Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 127-127)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنّسَاءِ } ويسألك يا محمد أصحابك أن تفتيهم في أمر النساء ، والواجب لهنّ وعليهنّ . فاكتفى بذكر النساء من ذكر شأنهنّ ، لدلالة ما ظهر من الكلام على المراد منه . { قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } قل لهم يا محمد : الله يفتيكم فيهنّ ، يعني في النساء . { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ فِى يَتَـٰمَى ٱلنِّسَاءِ ٱلَّلَـٰتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } . واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } فقال بعضهم : يعني بقوله : { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } قل الله يفتيكم فيهنّ ، وفيما يتلى عليكم ، قالوا : والذي يتلى عليهم هو آيات الفرائض ، التي في أوّل هذه السورة . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام بن سلم ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَاءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون المولود حتى يكبر ، ولا يورثون المرأة فلما كان الإسلام قال : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَاءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } في أوّل السورة في الفرائض اللاتي لا تؤتونهنّ ما كتب الله لهن . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ فِى يَتَـٰمَى ٱلنِّسَاءِ ٱلَّلَـٰتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } قالت : هذا في اليتيمة تكون عند الرجل لعلها أن تكون شريكته ، في ماله ، وهو أولى بها من غيره ، فيرغب عنها أن ينكحها ويعضلها لمالها ولا ينكحها غيره كراهية أن يشركه أحد في مالها . حدثنا ابن وكيع وابن حميد ، قالا : ثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، قال : كانوا لا يورّثون في الجاهلية النساء والصبيّ حتى يحتلم ، فأنزل الله : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَاءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ فِى يَتَـٰمَى ٱلنِّسَاءِ } في أوّل سورة النساء من الفرائض . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن شعبة ، قال : كانوا في الجاهلية لا يورثون اليتيمة ولا ينكحونها ويعضلونها ، فأنزل الله : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَاءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } … إلى آخر الآية . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : أخبرني الحجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع سعيد بن جبير يقول في قوله : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَاءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ فِى يَتَـٰمَى ٱلنِّسَاءِ ٱلَّلَـٰتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } . … الآية ، قال : كان لا يرث إلا الرجل الذي قد بلغ ، لا يرث الرجل الصغير ، ولا المرأة فلما نزلت آية المواريث في سورة النساء ، شقّ ذلك على الناس ، وقالوا : يرث الصغير الذي لا يعمل في المال ولا يقوم فيه ، والمرأة هي كذلك فيرثان كما يرث الرجل الذي يعمل في المال ! فرجوا أن يأتي في ذلك حدث من السماء ، فانتظروا فلما رأوا أنه لا يأتي حدث ، قالوا : لئن تمّ هذا إنه لواجب ما منه بدّ ، ثم قالوا : سلوا ! فسألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَاءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } في أوّل السورة : { فِى يَتَـٰمَى ٱلنِّسَاءِ ٱلَّلَـٰتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } . قال سعيد بن جبير : وكان الولي إذا كانت المرأة ذات جمال ومال رغب فيها ونكحها واستأثر بها ، وإذا لم تكن ذات جمال ومال أنكحها ولم يَنْكِحْها . حدثنا ابن حميد وابن وكيع ، قالا : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَاءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ فِى يَتَـٰمَى ٱلنِّسَاءِ ٱلَّلَـٰتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا } قال : كانوا إذا كانت الجارية يتيمة دميمة لم يعطوها ميراثها وحبسوها عن التزويج حتى تموت ، فيرثوها ، فأنزل الله هذا . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَاءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } قال : كان الرجل منهم تكون له اليتيمة بها الدمامة والأمر الذي يرغب عنها فيه ولها مال ، قال : فلا يتزوّجها ولا يزوّجها حتى تموت فيرثها ، قال : فنهاهم الله عن ذلك . حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : ثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن السديّ ، عن أبي مالك : { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ فِى يَتَـٰمَى ٱلنِّسَاء ٱلَّلَـٰتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } قال : كانت المرأة إذا كانت عند وليّ يرغب عنها حبسها أن لم يتزوّجها ولم يدع أحداً يتزوّجها . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { فِى يَتَـٰمَى ٱلنِّسَاءِ ٱلَّلَـٰتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان شيئاً ، كانوا يقولون : لا يغزون ولا يغنمون خيراَ ، ففرض الله لهنّ الميراث حقاً واجباً ، ليتنافس أو لينفس الرجل في مال يتيمته إن لم تكن حسنة . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَاءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } يعني الفرائض التي افترض في أمر النساء اللاتي لا تؤتونهنّ ما كتب لهن ، { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } قال : كانت اليتيمة تكون في حجر الرجل ، فيرغب أن ينكحها ، أو يجامعها ولا يعطيها مالها ، رجاء أن تموت فيرثها ، وإن مات لها حميم لم تعط من الميراث شيئاً ، وكان ذلك في الجاهلية ، فبين الله لهم ذلك . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَاءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } حتى بلغ : { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } فكان الرجل تكون في حجره اليتيمة بها دمامة ولها مال ، فكان يرغب عنها أن يتزوّجها ويحبسها لمالها ، فأنزل الله فيه ما تسمعون . حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَاءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } قال : كانت اليتيمة تكون في حجر الرجل فيها دمامة ، فيرغب عنها أن ينكحها ، ولا يُنكحها رغبة في مالها . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ فِى يَتَـٰمَى ٱلنِّسَاءِ ٱلَّلَـٰتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } … إلى قوله : { بِٱلْقِسْطِ } قال : كان جابر بن عبد الله الأنصاريّ ثم السلميّ له ابنة عمّ عمياء ، وكانت دميمة ، وكانت قد ورثت عن أبيها مالاً ، فكان جابر يرغب عن نكاحها ولا ينكحها رهبة أن يذهب الزوج بمالها ، فسأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك . وكان ناس في حجورهم جوار أيضاً مثل ذلك ، فجعل جابر يسأل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، أترث الجارية إذا كانت قبيحة عيماء ؟ فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول « نعم » ، فأنزل الله فيهنّ هذا . وقال آخرون : معنى ذلك : ويستفتونك في النساء ، قل الله يفتيكم فيهنّ ، وفيما يتلى عليكم في الكتاب في آخر سورة النساء ، وذلك قوله : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى ٱلْكَلَـٰلَةِ } [ النساء : 176 ] … إلى آخر السورة . ذكر من قال ذلك : حدثني الحارث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا سلام بن سليم ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن حبير قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون الولدان حتى يحتلموا ، فأنزل الله : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَاءِ } إلى قوله : { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً } قال : ونزلت هذه الآية : { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ } [ النساء : 176 ] … الآية كلها . وقال آخرون : بل معنى ذلك : ويستفتونك في النساء ، قل الله يفتيكم فيهنّ وفيما يتلى عليكم في الكتاب ، يعني في أوّل هذه السورة ، وذلك قوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 3 ] . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، عن قول الله : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 3 ] قالت : يا ابن أختي هيْ اليتيمة تكون في حجر وليها ، تشاركه في ماله ، فيعجبه مالها وجمالها ، فيريد وليها أن يتزوّجها بغير أن يقسط في صداقها ، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا أن ينكحوهنّ إلا أن يقسطوا لهنّ ويبلغوا بهنّ أعلى سنتهنّ من الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهنّ . قال عروة : قالت عائشة : ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فيهنّ ، فأنزل الله : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَاء قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ فِى يَتَـٰمَى ٱلنِّسَاء ٱلَّلَـٰتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أنْ تَنْكِحُوهُنَّ } قالت : والذي ذكر الله أنه يتلى في الكتابِ الآية الأولى التي قال فيها : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 3 ] . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني الليث ، قال : ثني يونس ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، مثله . فعلى هذه الأقوال الثلاثة التي ذكرناها « ما » التي في قوله : { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } في موضع خفض بمعنى العطف على الهاء والنون التي في قوله : { يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } فكأنهم وجهوا تأويل الآية : قل الله يفتيكم أيها الناس في النساء ، وفيما يتلى عليكم في الكتاب . وقال آخرون : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوم من أصحابه سألوه عن أشياء من أمر النساء ، وتركوا المسألة عن أشياء أخر كانوا يفعلونها ، فأفتاهم الله فيما سألوا عنه وفيما تركوا المسألة عنه . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن المثنى وسفيان بن وكيع ، قال سفيان : ثنا عبد الأعلى ، وقال ابن المثنى : ثني عبد الأعلى قال : ثنا داود ، عن محمد بن أبي موسى في هذه الآية : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَاءِ } قال : استفتوا نبيّ الله صلى الله عليه وسلم في النساء ، وسكتوا عن شيء كانوا يفعلونه ، فأنزل الله : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَاءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } ويفتيكم فيما لم تسألوا عنه . قال : كانوا لا يتزوجون اليتيمة إذا كان بها دمامة ، ولا يدفعون إليها مالها فتنفق ، فنزلت : { قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى ٱلنِّسَاءِ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ فِى يَتَـٰمَى ٱلنِّسَاءِ ٱلَّلَـٰتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } قال : والمستضعفين من الولدان . قال : كانوا يورثون الأكابر ولا يورثون الأصاغر ، ثم أفتاهم فيما سكتوا عنه ، فقال : { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } [ النساء : 128 ] ، ولفظ الحديث لابن المثنى . قال أبو جعفر : فعلى هذا القول الذي يتلى علينا في الكتاب الذي قال الله جل ثناؤه : { قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } : { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَـٰفَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً } [ النساء : 128 ] … الآية ، والذي سأل القوم فأجيبوا عنه في يتامى النساء اللاتي كانوا لا يؤتونهنّ ما كتب الله لهنّ من الميراث عمن ورثنه عنه . وأولى هذه الأقوال التي ذكرنا عمن ذكرناها عنه بالصواب وأشبهها بظاهر التنزيل قول من قال : معنى قوله : { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } : وما يتلى عليكم من آيات الفرائض في أوّل هذه السورة وآخرها . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن الصداق ليس مما كتب للنساء إلا بالنكاح ، فما لم تنكح فلا صداق لها قِبَلَ أحَد ، وإذا لم يكن ذلك لها قِبَل أحد لم يكن مما كتب لها ، وإذا لم يكن مما كتب لها ، لم يكن لقول قائل عني بقوله : { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } : الإقساط في صدقات يتامى النساء وجه ، لأن الله قال في سياق الآية مبيناً عن الفتيا التي وعدنا أن يفتيناها في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهنّ ما كتب لهنّ ، فأخبر أن بعض الذي يفتينا فيه من أمر النساء أمر اليتيمة المحولة بينها وبين ما كتب الله لها ، والصداق قبل عقد النكاح ليس مما كتب الله لها على أحد ، فكان معلوماً بذلك أن التي عنيت بهذه الآية هي التي قد حيل بينها وبين الذي كتب لها مما يتلى علينا في كتاب الله . فإذا كان ذلك كذلك ، كان معلوماً أن ذلك هو الميراث الذي يوجبه الله لهن في كتابه . فأما الذي ذكر عن محمد بن أبي موسى ، فإنه مع خروجه من قول أهل التأويل ، بعيد مما يدلّ عليه ظاهر التنزيل ، وذلك أنه زعم أن الذي عنى الله بقوله : { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } هو { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَـٰفَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً } [ النساء : 128 ] ، وإذا وجه الكلام إلى المعنى الذي تأوّله صار الكلام مبتدأ من قوله : { فِى يَتَـٰمَى ٱلنِّسَاءِ ٱلَّلَـٰتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } ترجمة بذلك عن قوله { فِيهِنَّ } ويصير معنى الكلام : قل الله يفتيكم فيهن في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهنّ ، ولا دلالة في الآية على ما قاله ، ولا أثر عمن يعلم بقوله صحة ذلك . وإذا كان ذلك كذلك ، كان وصل معاني الكلام بعضه ببعض أولى ما وجد إليه سبيل . فإذا كان الأمر على ما وصفنا ، فقوله : { فِى يَتَـٰمَى ٱلنِّسَاءِ } بأن يكون صلة لقوله : { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } أولى من أن يكون ترجمة عن قوله : { قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } لقربه من قوله : { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } ، وانقطاعه عن قوله : { يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } . وإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية : ويستفتونك في النساء ، قل الله يفتيكم فيهنّ ، وفيما يتلى عليكم فِي كتابِ الله الذي أنزله على نبيه في أمر يتامى النساء اللاتي لا تعطونهنّ ما كتب لهنّ ، يعني : ما فرض الله لهنّ من الميراث عمن ورثنه . كما : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : { لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } قال : لا تورثونهن . حدثني المثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قوله : { لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } قال : من الميراث ، قال : كانوا لا يورثون النساء ، وترغبون أن تنكحوهن . واختلف أهل التأويل في معنى قوله : { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } فقال بعضهم : معنى ذلك : وترغبون عن نكاحهنّ . وقد مضى ذكر جماعة ممن قال ذلك ، وسنذكر قول آخرين لم نذكرهم . حدثنا حميد بن مسعدة الساميّ ، قال : ثنا بشر بن المفضل ، قال : ثنا عبيد الله بن عون ، عن الحسن : { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } قال : ترغبون عنهنّ . حدثنا يعقوب وابن وكيع ، قالا : ثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن الحسن ، مثله . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، قال : قالت عائشة في قوله الله : { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } : رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال ، فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله ، يعني ابن صالح ، قال : ثني الليث ، قال : ثني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : قال عروة ، قالت عائشة ، فذكر مثله . وقال آخرون : معنى ذلك : وترغبون في نكاحهنّ . وقد مضى ذكر جماعة ممن قال ذلك قبل ، ونحن ذاكرو قول من لم نذكر منهم . حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : ثنا بشر بن المفضل ، قال : ثنا ابن عون عن محمد ، عن عبيدة : { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } قال : وترغبون فيهن . حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع ، قالا : ثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن محمد ، قال : قلت لعبيدة : { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } قال : ترغبون فيهنّ . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس في قوله : { فِى يَتَـٰمَى ٱلنِّسَاءِ ٱلَّلَـٰتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } فكان الرجل في الجاهلية تكون عنده اليتيمة فيلقى عليها ثوبه ، فإذا فعل بها ذلك لم يقدر أحد أن يتزوّجها أبداً ، فإن كانت جميلة وهويها تزوّجها وأكل مالها ، وإن كانت دميمة منعها الرجل أبدا حتى تموت فإذا ماتت ورثها ، فحرّم الله ذلك ونهى عنه . قال أبو جعفر : وأولى القولين بتأويل الآية قول من قال : معنى ذلك : وتَرْغَبُونَ عَنْ أنْ تَنْكِحُوهُنَّ ، لأن حبسهم أموالهن عنهنّ ، مع عضلهم إياهنّ إنما كان ليرثوا أموالهن دون زوج إن تزوّجن . ولو كان الذين حبسوا عنهنّ أموالهنّ إنما حبسوها عنهنّ رغبة في نكاحهنّ ، لم يكن للحبس عنهنّ وجه معروف ، لأنهم كانوا أولياءهن ، ولم يكن يمنعهم من نكاحهنّ مانع فيكون به حاجة إلى حبس مالها عنها ليتخذ حبسها عنها سبباً إلى إنكاحها نفسها منه . القول في تأويل قوله : { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدٰنِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَـٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ } . يعني بذلك جلّ ثناؤه : ويستفتونك في النساء ، قل الله يفتيكم فيهنّ وفيما يتلى عليكم في الكتاب ، وفي المستضعفين من الولدان ، وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط . وقد ذكرنا الرواية بذلك عمن قاله من الصحابة والتابعين فيما مضى ، والذي أفتاهم في أمر المستضعفين من الولدان أن يؤتوهم حقوقهم من الميراث لأنهم كانوا لا يورثون الصغار من أولاد الميت ، وأمرهم أن يقسطوا فيهم فيعدلوا ويعطوهم فرائضهم على ما قسم الله لهم في كتابه . كما : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدٰنِ } كانوا لا يورثون جارية ولا غلاماً صغيراً ، فأمرهم الله أن يقوموا لليتامى بالقسط . والقسط : أن يعطى كلّ ذي حقّ منهم حقه ، ذكراً كان أو أنثى ، الصغير منهم بمنزلة الكبير . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَاءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ فِى يَتَـٰمَى ٱلنِّسَاءِ ٱلَّلَـٰتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا } قال : لا تورثونهنّ مالاً ، { وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَـٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ } قال : فدخل النساء والصغير والكبير في المواريث ، ونسخت المواريث ذلك الأوّل . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَـٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ } أمروا لليتامى بالقسط : بالعدل . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن السديّ ، عن أبي مالك : { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدٰنِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَـٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ } قال : كانوا لا يورثون إلا الأكبر فالأكبر . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدٰنِ } فكانوا في الجاهلية لا يورّثون الصغار ولا البنات ، فذلك قوله : { لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } فنهى الله عن ذلك ، وبين لكل ذي سهم سهمه ، فقال : { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ ٱلأُنْثَيَيْنِ } [ النساء : 11 ] صغيراً كان أو كبيراً . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدٰنِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَـٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ } وذلك أنهم كانوا لا يورّثون الصغير والضعيف ، شيئاً ، فأمر الله أن يعطيه نصيبه من الميراث . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة عن إبراهيم : أن عمر بن الخطاب كان إذا جاءه وليّ اليتيمة فإن كانت حسنة غنية قال له عمر : زوّجها غيرك ، والتمس لها مَن هو خير منك ! وإذا كانت بها دَمامة ولا مال لها ، قال : تزوّجها فأنت أحقّ بها ! . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا يونس بن عبيد ، عن الحسن ، قال : جاء رجل إلى عليّ بن أبي طالب ، فقال : يا أمير المؤمنين ما أمري ، وما أمر يتيمتي ؟ قال : في أيٍّ بالُكما ؟ قال : ثم قال علي : أمتزوّجها أنت غنية جميلة ؟ قال : نعم والإلهِ ! قال : فتزوّجها دميمة لا مال لها ! ثم قال عليٌّ : تزوّجها إن كنت خيراً لها ، فإن كان غيرك خيراً لها فألحقها بالخير . قال أبو جعفر : فقيامهم لليتامي بالقسط كان العدل فيما أمر الله فيهم . القول في تأويل قوله : { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً } . يعني بذلك جلّ ثناؤه : ومهما يكن منكم أيها المؤمنون من عدل في أموال اليتامى التي أمركم الله أن تقوموا فيهم بالقسط ، والانتهاء إلى أمر الله في ذلك ، وفي غيره ، وإلى طاعته ، فإن الله كان به عليماً لم يزل عالماً بما هو كائن منكم ، وهو محصٍ ذلك كله عليكم ، حافظ له ، حتى يجازيَكم به جزاءكم يوم القيامة . ]