فـي النار ؟ . وكان بعض أهل العلـم بـالعربـية من أهل البصرة يقول : من كسر السين من السِّخْرِي ، فإنه يريد به الهُزء ، يريد يسخر به ، ومن ضمها فإنه يجعله من السُّخْرَة ، يستسخِرونهم : يستذِلُّونهم ، أزاغت عنهم أبصارنا وهم معنا . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن لـيث ، عن مـجاهد { أتَّـخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ } يقول : أهم فـي النار لا نعرف مكانهم ؟ . وحُدثت عن الـمـحاربـيّ ، عن جَوَيبر ، عن الضحاك { وَقالُوا ما لَنا لا نَرىَ رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ } قال : هم قوم كانوا يسخَرون من مـحمد وأصحابه ، فـانطُلِق به وبأصحابه إلـى الـجنة وذُهِبَ بهم إلـى النار فـ { قالُوا ما لَنا لا نَرَى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرارِ أَتَّـخَذْناهُمْ سِخْريًّا أمْ زَاغَتْ عَنْهُمْ الأبْصارُ } يقولون : أزاغت أبصارنا عنهم فلا ندري أين هم ؟ . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { أَتَّـخَذْناهُمْ سِخْريًّا } قال : أخطأناهم { أمْ زَاغَتْ عَنْهُمْ الأبْصَارُ } ولا نراهم ؟ . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَقالُوا ما لَنا لا نَرَى رجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ } قال : فقدوا أهل الـجنة { أَتَّـخَذْناهُمْ سِخْريًّا } فـي الدنـيا { أمْ زَاغَت عَنْهُمُ الأَبْصَارُ } وهم معناه فـي النار . وقوله : { إنَّ ذلكَ لَـحَقّ } يقول تعالـى ذكره : إن هذا الذي أخبرتكم أيها الناس من الـخبر عن تراجع أهل النار ، ولعْن بعضهم بعضاً ، ودعاء بعضهم علـى بعض فـي النار لـحقّ يقـين ، فلا تشكُّوا فـي ذلك ، ولكن استـيقنوه تـخاصم أهل النار . وقوله : { تَـخاصُمُ } ردّ علـى قوله : { لَـحَقٌّ } . ومعنى الكلام : إن تـخاصم أهل النار الذي أخبرتكم به لـحقّ . وكان بعض أهل العربـية من أهل البصرة يوجه معنى قوله : { أمْ زَاغَتْ عَنْهُمْ الأبْصَارُ } إلـى : بل زاغت عنهم . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { إنَّ ذلكَ لَـحَقٌّ تـخاصُمُ أهْلِ النَّارِ } فقرأ : { تاللّهِ إنْ كُنَّا لَفِـي ضَلالٍ مُبِـينٍ إذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبّ العالَـمِينَ } وقرأ { يَوْمَ نَـحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } حتـى بلغ : { إنْ كُنَّا عَنْ عِبـادَتِكُمْ لَغافِلِـينَ } قال : إن كنتـم تعبدوننا كما تقولون إن كنا عن عبـادتكم لغافلـين ، ما كنا نسمع ولا نبصر ، قال : وهذه الأصنام ، قال : هذه خصومة أهل النار ، وقرأ : { وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ } قال : وضلّ عنهم يوم القـيامة ما كانوا يفترون فـي الدنـيا .