Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 1-2)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : { تَنْزِيـلُ الكِتابِ } الذي نزّلناه علـيك يا مـحمد { مِنَ اللّهِ العَزِيزِ } فـي انتقامه من أعدائه { الـحَكِيـمِ } فـي تدبـيره خـلقه ، لا من غيره ، فلا تكوننّ فـي شكّ من ذلك ورفع قوله : { تَنْزِيـلُ } بقوله : { مِنَ اللّهِ } . وتأويـل الكلام : من الله العزيز الـحكيـم تنزيـل الكتاب . وجائز رفعه بإضمار هذا ، كما قـيـل : { سُورَةٌ أنْزَلْناها } غير أن الرفع فـي قوله : { تَنْزِيـلُ الكِتابِ } بـما بعده ، أحسن من رفع سورة بـما بعدها ، لأن تنزيـل ، وإن كان فعلاً ، فإنه إلـى الـمعرفة أقرب ، إذ كان مضافـاً إلـى معرفة ، فحسن رفعه بـما بعده ، ولـيس ذلك بـالـحسن فـي « سُورَةٌ » ، لأنه نكرة . وقوله : { إنَّا أنْزَلْنا إلَـيْكَ الكِتابَ بـالـحَقّ } يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : إنا أنزلنا إلـيك يا مـحمد الكتاب ، يعنـي بـالكتاب : القرآن { بـالـحقّ } يعنـي بـالعدل يقول : أنزلنا إلـيك هذا القرآن يأمر بـالـحقّ والعدل ، ومن ذلك الـحقّ والعدل أن تعبد الله مخـلِصاً له الدين ، لأن الدين له لا للأوثان التـي لا تـملك ضرّاً ولا نفعاً . وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله : { الكِتابَ } قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { إنَّا أنْزَلْنا إلَـيْكَ الكِتابَ بـالـحَقّ } يعنـي : القرآن . وقوله : { فـاعْبُدِ اللّهِ مُخْـلِصاً لَهُ الدّينَ } يقول تعالـى ذكره : فـاخشع لله يا مـحمد بـالطاعة ، وأخـلص له الألوهة ، وأفرده بـالعبـادة ، ولا تـجعل له فـي عبـادتك إياه شريكاً ، كما فَعَلَتْ عَبَدة الأوثان . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن حفص ، عن شمر ، قال : يؤتـي بـالرجل يوم القـيامة للـحساب وفـي صحيفته أمثال الـجبـال من الـحسنات ، فـيقول ربّ العزّة جلّ وعزّ : صَلَّـيت يوم كذا وكذا ، لـيقال : صلَّـى فلان أنا الله لا إله إلا أنا ، لـي الدين الـخالص . صمتَ يوم كذا وكذا ، لـيقال : صام فلان أنا الله لا آله إلا أنا لـي الدين الـخالص ، تصدّقت يوم كذا وكذا ، لـيقال : تصدّق فلان أنا الله لا إله إلا أنا لـي الدين الـخالص فما يزال يـمـحو شيئاً بعد شيء حتـى تبقـى صحيفته ما فـيها شيء ، فـيقول ملكاه : يا فلان ، ألغير الله كنت تعمل . حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، أما قوله : { مُخْـلِصاً لَهُ الدِّينَ } فـالتوحيد ، والدين منصوب بوقوع مخـلصاً علـيه . وقوله : { ألا لِلّهِ الدِّينُ الـخالِصُ } يقول تعالـى ذكره : ألا لله العبـادة والطاعة وحده لا شريك له ، خالصة لا شرك لأحد معه فـيها ، فلا ينبغي ذلك لأحد ، لأن كل ما دونه ملكه ، وعلـى الـمـملوك طاعة مالكه لا من لا يـملك منه شيئاً . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { ألا لِلّهِ الدِّينُ الـخالِصُ } شهادة أن لا إله إلا الله . وقوله : { وَالَّذِينَ اتَّـخَذُوا مِنْ دُونِهِ أوْلِـياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِـيُقَرّبُونا إلـى اللّهِ زُلْفَـى } يقول تعالـى ذكره : والذين اتـخذوا من دون الله أولـياء يَتَولَّونهم ، ويعبدونهم من دون الله ، يقولون لهم : ما نعبدكم أيها الآلهة إلا لتقربونا إلـى الله زُلْفَـى ، قربة ومنزلة ، وتشفعوا لنا عنده فـي حاجاتنا وهي فـيـما ذُكر فـي قراءة أبـيّ : « ما نَعْبُدُكُمْ » ، وفـي قراءة عبد الله : « قالُوا ما نَعْبُدُهُمْ » وإنـما حسُن ذلك لأن الـحكاية إذا كانت بـالقول مضمراً كان أو ظاهراً ، جعل الغائب أحياناً كالـمخاطب ، ويترك أخرى كالغائب ، وقد بـيَّنت ذلك فـي موضعه فـيـما مضى . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : هي فـي قراءة عبد الله : « قالُوا ما نَعْبُدُهُمْ » . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { ما نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِـيُقَرّبُونا إلـى اللّهِ زُلْفَـى } قال : قريش تقوله للأوثان ، ومن قَبْلَهم يقوله للـملائكة ولعيسى ابن مريـم ولعزَيز . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَالَّذِينَ اتَّـخَذُوا مِنْ دُونِهِ أوْلِـياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِـيُقَرِّبُونا إلـى اللّهِ زُلْفَـى } قالوا : ما نعبد هؤلاء إلا لـيقرّبونا ، إلا لـيشفعُوا لنا عند الله . حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، فـي قوله : { ما نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِـيُقَرَبونا إلـى اللّهِ زُلْفَـى } قال : هي منزلة . حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنا معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله : { وَالِّذِينَ اتَّـخَذُوا مِنْ دُونِهِ أوْلِـياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِـيُقَرّبُونا إلـى اللّهِ زُلْفَـى } وقوله : { وَلَوْ شاءَ الله ما أشْرَكُوا } يقول سبحانه : لو شئت لـجمعتهم علـى الهدى أجمعين . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { ما نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِـيُقَرِّبونا إلـى الله زُلْفَـى } قال : قالوا هم شفعاؤنا عند الله ، وهم الذين يقرّبوننا إلـى الله زلفـي يوم القـيامة للأوثان ، والزلفـى : القُرَب . وقوله : { إنَّ اللّهَ يَحْكُمُ بَـيْنَهُمْ فِـيـما هُمْ فِـيهِ يَخْتَلِفُونَ } يقول تعالـى ذكره : إن الله يفصل بـين هؤلاء الأحزاب الذين اتـخذوا فـي الدنـيا من دون الله أولـياء يوم القـيامة ، فـيـما هم فـيه يختلفون فـي الدنـيا من عبـادتهم ما كانوا يعبدون فـيها ، بأن يُصْلِـيَهم جميعاً جهنـم ، إلا من أخـلص الدين لله ، فوحده ، ولـم يشرك به شيئاً .