Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 114-114)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ } : لا خير في كثير من نجوى الناس جميعاً . { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ } والمعروف : هو كل ما أمر الله به أو ندب إليه من أعمال البرّ والخير . { أَوْ إِصْلَـٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } وهو الإصلاح بين المتباينين أو المختصمين بما أباح الله الإصلاح بينهما ليتراجعا إلى ما فيه الألفة واجتماع الكلمة على ما أذن الله وأمر به . ثم أخبر جلّ ثناؤه بما وعد من فعل ذلك ، فقال : { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتَغَاء مَرْضَـٰتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } يقول : ومن يأمر بصدقة أو معروف من الأمر ، أو يصلح بين الناس ابتغاء مرضاة الله ، يعني طلب رضا الله بفعله ذلك { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } يقول : فسوف نعطيه جزاء لما فعل من ذلك عظيماً ، ولا حدّ لمبلغ ما سمى الله عظيماً يعلمه سواه . واختلف أهل العربية في معنى قوله : { لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ } فقال بعض نحويي البصرة : معنى ذلك : لا خير في كثير من نجواهم إلا في نجوى من أمر بصدقة . كأنه عطف « من » على الهاء والميم التي في « نجواهم » . وذلك خطأ عند أهل العربية لأن إلا لا تعطف على الهاء والميم في مثل هذا الموضع من أجل أنه لم ينله الجحد . وقال بعض نحويي الكوفة : قد تكون « مَن » في موضع خفض ونصب وأما الخفض فعل قولك : { لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ } إلا فيمن أمر بصدقة ، فتكون النجوى على هذا التأويل هم الرجال المناجون ، كما قال جلّ ثناؤه : { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } [ المجادلة : 7 ] وكما قال : { وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ } [ الإسراء : 47 ] . وأما النصب ، فعلى أن تجعل النجوى فعلاً فيكون نصباً ، لأنه حينئذ يكون استثناء منقطعاً ، لأنه من خلاف النجوى ، فيكون ذلك نظير قول الشاعر : @ … وَما بالرَّبْعِ مِنْ أحَدِ إلاَّ أُوَارِيّ لاَءْياً مَا أُبَيِّنُها @@ وقد يحتمل « من » على هذا التأويل أن يكون رفعاً ، كما قال الشاعر : @ وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِها أنِيسُ إلاَّ اليَعافِيرُ وَإلاَّ العِيسُ @@ قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك ، أن تجعل « من » في موضع خفض بالردّ على النجوى ، وتكون النجوى بمعنى جمع المتناجين ، خرج مخرج السكرى والجرحى والمرضى ، وذلك أن ذلك أظهر معانيه ، فيكون تأويل الكلام : لا خير في كثير من المتناجين يا محمد من الناس ، إلا فيمن أمر بصدقة أو معروف ، أو إصلاح بين الناس ، فإن أولئك فيهم الخير .